في أول إجراء عملي لتطبيق الاتفاق العراقي الأميركي القاضي بسحب القوات القتالية من البلاد بحلول نهاية العام الحالي، عقد قادة عسكريون عراقيون وأميركيون في بغداد اجتماعاً موسعاً، صباح أمس الجمعة، أفضى إلى اتفاق ينص على بدء عملية تقليص القدرات القتالية الأميركية في البلاد، والموجودة ضمن قاعدتي “حرير” في أربيل و”عين الأسد” في الأنبار، على أن يتم الانتهاء من العملية في نهاية سبتمبر/ أيلول الحالي.
واعتبر مراقبون وسياسيون عراقيون، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، أن التطور الجديد على مستوى ملف الوجود العسكري الأميركي، سيصب في صالح خلق أجواء مستقرة قبيل الانتخابات البرلمانية المقررة في العاشر من الشهر المقبل، خاصة في ما يتعلق بالفصائل المسلحة الحليفة لطهران، والتي تُصر على إخراج القوات الأجنبية من البلاد مقابل وقف هجماتها المتكررة على المعسكرات والقواعد التي توجد فيها القوات الأميركية. لكنهم أعربوا، في المقابل، عن مخاوفهم من الارتدادات السياسية والأمنية للخطوة، من ناحية توظيف القوى الحليفة لطهران لهذا الانسحاب، وكذلك تشجيع بقايا تنظيم “داعش” على ترتيب صفوفها وتنفيذ عمليات ترهق الأمن في البلاد وتعيد التوتر إليها.
العراق ضغط باتجاه تسريع عملية بدء الانسحاب هذا الشهر لأسباب سياسية متعلقة بالانتخابات
ويمثل الإعلان عن خفض القوات بداية تنفيذ الاتفاق القاضي بتغيير مهمة القوات الأميركية من قتالية إلى استشارية وتدريبية للقوات العراقية ووحدات البيشمركة في إقليم كردستان العراق. ووفقاً لمسؤولين عراقيين، فإن الوفد الأميركي المفاوض برئاسة الجنرال جون برينان، قائد قوات عمليات “العزم الصلب” في العراق، والذي يتولى فعلياً منذ 2017 إدارة العمليات القتالية ضد “داعش”، والإشراف على إعادة هيكلة الوحدات العسكرية العراقية، سينتقل اليوم، السبت، إلى أربيل حيث توجد قاعدة “حرير”، ومنها إلى قاعدة “عين الأسد”، في الأنبار، حيث سيشرف على تنفيذ الخطوات النهائية لبدء عملية سحب الوحدات القتالية الموجودة في القاعدتين.
وقال مسؤول عراقي في قيادة العمليات المشتركة إن هناك مسائل ما زالت بانتظار حسمها خلال اليومين المقبلين، من ضمنها منظومة “باتريوت” الأميركية والمروحيات القتالية الموجودة في القاعدتين، والخطوات التي ينبغي على العراق اتخاذها بشأن حماية العسكريين الأميركيين والمتعاقدين معهم بعد انسحاب القوات القتالية، وضمان عدم تعرض تلك القوات لاعتداءات صاروخية على غرار تلك التي تحصل حالياً. وأكد المسؤول، لـ”العربي الجديد”، أن “العراق ضغط باتجاه تسريع عملية بدء الانسحاب هذا الشهر بدلاً من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لأسباب سياسية متعلقة بالانتخابات، بالإضافة إلى عودة التهديدات من فصائل وقوى مسلحة في هذا الإطار”.
تقارير عربية
الانسحاب الأميركي من العراق: تأثيرات سياسية وأمنية
وأقر المسؤول بأن “هناك تفاصيل كثيرة لم تحسم بشكلها النهائي، لذلك فإن الوفد الأميركي سيبقى موجوداً في بغداد للتوصل إلى تفاهمات بشأنها، من بينها تشكيك قوى سياسية بحقيقة الأوضاع داخل قاعدة حرير في إقليم كردستان، وأن هناك تفاهمات بين القادة الأكراد والأميركيين بشأن بقاء القاعدة كمنطقة عمليات، ترتبط أهميتها بالوجود الأميركي في الشرق السوري المجاور لأربيل”. وقال إن “واشنطن وافقت على تسليم بغداد كشفاً بالأعداد المتبقية (من الجنود) ونوعية المعدات الموجودة في القاعدتين، وأيضاً خضوع الطيران العسكري الأميركي المخصص لأغراض النقل للموافقات العراقية لدخول الأجواء، وهو ما لم يكن متوفراً سابقاً”.
وبحسب بيان عسكري عراقي، فإن اجتماعاً عقد في بغداد، أمس الجمعة، بين مسؤولين أميركيين وعراقيين، برئاسة نائب قائد العمليات المشتركة الفريق الركن عبد الأمير الشمري وبرينان، في إطار المحادثات الفنية، وخطة الانتقال إلى دور غير قتالي لقوات التحالف الدولي العاملة في العراق، بموجب مخرجات الاجتماع الذي عقد في واشنطن، نهاية يوليو/ تموز الماضي، بين رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والرئيس الأميركي جو بايدن. وأضاف أن “الطرفين اتفقا على تقليص الوحدات القتالية والقدرات الأميركية في القواعد العسكرية في عين الأسد وأربيل (قاعدة حرير)، على أن يكتمل بحلول نهاية أيلول (سبتمبر) الحالي”. كما تم الاتفاق على “تخفيض مستوى قيادة التحالف الدولي من مقر بقيادة ضابط برتبة فريق (جنرال) إلى مقر أصغر بقيادة ضابط برتبة لواء، لأغراض الإدارة والدعم والتجهيز وتبادل المعلومات الاستخبارية والمشورة”. وأشار إلى أن “الطرفين جددا التأكيد على أن وجود القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي هو بدعوة من العراق، ويعتمد على توفير الحماية من الحكومة العراقية وفقاً للقوانين والأعراف الدولية، بما يتوافق مع السيادة العراقية. كما اتفق الجانبان على عقد جلسات منتظمة لاستكمال مناقشة الخطوات المتبقية لتأمين الانتقال إلى دور غير قتالي لقوات التحالف الدولي بحلول الوقت المحدد لها في نهاية هذا العام”.
عباس الزاملي: الإعلان تسريع من قبل الحكومة العراقية لخطوات الانسحاب الأميركي من البلاد
وأعلن المتحدث باسم التحالف الدولي العقيد واين ماروتو أن قوات الأمن العراقية في العام 2021 أقوى وأكثر قدرة من السابق، لأنها حققت تفوقاً تكتيكياً متميزاً ضد “داعش”. وقال: “منذ العام 2014، يواصل التحالف، المؤلف من 83 عضواً، الالتزام بدعم شركائنا في القوات العراقية في قتالها ضد داعش وتعزيز المؤسسات والقوات الأمنية العراقية”.
ويوجد في العراق حالياً نحو 2500 جندي أميركي، تتركز مهامهم على التصدي لما تبقى من تنظيم “داعش”، لكن هذا الدور سيتغيّر مع نهاية العام الحالي ليقتصر على التدريب وتقديم المشورة للجيش العراقي. وتبدو حكومة الكاظمي جادة في هذا الصدد، إذ بحث رئيس الوزراء أخيراً، مع وفد عسكري أميركي برئاسة قائد القيادة المركزية الجنرال كينيث ماكينزي، برفقة السفير الأميركي في العراق ماثيو تولر، بشأن الانسحاب ومواصلة التعاون بين الولايات المتحدة والعراق.
ووصف عضو لجنة الأمن والدفاع عباس الزاملي، وهو عضو أيضاً في تحالف “الفتح”، الذي يعتبر جناحاً سياسياً للحشد الشعبي، الإعلان بأنه “نهاية مرحلة وبدء أخرى”. وقال، لـ”العربي الجديد”، إن “سيناريو 2014 لن يتكرر في العراق، والقوات الموجودة كافية لمنع أي انهيار أمني، ولا يمكن المقارنة بين العراق وأفغانستان. صحيح أن هناك عمليات إرهابية وعمليات استنزاف، لكن مواجهتها مستمرة أيضاً”. وبين أن “إعلان الجمعة يعتبر تسريعاً من قبل الحكومة العراقية لخطوات الانسحاب الأميركي من البلاد، لكن عملياً نهاية العام الحالي هو سقف انتهاء عمليات الانسحاب بشكل تدريجي، ما سيعطي للقوات العراقية فرصة للقيام بالتحضيرات اللازمة”. وشدد على أنه “لن تكون هناك أي ارتدادات للقرار، كما أن على بغداد المحافظة على علاقتها مع واشنطن، بما يضمن أن العراق لن يكون طرفاً بأي صراع إقليمي أو دولي في المستقبل”.
حذر أحمد النعيمي من أن الإعلان سيمثل دافعاً لبقايا “داعش” لإعادة تنظيم صفوفها
الخبير بالشأن الأمني والسياسي العراقي أحمد النعيمي، اعتبر الإعلان بمثابة جرعة دعم جديدة لحكومة الكاظمي وجهود إنجاح تنظيم الانتخابات المقبلة، لكنه اعتبر، في الوقت ذاته، أنه سيستخدم من قبل الفصائل والقوى المسلحة الحليفة لطهران على أنه نصر عسكري وسياسي لها. ووفقاً للنعيمي، فإن الجانبين العراقي والأميركي حتى الآن متفاهمان بشأن بقاء الغطاء الجوي للتحالف، والذي يشكل سلاح الجو الأميركي فيه العمود الفقري، ويتولى عملياً أكثر من 90 في المائة من الطلعات الجوية، لكنه حذر من أن هذا الإعلان سيمثل أيضاً دافعاً مشجعاً لبقايا تنظيم “داعش” لإعادة تنظيم صفوفها والعمل على تنفيذ هجمات نوعية، تهدف منها لإحراج الولايات المتحدة وتصوير العمليات على أنها أحد نتائج هذا الانسحاب، إضافة إلى خلق توتر جديد بالبلاد لن يكون الجانب الطائفي بعيداً عنه، في نوعية الهجمات التي يمكن أن تنفذها.
ووصف النعيمي حكومة الكاظمي بأنها أمام اختبار حقيقي جديد في وقت ضيق للغاية، دون أن يستبعد أن يكون حرص واشنطن على إنجاز التفاهمات النهائية بشأن طبيعة وشكل الوجود الأميركي في العراق خلال فترة حكومة الكاظمي، يهدف لقطع الطريق على الحكومة المقبلة في حال فكرت بإعادة صياغة التفاهم، من تغيير مهام وطبيعة القوات الأجنبية إلى الانسحاب الكامل.
العربي الجديد