خطأ الانسحاب من أفغانستان يكاد يتكرر في إيران

خطأ الانسحاب من أفغانستان يكاد يتكرر في إيران

واشنطن – يندفع المتشائمون من سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن الخارجية، في التحذير من ارتكاب نفس الخطأ الأفغاني عندما يتعلق الأمر بإخراج إيران من الدول المارقة وإعادة الاتفاق النووي معها بطريقة تجعلها أكثر غرورا من طالبان.

ويذهب المتشائمون في ذلك إلى أن بايدن نفسه لم يرَ في الانتكاسة الأميركية بعد الانسحاب العاجل وغير المدروس من أفغانستان خطأ، فلمَ لا يكرره مع إيران؟

ويكلبون بايدن بقراءة التاريخ السياسي للرجال الحكماء، وقراءة تاريخ المراوغة الإيرانية مع الغرب ومحيطها الإقليمي منذ عام 1979، ليدرك أنها دولة تخطط لإخضاع محيطها الإقليمي وفق أيديولوجيا راديكالية متشددة.

وأعرب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن نيته التفاوض على اتفاق مكمل يطيل القيود النووية الأساسية التي من المقرر أن تنتهي في السنوات المقبلة. لكن إذا رفعت إدارة بايدن العقوبات عن إيران للعودة إلى الاتفاق المعيب، فإنها ستهدر النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي الذي راكمته إدارة دونالد ترامب بسياسة الضغط الأقصى، فتخسر بالتالي أي حظوظ للتوصل إلى اتفاق أفضل.

في مقابل ذلك تنطلق من واشنطن رسائل سياسية باردة، لا تجعل إيران تنصاع وتندفع في غرورها خصوصا بعد الهزيمة الأميركية في أفغانستان.

وقال كبير مبعوثي الولايات المتحدة للمفاوضات النووية في فيينا روبرت مالي إن إدارة الرئيس جو بايدن “لا يمكنها الانتظار إلى الأبد” حتى تقرر إيران أنها تريد استئناف المحادثات بشأن العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2018.

وأضاف أن الولايات المتحدة لم تتلق أي مؤشر على أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مستعد للالتزام بجولة سابعة من المحادثات للعودة إلى الامتثال للاتفاق المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.

وأكد على أن بلاده لا يمكنها الانتظار إلى الأبد بينما تواصل إيران تقدمها النووي لأن تقدمها في مرحلة ما سيجعل العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة أقل قيمة بكثير للولايات المتحدة، على الرغم من أنه أضاف أن الولايات المتحدة “مستعدة للتحلي بالصبر”.

أما في طهران فيناور الرئيس الإيراني عبر رسائل دبلوماسية لا توحي بتحقيق متطلبات المجتمع الدولي، فضلا عن كونها لا تطمئن جيران إيران العرب من مشروعها النووي.

وقال رئيسي إن إيران مستعدة لإجراء محادثات مع القوى الغربية لإحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 لكن ليس تحت “ضغط” غربي، مضيفا أن طهران تسعى من أجل مفاوضات تؤدي إلى رفع العقوبات الأميركية.

وكانت فرنسا وألمانيا قد دعتا طهران للعودة إلى طاولة المفاوضات بعد توقف المحادثات في أعقاب الانتخابات الإيرانية في يونيو حيث تدعو باريس لاستئناف المحادثات فورا وسط قلق الغرب من توسيع إيران لأنشطتها النووية.

وعبرت فرنسا وألمانيا وبريطانيا الشهر الماضي عن قلقها البالغ إزاء تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أكدت أن إيران أنتجت لأول مرة معدن اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء انشطاري تصل إلى 20 في المئة ورفعت الطاقة الإنتاجية لليورانيوم المخصب إلى 60 في المئة.

وأضاف رئيسي في مقابلة مع التلفزيون الرسمي أذيعت على الهواء مباشرة السبت “الغربيون والأميركيون يسعون وراء محادثات مع الضغط.. لقد أعلنت بالفعل أننا سنجري محادثات بناء على أجندة حكومتنا، لكن ليس تحت ضغط”.

وحيال ذلك الموقف المتعالي من رئيسي ينصح خبراء الشؤون الإيرانية في مراكز الأبحاث الأميركية الرئيس بايدن، الإصرار على التوصل إلى اتفاق فعال جديد، يقيّد برنامج إيران النووي بشكل دائم ومثل طالبان التي رفضت احترام التزامها بتخفيض هجماتها وقطع علاقاتها بتنظيم القاعدة، انتهك النظام في إيران وبشكل متكرر التزاماته بحظر الانتشار النووي.

واستغلت إيران تخفيف العقوبات الذي نص عليه الاتفاق النووي، فاستخدمت الأموال لدعم تدخلها في سوريا في 2015 وتعزيز ميليشياتها في العراق ولبنان واليمن. وإذا علقت الولايات المتحدة مجدداً العقوبات بالعودة إلى الاتفاق النووي، فقد تتضخم هذه العواقب السلبية في الإقليم بشكل أكبر.

ويرى جيمس فيليبس الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة “ذا هيريتدج” أن إدارة الرئيس بايدن توشك في تعاملها مع إيران على تكرار خطأ شبيه بالخطأ الكارثي الذي ارتكبته في أفغانستان، بإحياء الاتفاق النووي المعيب.

وأضاف فيليبس أن طهران صعدت انتهاكاتها للاتفاق النووي بشكل مطرد، عبر إخفاء نشاطاتها النووية وتقييد وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى منشآتها.

ويرى أن إيران هي واحدة من أكبر الفائزين بعد وصول طالبان إلى الحكم في أفغانستان، ورغم أن طهران اصطدمت في الماضي مع الحركة السنية المتطرفة، إلا أنهما يعارضان الولايات المتحدة والنفوذ الغربي.

ويطالب المعارضون للسياسة الإيرانية في المنطقة إدارة بايدن بعدم مضاعفة المسارات السلبية بإحياء الاتفاق النووي الذي كافأ طهران برفع طويل المدى للعقوبات في مقابل قيود قصيرة المدى على برنامجها النووي.

وبدأت المدة الزمنية لبنود أساسية في الاتفاق بالانتهاء. ورفعت الأمم المتحدة حظر تصدير السلاح إلى إيران في أكتوبر الماضي، رغم تكرار إيران انتهاكاتها لقيود الاستيراد وحظر التصدير.

وتزيل سلسلة من البنود الغربية القيود على برنامج إيران الصاروخي البالستي في 2023 وعلى برنامجها المتطور للطرد المركزي في 2024، وفي 2025 سيُنهي مجلس الأمن تركيزه على القضية النووية وسيتوقف المراقبون الدوليون عن تنظيم واردات إيران من التجهيزات المرتبطة بالتصنيع النووي.

وبحلول عام 2031، ستنهار قيود أساسية على تخصيب اليورانيوم والبلوتونيوم بشكل يسمح لإيران بتعزيز برنامجها النووي على نطاق صناعي، ما سيسهل تسريع وصول إيران إلى امتلاك مواد نووية يمكن استخدامها في سلاح نووي.

وقال فيليبس إنه عوض العودة إلى اتفاق في حكم المنتهي، فإن على الولايات المتحدة الإصرار على التوصل إلى اتفاق فعال جديد، يقيّد برنامج إيران النووي بشكل دائم. وإن لم يفعل ذلك فسيخاطر بايدن بالتضحية بالمصالح الأمنية الأميركية وبمصالح حلفائه بالدفع لإحياء الاتفاق القديم، تماماً كما خاطر بضرب تلك المصالح بالدفع إلى الانسحاب الأميركي الفوري والكامل من أفغانستان.

العرب