تونس – اندلعت فجر الجمعة اشتباكات عنيفة بمعسكر التكبالي في العاصمة الليبية طرابلس بين اللواء 444 قتال التابع لقيادة أركان المنطقة الغربية وميليشيا جهاز دعم الاستقرار التابعة للمجلس الرئاسي، في أحدث جولة للصراع على النفوذ بين الميليشيات.
وقالت مصادر مطلعة لـ”العرب” إن “أمير الحرب عبدالغني (غنيوة) الككلي الذي يتزعم ميليشيا دعم الاستقرار دفع بعناصره للسيطرة على مقر المعسكر التابع لمنطقة طرابلس العسكرية والواقع في حي صلاح الدين إلى الجنوب من الوسط بمسافة 10 كلم، مستغلا بذلك فرصة انتقال أغلب عناصر اللواء 444 إلى أودية وأحراش بني وليد وترهونة”.
وأوضحت المصادر أن اشتباكات طاحنة شهدتها بوابة المعسكر والمناطق المحيطة به استعملت فيها الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وأن اللواء 444 استدعى قواته الموجودة خارج العاصمة لتلتحق بساحة القتال حيث نفذت خطة إلتفافية، نجحت من خلالها في دحر ميليشيا دعم الاستقرار وأسر عدد من عناصرها ممن تم الكشف عن هوياتهم في شريط فيديو تم نشره صباح الجمعة.
كما أكدت المصادر أن المواجهات نتج عنها قتل عنصرين من اللواء 444 وآخر من ميليشيا دعم الاستقرار، بالإضافة إلى عدد من الإصابات متفاوتة الخطورة في الطرفين.
ويرى المراقبون أن اشتباكات التكبالي كشفت عن عمق التصدع داخل جبهة الميليشيات في طرابلس وعن الصراعات التي تعرفها الجبهة العسكرية التابعة للمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، وهو ما تبين من ردود الفعل بعد توقف المعركة، فيما تحدث آخرون عن عملية تمرد حاولت تنفيذها منطقة طرابلس العسكرية المرتبطة بالمجلس الرئاسي ضد قوات قيادة الأركان التابعة لحكومة عبدالحميد الدبيبة.
عبدالباسط مروان: فوجئنا بفتح اللواء 444 حسابا خاصا به وضخّ 2.2 مليون دولار
فقد اتجه محمد الحداد رئيس ما يسمى الأركان العامة للجيش -المعين من قبل عبدالحميد الدبيبة- ومن يعرف برئيس الأركان البرية وعضو اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 الفيتوري غريبيل إلى مقر اللواء 444 للاطمئنان على الأوضاع العسكرية داخل معسكر التكبالي ومنطقة طرابلس العسكرية، بعد الهجوم الذي شنته قوات المجلس الرئاسي.
وأثنى الحداد على شجاعة اللواء 444 وقدرته على التصدي للهجوم الذي وصفه بالغادر، وهو ما يشير إلى الدعم الذي يلقاه اللواء المذكور من الحكومة، في حين أرجعت مصادر إعلام محلية هجوم ميليشيا دعم الاستقرار إلى تواجد المرتزقة السوريين في صفوف اللواء 444.
ونقلت صحيفة “المرصد” المحلية عن مصادر لم تذكرها من جهاز دعم الاستقرار أن خلفيات المشكلة هي احتضان اللواء 444 للمرتزقة السوريين في معسكر اليرموك بصلاح الدين بعد ما قاموا به الأسبوع الماضي من قطع للطريق والخروج عراة للشارع العام.
وقال المصدر “إن السوريين في كامل المنطقة من التكبالي إلى كلية الشرطة واليرموك تحت حماية 444 ولم يعد مقبولاً بقاؤهم هناك رغم المطالبات المتكررة بالتوقف عن إيوائهم”.
وتابع “عليهم إخراج السوريين من المنطقة سلميا وفورا ووقف هدر الملايين عليهم ونحن لا نريد إراقة دماء أحد”.
وبدوره قال عبدالباسط مروان، آمر ما يسمى منطقة طرابلس العسكرية، إن قرار اقتحام المعسكر تم اتخاذه بسبب ما اعتبره انحرافات داخل اللواء المسيطر عليه، وأضاف “أنشأنا اللواء من خيرة ما لدينا من كفاءات عسكرية، وكلفنا المقدم محمود حمزة (القيادي السابق في ميليشيا الردع) بتسييره والإشراف على التدريب، لكن لاحظنا أن اللواء انحرف عن وظيفته وأصبح يرفض الامتثال للأوامر العسكرية، زد على ذلك حضور اجتماعات غير مسموح له بحضورها ولا علاقة له بها”.
وتابع مروان في شريط فيديو نشره الجمعة أن “اللواء 444 ليست له ذمة مستقلة، وجميع عناصره تابعون للشعبة المالية لمنطقة طرابلس العسكرية، ولكن فوجئنا بفتح حساب خاص به وضخ أموال تقدر بـ10 ملايين دينار ليبي (2.2 مليون دولار أميركي)، فاتصلنا بالمصرف وطلبنا منه غلق الحساب، ولكنْ لم ينفع ذلك، فقد تم سحب الأموال بالكامل”.
وأوضح مروان “كان لا بد من تصحيح الأوضاع، ويوم الخميس ذهب المقدم محمود حمزة إلى إدارة الاستخبارات وطلب إذنا بالمغادرة إلى تركيا، دون الحصول على إجازة أو إبلاغ آمر المنطقة بذلك، وبالفعل سافر على الساعة التاسعة من مساء الخميس، فكان علينا الإسراع في العمل، وكلفنا سرية الإنقاذ بالسيطرة على مخزن السلاح لأنه يوجد بالمقر أفراد تم استقطابهم ولا علاقة لهم بالعسكرية وسبق أن نبهنا إلى ذلك ولكن دون جدوى”.
وأردف مروان أنه يتحمل المسؤولية في الهجوم، داعيا المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى فتح تحقيق في هذا الخصوص.
وطرحت تصريحات مروان عددا من الأسئلة عن طبيعة الاجتماعات التي كان حمزة يحضرها دون علم منطقة طرابلس العسكرية؟ وعما إذا كانت قيادة الأركان طرفا فيها؟ وهل لها علاقة بنشاط اللجنة العسكرية المشتركة؟ وكذلك عن مصدر الملايين التي تم ضخها في حساب اللواء 444 وتم سحبها الخميس؟ وعن سر رحلة آمر اللواء إلى تركيا؟
وتكفلت بتنفيذ الهجوم على معسكر التكبالي ميليشيا جهاز دعم الاستقرار التي تم تشكيلها بقرار من رئيس أركان غرب ليبيا محمد الحداد في يناير الماضي، وكلف بإمرتها القيادي الميليشياوي عبدالغني الككلي الذي عين كذلك مستشارا للأمن القومي من قبل رئيس حكومة الوفاق المنتهية ولايتها فايز السراج.
لكن ميليشيا 444 تصدت للهجوم ، وواصلت التقدم بعد أن أعادت السيطرة على أجزاء خاضعة لها في منطقة صلاح الدين ومنطقة طرابلس العسكرية بعد أن فقدتها في البداية، وطاردت الهاربين بــ”سيمافرو كلية الهضبة” بالقرب من مصحة أويا كما أحرقت آلية تابعة لجهاز دعم الاستقرار.
وزعم عبدالمالك المدني، الناطق باسم المكتب الإعلامي لما يسمى بـ”عملية بركان الغضب” المشكلة من ميليشيات المنطقة الغربية، أنه “تم إفشال محاولة تمـرد داخل العاصمة طرابلس تقودها مجموعة من العسكريين وبدعم من العصابات المتحالفة، بعد محاولتهم السيطرة على معسكر التكبالي وتنفيذ مخطط خارجي، ولكن رجال الوطن كانوا لهم بالمرصاد وكبدوهم خسائر فادحة وتمكنوا من أسر العشرات منهم”.
وأضاف المدني، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، “هذه ليست المرة الأولى التي يتسبب بها حلف العصابات في زعزعة الأمن داخل العاصمة، ولكن هي المرة الأولى التي يتورط في هذا التمرد عدد من الضباط العسكريين”.
وطلب المدني من وزير الدفاع والمجلس الرئاسي والمدعي العام العسكري إجراء تحقيقات سريعة وعاجلة جدا وتوضيح ملابسات الهجوم.
وتشير أوساط من داخل طرابلس إلى وجود تصدعات داخل جبهة الميليشيات، ولاسيما بين الكتائب التابعة للمجلس الرئاسي ونظيرتها الموالية للحكومة، وأن ما حدث فجر الجمعة يكشف عن حجم الخلافات ذات الصلة بمراكز النفوذ وبالصراع على الشرعيات المزعومة من داخل تكتلات تطغى عليها النزعة الميليشياوية، حيث حاولت منطقة طرابلس العسكرية التمرد على رئاسة الأركان، وكلتاهما تتبعان نظريا وزارة الدفاع التي يشرف عليها رئيس الحكومة وتخضعان للقيادة العليا التي يمثلها المجلس الرئاسي.
ودعت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا إلى ضرورة وقف إطلاق النار في منطقة صلاح الدين جنوب طرابلس، معبرة عن قلقها إزاء نشوب القتال فجر الجمعة في تلك المنطقة ومحيطها، بين قوة دعم الاستقرار التابعة للرئاسي واللواء 444 قتال منطقة طرابلس العسكرية التابع لرئاسة الأركان.
وأعربت المنظمة في بيان لها عن أسفها لعجز حكومة الوحدة الوطنية عن ضبط تحركات تلك التشكيلات المسلحة داخل الأحياء المكتظة بالمدنيين، مشددة على أن ضمان سلامة المدنيين هو مسؤولية حكومة الوحدة الوطنية.
وأكدت أن تجدد النزاعات المسلحة في أكثر من منطقة خلال الأسابيع الماضية يشكل خطراً داهماً على سلامة مئات الآلاف من المدنيين داخل عدد من تلك المدن نتيجة لاستخدام أنواع متعددة من الأسلحة المتوسطة والثقيلة.
العرب