اندلعت، اليوم الخميس، مواجهات في الخرطوم بين قوات الأمن ومتظاهرين يطالبون بإرساء حكم مدني واستكمال مؤسسات السلطة الانتقالية، وقد تم اعتقال عدد من المحتجين، في حين دعا مجلس الوزراء السوداني إلى عقد اجتماع عاجل مشترك مع مجلس السيادة لمناقشة قضايا الوضع الراهن.
فقد قال مراسل الجزيرة أحمد الرهيد إن قوات الأمن أطلقت قنابل الغاز لتفريق متظاهرين تجمعوا في محيط القصر الرئاسي ومجلس الوزراء، في إطار احتجاجات دعت إليها قوى الحرية والتغيير.
وأضاف أن عمليات الكر والفر بين الشرطة والمتظاهرين تواصلت حتى ساعات المساء الأولى في محيط القصر الرئاسي، مشيرا إلى أن قوات الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين حاولوا الوصول إلى مقر مجلس الوزراء.
وتابع أن المتظاهرين كانوا يريدون الوصول إلى القصر الرئاسي لتوصيل رسالة تحتوي على مطالبهم في دعم التحول الديمقراطي، وتكوين حكم مدني خالص في البلاد، ورفض الحكم العسكري.
وقال مراسل الجزيرة إنه بالتزامن، تجمعت حشود من المتظاهرين أمام ما تسمى لجنة “تفكيك النظام” السابق في الخرطوم.
وأفاد بأن بعض المحتجين ألقوا الحجارة باتجاه قوات الشرطة التي ردت باستهداف كل من هم في محيط القصر الرئاسي ومجلس الوزراء، مشيرا إلى أنه كان هناك حرق للإطارات من قبل المحتجين لتجنب التعرض للمزيد من قنابل الغاز.
وذكر مراسل الجزيرة أنه في إطار الإجراءات الأمنية لمواجهة الاحتجاجات في العاصمة، فقد تم إغلاق شارع الجامعة المؤدي إلى مجلس الوزراء.
من جهتها، قدرت وكالة رويترز عدد المتظاهرين في الخرطوم بنحو 20 ألفا.
وقد أعلنت السلطات اعتقال عدد من المشاركين في مظاهرات الخرطوم بأمر من النيابة العامة، واتهمت الشرطة المعتقلين بأنهم قادوا أعمال عنف ضد قوات الأمن. في السياق ذاته، طلبت النيابة العامة تعزيز الوجود الأمني في مناطق ِوسط الخرطوم التي تضم عددا من المرافق الإستراتيجية والعامة.
كما خرجت مظاهرات في كسلا وبورتسودان والقضارف (شرق) ودارفور (غرب) وعطبرة (شمال). ونشر ناشطون صورا ومقاطع فيديو لمظاهرات متفرقة في مدن وبلدات أخرى.
وكان مراسل الجزيرة الطاهر المرضي قال إن قطارات نقلت متظاهرين إلى الخرطوم من مدن بينها عطبرة وود مدني.
مطالب المتظاهرين
وخلال مظاهرات الخرطوم، أكد المحتجون رفض الانقلابات العسكرية، والمطالبة بتأسيس حكم مدني، واستكمال هياكل السلطة الانتقالية. ورفعوا لافتات طالبت بتكوين مجلس تشريعي ثوري ومحكمة دستورية، وهيكلة القوات النظامية، وإصلاح المنظومة العدلية.
كما طالبوا بتحويل لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة إلى لجنة دولية، وأكدوا دعمهم لعملية التحول الديمقراطي في السودان وصولا إلى انتخابات حرة ونزيهة.
ودعا المتظاهرون إلى نبذ الخلافات، وتفويت الفرصة على الانقلابيين وعناصر النظام المعزول، وحملوا المكونيْن المدني والعسكري مسؤولية الأزمة القائمة.
ومنذ أيام، تتصاعد توترات بين المكونين العسكري والمدني في السلطة الانتقالية بسبب انتقادات وجهتها قيادات عسكرية للقوى السياسية، على خلفية إعلان الجيش قبل أسبوع إحباط محاولة انقلاب، ورد سياسيون باتهام العسكريين بالسعي للسيطرة على السلطة بالقوة.
ويعيش السودان منذ 21 أغسطس/آب 2019 فترة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات مطلع عام 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية، وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
اجتماع عاجل
وقد دعا مجلس الوزراء السوداني مساء اليوم إلى عقد اجتماع عاجل لمجلسي الوزراء والسيادة لمناقشة قضايا الوضع الراهن.
وأكد مجلس الوزراء -في بيان- أهمية تحصين الفترة الانتقالية من خلال تقييم الفترة الماضية بشفافية ووضوح، داعيا إلى بذل الجهود لتمتين الشراكة بين العسكريين والمدنيين بما يحقق أهداف الفترة الانتقالية.
وبالتزامن، قال ياسر عرمان المستشار السياسي لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك للجزيرة إن المظاهرات التي شهدتها الخرطوم اليوم ليست موجهة ضد الجيش، بل استهدفت الانقلابيين.
وأضاف عرمان أن مسألة انتقال رئاسة المجلس السيادي للمكون المدني نصت عليها الوثيقة الدستورية، لكنها ليست النقطة الخلافية الوحيدة بين المكونين العسكري والمدني. وتابع أن الإشراف على المؤسسات العسكرية من أبرز النقاط الخلافية بين الجانبين.
في هذه الأثناء، أقر رئيس الوزراء بأن بلاده تواجه تحديات سياسية واقتصادية عدة، وأكد التزام حكومته بتجاوز كل التحديات التي تواجه البلاد خلال المرحلة الانتقالية الصعبة.
وأضاف حمدوك -خلال اجتماع افتراضي عقد اليوم على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة لتقييم التقدم الذي تم إحرازه بالسودان- أن بلاده تمر اليوم بعدة مراحل انتقالية، وتنتقل من الحرب إلى السلام، ومن المشاكل الاقتصادية إلى الازدهار، ومن الدكتاتورية إلى الديمقراطية.
وأكد سعي حكومته لتحقيق الاستقرار والديمقراطية والتنمية، قائلا إن الحكومة اتخذت قرارات صعبة بعد رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ودعا رئيس الوزراء إلى وقف الحرب وإرساء دعائم السلام، مشيرا إلى أنه تم الشروع في عملية شاملة لإنجاز إصلاحات قانونية في البلاد.
وفي الجانب الاقتصادي، أشار حمدوك إلى أن حكومته تواصلت مع الشركاء بشأن إعفاء السودان من الديون، موضحا أنه بدأت تظهر نتائج الإصلاحات التي تم تنفيذها حتى الآن، وأهمها تقليل العجز وانخفاض نسبة التضخم.
وقال أيضا إن السلطة الحالية ورثت أزمة اقتصادية من النظام السابق، ودينا يبلغ الآن نحو 6 مليارات دولار، مشددا على العمل بشكل جدي على إصلاح المؤسسات في القطاعين العام والخاص.
من جانب آخر، قال المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان إن بلاده تواصل دعمها للحكومة الانتقالية والشعب السوداني حتى الوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة وتشكيل حكومة مدنية.
وشدد فيلتمان خلال لقائه رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في الخرطوم على أهمية التعاون بين المكونين المدني والعسكري، ومشاركة القوى السياسية التي ساهمت في الانتقال السياسي في البلاد.
كما أثنى على جهود المكون العسكري في حماية الانتقال السياسي وإفشال المحاولة الانقلابية الأخيرة.
من جانبه، أكد البرهان أهمية إشراك القوى السياسية المؤمنة بالتحول الديمقراطي في الفترة الانتقالية، وصولا إلى انتخابات حرة نزيهة تأتي بحكومة مدنية تمثل كل أطياف السودانيين.
على صعيد آخر، قال رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا محمد الأمين ترك اليوم إنه سيعلن ما سماها دولة الشرق إذا لم تستجب الحكومة لمطالبهم خلال 10 أيام.
وأضاف ترك -في حوار نشرته صحيفة “السوداني” اليوم- أن هناك جهات سياسية تستهدف اعتصام الشرق وتصوره كاعتصام مسلح.
وذكر أيضا أن هناك أحزابا متمسكة بالسلطة وتتحكم في قراراتها ولا ترغب في إجراء انتخابات، وأنها لذلك تطالب المواطنين بالخروج إلى الشارع لحماية الثورة، في إشارة إلى مظاهرات دعم التحول الديمقراطي التي خرجت اليوم.
وكان محتجون شرق السودان أغلقوا مؤخرا مرافق حيوية بينها ميناء بورتسودان وخط الأنابيب الذي يغذي الخرطوم بالمشتقات النفطية، وهو ما دفع السلطات إلى إرسال وفد إلى المنطقة سعيا لإنهاء الأزمة.
المصدر : الجزيرة + وكالة سند + وكالات