فتح بورصة محاصصة الوزارات العراقية مبكرا وقبل إجراء الانتخابات

فتح بورصة محاصصة الوزارات العراقية مبكرا وقبل إجراء الانتخابات

أثارت منافسة مبكرة بين القوى السياسية في العراق على ضمان حصتها من المناصب الوزارية في الحكومة المقبلة وقبل إجراء الانتخابات البرلمانية، تساؤلات في الشارع العراقي عن الوعود المتكررة بالتغيير وإصلاح النظام السياسي المبني على المحاصصة الفاسدة.

بغداد – أطلقت قوى وأحزاب سنية وشيعية رسائل جس نبض في وقت مبكر لضمان حصتها من المناصب الوزارية وفق المحاصصة الطائفية السائدة في العراق منذ عام 2003.

وعلى الرغم من أنه من المبكر التحدث عن الحكومة العراقية قبل إجراء الانتخابات في العاشر من أكتوبر المقبل وتحديد الكتلة الفائزة والتحالفات التي ستلتئم عنها، إلا أن الكتل المسيطرة على تمثيل الطوائف بدأت في الحديث عن حصتها المرتقبة.

وساد التقسيم الطائفي على توزيع المناصب العليا في العراق منذ أول حكومة عينها الحاكم الأميركي بول بريمر بعد الاحتلال، فبعد أن أنيطت رئاسة الجمهورية لمرة واحدة بالسنة عندما منحت للشيخ عزيز الياور، انتقل المنصب إلى الأكراد، فبعد جلال الطالباني جاء فؤاد معصوم ثم برهم صالح.

وتمسك الشيعة بمنصب رئيس الوزراء الذي تتالى عليه إياد علاوي وإبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبدالمهدي ومصطفى الكاظمي.

بينما منح سنة العراق رئاسة البرلمان، فبعد محمود المشهداني جاء إياد السامرائي ثم أسامة النجيفي وسليم الجبوري ومحمد الحلبوسي.

ولا توحي المؤشرات الأولية قبل الانتخابات البرلمانية بتغيير في تلك المحاصصة في المعادلة السياسية، لكن المطالب بدأت مبكرا في الاستحواذ على الوزارات في الحكومة المقبلة.

وعلى خلفية ذلك التنافس على المناصب لا يبدو أن هناك فرصة لخروج الدولة العراقية من حالة نكوصها وفشلها، الأمر الذي يعني أن كل انتخابات ستحمل معها أسبابا جديدة للفشل.

وأشار المحلل السياسي العراقي شاهو القرة داغي إلى أن التعامل بالمناصب ودفع مبالغ خيالية لاستحصال بعض الوزارات يعطي إشارات ورسائل سلبية بأن الانتخابات مجرد عملية شكلية ديمقراطية لتغطية الفساد الذي يجري في الداخل.

شاهو القرة داغي: بازار كبير لبيع وشراء المناصب مفتوح في العراق منذ أيام
ورأى عضو مجلس النواب العراقي كريم أبوسودة أنه لا بديل عن محمد الحلبوسي لرئاسة مجلس النواب في دورة تشريعية جديدة، مؤكداً على أن تحالف تقدم برئاسة الحلبوسي متمسك برئاسة البرلمان، وأن المكون السني يسعى لنيل وزارة الخارجية.

وعزا أبوسودة أسباب تمسك تحالف تقدم برئاسة البرلمان إلى أن الأكراد لا يرغبون بأخذ رئاسة مجلس النواب مقابل رئاسة الجمهورية للسنة.

وكشف عن مسعى السنة للحصول على منصب وزير الخارجية، تحت ذريعة أن محيط العراق أغلبه من الدول العربية السنية.

واستحوذ الشيعة على منصب وزير الخارجية في الحكومات السابقة باستثناء الدورة الأولى حيث حصل عليه الأكراد بتقلد هوشيار زيباري المنصب، والدورة الحالية حيث يتولى وزارة الخارجية فؤاد حسين عن الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وتوالى على وزارة الخارجية من الشيعة إبراهيم الجعفري وحسين الشهرستاني ومحمد علي الحكيم.

ويدفع رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي بصهره ياسر صخيل المالكي عضو البرلمان الحالي والمرشح للانتخابات المقبلة إلى وزارة الداخلية.

وينفق المالكي مبالغ كبيرة على حملة انتخابية خصوصا في محافظات الفرات الأوسط، من أجل الدفع بصهره مرة أخرى إلى عضوية البرلمان.

وصخيل هو صهر المالكي وعضو في البرلمان عن ائتلاف دولة القانون، ومرشح في الانتخابات الجديدة عن محافظة كربلاء وسبق أن رشحه المالكي لحقيبة الداخلية في حكومة مصطفى الكاظمي بالرغم مِن عدم امتلاكه أي تجربة في مجال الأمن أو إدارته.

وأثار ائتلاف دولة القانون حنق الكتل السياسية عندما رشح صخيل لحقيبة الداخلية لمعرفتها بضحالة المستوى التعليمي لصهر المالكي ودخوله البرلمان بشهادة مزورة وانعدام خبرته في شؤون الأمن.

ولا تستبعد أوساط شعبية في محافظة كربلاء فوز صخيل بعضوية البرلمان الجديد، وحصول ائتلاف دولة القانون على عدد من المقاعد يؤهله للدخول في تشكيل رئاسة الحكومة.

وترى هذه الأوساط أن المال الذي أنفق من قبل ائتلاف دولة القانون على استمالة العشائر في محافظات الفرات الأوسط يجعله مهيئا للحصول على حصة لا يستهان بها في الدورة البرلمانية الجديدة.

وتقول مصادر مقربة من حزب الدعوة الإسلامي الذي يرأسه المالكي إن صهرَيْ المالكي ياسر صخيل وحسين المالكي يتحكمان في الموقف السياسي الرسمي لائتلاف دولة القانون.

وعلى الرغم من أن المراقبين لأجواء الانتخابات العراقية يرون أن التنافس على الحصص الوزارية ما زال مبكرا، لأن لغة الأرقام التي ستسفر عنها نتائج الانتخابات والجدل المتوقع عليها، هي التي ستحدد التغيير في المناصب الرئاسية والوزارية وفق المحاصصة الطائفية.

كريم أبوسودة: المكون السني يسعى لنيل وزارة الخارجية في الحكومة الجديدة
إلا أن مصدرا سياسيا عراقيا رفض اعتبار أن مزاد المناصب بدأ مبكرا، مؤكدا على أن مزاد المناصب مفتوح طوال أيام السنة وهو مرآة تعكس الصراع على تقاسم النفوذ بما يضمن للكتل السياسية الحصول على أكبر قدر ممكن من الامتيازات والمنافع التي لا يستفيد منها أبناء المكون بل تذهب كلها إلى الحزبيين وعوائلهم وأقربائهم وأخيرا مَن يناصرونهم إذا بقي شيء يستحق الذكر.

وقال المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه في تصريح لـ”العرب”، “لا شيء جديد. فالتنافس على المناصب هو جزء من نظام المحاصصة الطائفية والعرقية الذي يسكت الجميع عن مثالبه بسبب اشتراكهم في حفلة الفساد القائمة على نهب ثروات العراق”.

وتساءل لمَ تكون للأكراد حصتهم في البرلمان العراقي في الوقت الذي يملكون فيه برلمانا خاصا بهم؟ كذلك فإن لهم حصتهم في التشكيلة الحكومية ببغداد فيما هم يملكون حكومة بتركيبة وزراء كاملة كما أن لديهم ممثليات في الخارج إلى جوار السفارات العراقية.

وعزا تمسك الأكراد بمنصب رئيس الجمهورية وهو منصب رمزي، إلى أنهم يجدون في وجودهم بذلك المنصب عائقا يحول دون عودة العراق إلى محيطه العربي. ذلك ما لا يستطيع أحد تغييره وليس في إمكان سياسيي السنة الحصول على منصب رئاسة الجمهورية.

وقال شاهو القرة داغي مستشار مركز العراق الجديد للبحوث والدراسات الاستراتيجية “على الرغم من تأكيد قادة أغلب الكتل والأحزاب السياسية على ضرورة التغيير من خلال الانتخابات المبكرة القادمة، إلا أن الأمر مختلف في ما وراء الكواليس، وكل طرف داخل في بازار كبير لبيع وشراء المناصب والسلطات منذ الآن”.

وأضاف القرة داغي في تصريح لـ”العرب” أن المشهد يؤكد تماما بقاء المحاصصة الطائفية وسيادة المال القذر واستحالة التغيير في ظل هذه العقلية التي تريد تحقيق مصالحها الحزبية الضيقة على حساب مصالح الوطن والمواطنين.

وشدد على أن توزيع الوزارات والمناصب حسب المحاصصة وإرادة القادة السياسيين من كافة المكونات دليل على الإصرار على إبعاد الكفاءات وأصحاب القدرات الوطنية ووضع شخصيات طائفية فاشلة في هذه المناصب مما يساهم في تعميق جراح البلاد وتراكم المشاكل بصورة أكبر.

العرب