مصير الأفغانيات بيد مجلس علماء المسلمين

مصير الأفغانيات بيد مجلس علماء المسلمين

توقع المجتمع الدولي تراجع حصول النساء الأفغانيات على حقوقهن المكتسبة طيلة عقدين من الزمن بعد سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، لكن الحركة تعهدت بعدم المساس بحقوق النساء، ما لم تكن مخالفة للشريعة الإسلامية، وقالت الحركة إن “النساء سيكُن فاعلات للغاية في المجتمع لكن في إطار الشريعة الإسلامية”.

كابول- ربطت طالبان استمرار تمتع المرأة بحقوقها المدنية بمدى ملاءمتها للشريعة الإسلامية، وحتى قبل أن تحكم سيطرتها على كامل البلاد تعهدت طالبان بعدم مساسها بحقوق النساء اللاتي اكتسبنها على مدى عقدين، ما لم تكن مخالفة للشريعة.

وقال قيادي بارز في حركة طالبان إن دور المرأة في أفغانستان، بما في ذلك حقها في العمل والتعليم وشكل ملابسها، أمور سيبت فيها في نهاية المطاف مجلس من علماء المسلمين.

وقال وحيدالله هاشمي، المطلع على صنع القرار في الحركة، لرويترز “علماؤنا سيقررون ما إذا كان سيُسمح للبنات بالذهاب إلى المدارس أم لا”. وأضاف “سيبتون في ما إذا كان يتعين على النساء وضع حجاب أو نقاب أو مجرد غطاء للرأس مع عباءة أو شيء ما أو لا. الأمر متروك لهم”.

وقال ذبيح الله مجاهد، المتحدث الرئيسي باسم حركة طالبان، في مؤتمر صحافي بكابول إنه سيُسمح للنساء بالعمل والدراسة “وسيكُن فاعلات للغاية في المجتمع لكن في إطار الشريعة الإسلامية”.

وقال قادة غربيون إنهم سيحكمون على حركة طالبان الجديدة من خلال أفعالها، بما في ذلك كيفية معاملتها للبنات والنساء.

خسارة المكاسب

ذبيح الله مجاهد: النساء سيكُن فاعلات للغاية في المجتمع، لكن في إطار الشريعة الإسلامية

وبعد أن باتت أفغانستان بيد حركة طالبان، تخشى النساء والفتيات اللواتي استفدن مع جيل كامل من عديد الحقوق والحريات، التحول إلى الفئة الأضعف في البلاد. وترى العديدات أنهن عرضة اليوم لخسارة المكاسب المحققة بصعوبة خلال عقدين من الزمن، خصوصا بعد سقوط العاصمة كابول.

وبعد أن استكملت طالبان اكتساحها لأغلب المدن في أفغانستان، ثم دخلت العاصمة كابول دون قتال وسيطرت عليها بعد عقدين من الزمن على طردها منها، يخشى أن تصبح النساء والفتيات من بين الفئات الهشة في المجتمع الأفغاني. فلطالما استهدفت الأفغانيات لمعارضتهن هجمات طالبان، أو حتى لتوليهن مناصب قيادية.

وفرضت طالبان تفسيرا صارما للشريعة الإسلامية، يشمل الجلد العلني والرجم حتى أطاح بها القصف الأميركي في أعقاب هجمات 11 سبتمبر. ومع استكمال القوات الأجنبية التي تقودها الولايات المتحدة انسحابها، حققت طالبان مكاسب سريعة على الأرض، مما أثار مخاوف بين النساء من التراجع عن حقوقهن، من التعليم والعمل إلى حرية الحركة. فخلال حكم طالبان، طُلب من النساء تغطية أجسادهن ووجوههن ببرقع، ومُنِعن من الدراسة أو العمل أو مغادرة المنزل دون محرم.

ويقول المتشددون إنهم تغيروا، وإن الإسلام يمنح المرأة حقوقا في الأعمال التجارية والعمل والميراث والتعليم، لكنهم لم يقدموا تفاصيل، قائلين فقط إن هذا سيتقرر وفقا للشريعة الإسلامية، مما أثار الشكوك لدى العديد من النساء.

وتعهدت الحكومة بعدم التنازل عن حقوق المرأة مقابل السلام لكن المحادثات بين طالبان والساسة الأفغان فشلت في إحراز تقدم. وقد توقع محللو مجلس الاستخبارات القومي الأميركي خسائر للنساء، حتى قبل فوز طالبان، وعزوا مكاسب النساء الأخيرة إلى الضغط الخارجي، وليس الدعم المحلي.

وكانت فوزية كوفي إحدى المفاوضات القلائل في محادثات السلام بين السياسيين الأفغان (الذين تعهدوا بعدم المساومة على حقوق المرأة) وطالبان.

وقالت كوفي التي نجت من محاولتي اغتيال إن “المقاومة التي تتمتع بها نساء أفغانستان لن تعود إلى نقطة الصفر. سنبذل قصارى جهدنا للحفاظ على وجود المرأة في المجتمع وفي الحياة السياسية والاجتماعية.. لن نعود إلى الماضي المظلم”.

وخطت النساء خطوات كبيرة خلال العقدين الماضيين، حيث أنهت أعداد متزايدة من النساء تعليمهن وعملن في مناصب كانت حكرا على الرجال، بما في ذلك السياسة والإعلام والقضاء والضيافة وتكنولوجيا المعلومات.

مع سيطرة طالبان على البلاد يُخشى من ضياع حقوق النساء خصوصا مع إلغاء الحركة لأغلب الحريات التي انتزعنها خلال 20 عاما

ومع سيطرة طالبان على البلاد، يخشى الكثير ضياع حقوق النساء مع إلغاء الحركة أغلب تلك الحريات التي انتزعنها خلال 20 عاما، بعد أن ساعدت الولايات المتحدة عبر القوات التي تقودها في الإشراف على مسار انتقال البلاد إلى الديمقراطية.

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأحد الفارط طالبان وجميع الأطراف الأفغانية الأخرى إلى ممارسة “أقصى درجات ضبط النفس” وأبدى “قلقه خصوصا حيال مستقبل النساء والفتيات اللواتي يجب حماية حقوقهن المكتسبة بصعوبة”.

فخلال سيطرتها على الحكم في الفترة ما بين 1996 و2001 لم يكن يُسمح للنساء بالعمل، وكانت طالبان تطبق عقوبات مثل الرجم والجلد والشنق.

إلا أن الحركة قدمت في خطابها الأخير وجها أكثر اعتدالا فتعهدت باحترام حقوق المرأة وحماية الأجانب والأفغان على السواء. وقال المتحدث باسم طالبان محمد نعيم في تصريح تلفزيوني إن “الحركة لديها قنوات اتصال مع دول أجنبية وترغب في تنمية هذه القنوات”. مضيفا أن “طالبان تحترم حقوق المرأة والأقليات وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية”. موضحا “ندعو كل الدول والكيانات إلى الجلوس معنا لتسوية أي مشكلات”.

ومع سقوط كابول، يخشى أن يكون الأوان قد فات لإطلاق مناشدات والحصول على المساعدة. فقد أفادت تقارير عديدة بقيام طالبان بتفقد منازل المواطنين لإعداد قوائم للنساء والفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 12 و45 عاما، بغرض تزويجهن قسرا من المقاتلين الإسلاميين. وفي نفس الوقت أخطرت الحركة النساء بوجوب عدم مغادرة المنزل إلا في حال رافقهن الرجال. وأنه لم يعد بإمكانهن العمل أو الدراسة أو اختيار الملابس التي يرغبن في ارتدائها بحرية. وأقفلت المدارس أيضا. لكن طالبان تنفي العودة إلى تلك الممارسات.

قيود صارمة
ونقل كامبل ماكديارميد مراسل الشرق الأوسط في صحيفة التلغراف، عن الأفغان الذين يفرون من تقدم سريع من قبل طالبان، قولهم إن “المتمردين يعيدون فرض قيود صارمة على النساء، مما يمحو أي تقدم تم إحرازه في مجال الحقوق والتعليم منذ الإطاحة بهذه الجماعة الدينية من السلطة قبل عقدين من الزمن”.

وتقول فريشته فوروغ، وهي امرأة أفغانية تعيش في الولايات المتحدة أسست برنامج “كود تو إنسباير”، لتعليم الفتيات برمجة الكمبيوتر في هرات، “أشعر بالحزن الشديد لرؤية ما فعلناه جميعا قد اختفى”.

حق الأفغانية في العمل والتعليم وشكل ملابسها أمور يحددها المجلس

وأضافت “الفتيات اللواتي التحقن بالمدرسة أصبحن خائفات ويائسات، بعد أن اجتاح مقاتلو طالبان المدينة الغربية، وكان بعض الطلاب قد فروا بالفعل”.

وأشار الكاتب الصحافي إلى أنه في المناطق التي تم احتلالها، “ورد أن مقاتلي طالبان أمروا النساء بالبقاء في المنزل وعدم الظهور في الأماكن العامة إلا إذا كانوا يرتدون البرقع ويرافقهن قريب ذكر، مما يشير إلى أن الجماعة لم تعدل من تفسيرها المتشدد للإسلام الذي أدى بها في السابق إلى حظر تعليم الفتيات والموسيقى وتطيير الطائرات الورقية”.

وقال حقوقيون إن خسارة كبيرة تنتظر جيلا كاملا من الأفغانيات اللواتي نجحن في اقتحام الحياة العامة والعمل كمشرعات وصحافيات ومحافظات وطبيبات وممرضات ومعلمات وعاملات في الإدارات العامة.

وكان جيل كامل من النساء يعمل بجهد جنبا إلى جنب مع الرجال، في مجتمع محافظ من تلك المجتمعات حيث من غير المعتاد أن يتقلدن مناصب عليا، أو المساهمة في بناء مجتمع مدني تسوده الديمقراطية. وكل تلك الجهود من أجل إتاحة الأجيال القادمة من النساء التمتع بمكاسبهن.

وصرحت زهرة التي تعمل في منظمة غير ربحية لتوعية النساء، في تصريح لوكالة أسوشيتد برس “أنا تحت وقع صدمة كبيرة”، مضيفة “كيف بات ممكنا بالنسبة لي كامرأة عملت بجد وحاولت التعلم والتقدم، أن أضطر الآن إلى التخفي والمكوث في البيت؟”. وكانت زهرة قد توقفت عن الذهاب إلى المكتب منذ شهر مع تقدم طالبان، وشرعت في العمل عن بعد من المنزل. لكنها لم تتمكن من العمل منذ مدة.

ولم تجد العديد من النساء الأفغانيات المتعلمات من مفر سوى منصات التواصل لطلب المساعدة أو التعبير عن إحباطهن. وفي هذا الإطار، قالت المصورة الأفغانية رادا أكبر على تويتر أمام زحف طالبان “مع انهيار كل مدينة، تنهار أجساد بشرية، تنهار الأحلام، ينهار التاريخ والمستقبل، ينهار الفن والثقافة، تنهار الحياة والجمال، وينهار عالمنا.. رجاء ليوقف أحدكم هذا”.

ولطالما أكد قادة طالبان خلال محادثاتهم مع القادة الغربيين وغيرهم، أن المرأة ستستمر في التمتع بحقوق متساوية لكن وفقا “للشريعة الإسلامية”، بما في ذلك الحق في العمل والتعليم. إلا أن الواقع في المدن التي اجتاحها المتمردون، يظهر أن النساء بدأن خسارة وظائفهن لصالح الرجال.

حتى أن موظفات في فرعين مصرفيين أحدهما في قندهار والآخر في هرات، قد تعرضن للهرسلة والمعاقبة من قبل مسلحين من طالبان في يوليو. فاصطحب المقاتلون النساء إلى منازلهن وأمروهن بعدم العودة إلى عملهن الذي سيشغله بدلا عنهن أقاربهن من الرجال.

وفي هذا الصدد، صرحت نور خاطره (43 عاما) والتي كانت تعمل في قسم الحسابات في البنك “من الغريب حقا ألا يكون العمل مسموحا، لكن الآن هذا ما هو عليه الأمر”. مضيفة “لقد تعلمت اللغة الإنجليزية بنفسي وأتقنت العمل على الكمبيوتر، لكن الآن سأضطر إلى البحث عن مكان يمكنني العمل فيه مع النساء فقط”.

ومع عودة حركة طالبان إلى السلطة، تتصاعد المخاوف من أن تفقد المرأة الأفغانية الكثير من الحريات التي اكتسبتها منذ عام 2001.

وأعربت هيومن رايتس ووتش عن مخاوفها مع عودة طالبان إلى السلطة، قائلة إن “النساء الأفغانيات يجدن أنفسهن في موقف يتعذر الدفاع عنه في البحث عن مساعدة المجتمع الدولي”.

وشددت المنظمة الحقوقية على أنه “بقدر ما كانت انتهاكات طالبان ضد النساء عام 2001 صادمة، إلا أنها أصبحت أكثر من ذلك الآن”، معتبرة أن “الوقوف إلى جانب النساء الأفغانيات في كفاحهن، وإيجاد الأدوات للضغط على طالبان والإرادة السياسية للقيام بذلك، هو أقل ما يمكن فعله من طرف المجتمع الدولي”.

في المقابل، شدد إنعام الله سمنغاني، مسؤول في طالبان، خلال تصريحات بثها التلفزيون الأفغاني الحكومي، الذي تسيطر عليه الحركة الآن، على أن “الإمارة الإسلامية لا تريد أن تكون النساء ضحايا”. لكن كثيرا من الأفغان يخشون أن تعود طالبان إلى ممارساتها القاسية السابقة المتصلة بفرضها ما تقول إنه أحكام الشريعة الإسلامية.

العلماء سيبتون فيما إذا كان يتعين على النساء وضع حجاب أو نقاب أو مجرد غطاء للرأس مع عباءة أو شيء ما أو لا، الأمر متروك لهم

وبالمقابل، قال المتحدث ذبيح الله مجاهد في أول مؤتمر صحافي السيطرة على البلاد “الحرب انتهت (…) (زعيم طالبان) عفا عن الجميع”، وأضاف “نتعهد السماح للنساء بالعمل في إطار احترام مبادئ الإسلام”.

ولدى سؤاله عن أوجه الاختلاف بين حكومة طالبان التي أطاحها تدخّل عسكري غربي بقيادة الولايات المتحدة قبل عشرين عاما والحركة اليوم، قال “إذا كان السؤال يستند إلى العقيدة والمعتقدات ليس هناك اختلاف… لكن إذا كان يستند إلى الخبرة والنضج والبصيرة، فمن دون أدنى شك هناك أوجه اختلاف كثيرة”.

بدورها، جمعت وكالة “رويترز” ست مجالات تحسنت بها حياة النساء منذ سقوط آخر حكومة لطالبان منذ 20 عاما، والمكاسب التي يُخشى الآن أن تكون معرضة للخطر. عندما حكمت طالبان أفغانستان، منعت الفتيات فوق سن الثامنة من تلقي التعليم.

ارتفع عدد الفتيات الملتحقات بالمدارس الابتدائية في أفغانستان إلى 33 في المئة عام 2017 من أقل من 10 في المئة عام 2003، بينما بلغ التحاقهن بالمدارس الثانوية 39 في المئة عام 2017، بعدما كان 6 في المئة عام 2003. كما بدأت جامعة كابل تدريس درجة الماجستير في دراسات النوع الاجتماعي والمرأة.

العرب