أيام عصيبة تواجه تركيا بسبب الجفاف وسياسات أردوغان تدمر الزراعة

أيام عصيبة تواجه تركيا بسبب الجفاف وسياسات أردوغان تدمر الزراعة

أكوزولو (تركيا) – يواجه الآلاف من المزارعين في تركيا جفافا متكررا يعزى إلى التغير المناخي مع تساقطات متدنية جدا منذ سنتين ما يقضي على مصدر رزقهم الوحيد، في وقت يحمّل فيه خبراء سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان بتوسيع الأزمة من خلال سياسات غير مدروسة في مجال البيئة والمياه أدت إلى استنزاف المزارعين وتدمير الزراعة.

وتنظر المزارعة حواء كيلش بحزن كبير إلى صفوف الطماطم المهترئة وأوراقها الذابلة في حقلها الذي كان يزخر سابقا بحبات لذيذة تعتبر من أهم صادرات تركيا.

وتقول حواء البالغة 58 عاما في وسط حقل قاحل في أكوزولو في شمال أنقرة “خسرت محصولي من الطماطم واللوبياء والفلفل. أما البطيخ فلم ينم بتاتا فيما يبست شتلات الخيار”.

ويعزى هذا الوضع خصوصا إلى التغير المناخي وموجات الجفاف المتتالية. لكن خبراء يفيدون بأن السبب في ذلك أيضا سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تجاهل في العقدين الأخيرين حالات الطوارئ البيئية وأرسى شعبيته على ازدهار يرتكز على تنمية سريعة للمدن. كما أن النمو السكاني والتوسع الحضري وسوء إدارة المياه عوامل تستنزف إمدادات المياه في تركيا.

غياب سياسة لإدارة موارد المياه في هذا البلد فاقم المشكلات فيما يطال الجفاف بحيرات البلاد

ووعد أردوغان من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية سبتمبر الماضي، بالمصادقة على اتفاق باريس للمناخ المبرم في 2015 والذي وقعته تركيا في 2016 قبل مؤتمر الأطراف (كوب 26) الحيوي حول المناخ في أكتوبر في غلاسكو برعاية الأمم المتحدة.

وفرضت مسألة المناخ نفسها في البلاد خلال الصيف بعد سلسلة من الظواهر المناخية القصوى من بينها حرائق غابات قاتلة على ساحل المتوسط وفيضانات في الشمال. ويرى العديد من المزارعون على غرار حواء، أن الأوان قد فات. لكن المزارعة مصممة على عدم الاستسلام.

وتقول حواء “ينصحني زوجي بالتخلي (عن الزراعة) لكنني بذلت الكثير من العرق هنا” مشيرة أيضا إلى الديون المتراكمة والبالغة الآلاف من الليرات التركية.

واضطرت مع مزارعين آخرين هذا الصيف إلى التزود بالمياه من خزانات كبيرة بعدما نضبت مياه الطبقات الجوفية في حقولهم. ويواجه أكثر من نصف مناطق تركيا جفافا كبيرا فيما تشكل الزراعة قطاعا رئيسيا في اقتصاد البلاد يؤمن 6 %في المئة من إجمالي الناتج المحلي و18 في المئة من فرص العمل.

وتصدّر تركيا التي كانت تتمتع في السابق باكتفاء ذاتي على صعيد الغذاء، كل شيء من الطماطم إلى العنب مرورا بالزيتون والبندق. وهي سابع منتج زراعي في العالم. لكن وارداتها من القمح ارتفعت بشكل هائل في غضون عقدين وازدادت قيمتها من 150 مليون دولار إلى 2.3 مليار دولار في 2019 على ما تفيد وزارة الزراعة.

ويخشى أن يؤدي هذا المنحى بتركيا الدولة المنتجة والمصدرة إلى الاعتماد على الخارج لتأمين حاجاتها الغذائية. وحذّر ليوينت مورناز مدير مركز الدراسات حول التغير المناخي في جامعة بوغازجي في إسطنبول “على تركيا القيام بجهود تكيف كبيرة. ما شهدناه حتى الآن ليس بكثير”.

ويرغم الجفاف بعض المنتجين من الآن على التخلي عن حقولهم وآخرين على اختيار زراعات أخرى أقل استهلاكا للمياه. لكن الاعتماد على الواردات في وقت انهار فيه سعر صرف الليرة مكلف جدا للسكان. ففي أغسطس الماضي ازدادت أسعار السلع الأساسية بنسبة 29 في المئة، ما أرغم الرئيس التركي على إلغاء الرسوم الجمركية على القمح والحمص والعدس للتخفيف من المعاناة.

ويعاني المزارعون أصلا من تراجع مخزونات المياه في السدود التركية الرئيسية، لكن بات كل السكان الآن يتأثرون بشح المياه.

وتواجه تركيا أزمة مياه حادة بسبب الطقس الجاف، وانخفاض منسوب الأنهار والبحيرات والمياه الجوفية، وقد تضطر البلاد إلى استيراد المزيد من الغذاء في المستقبل القريب، كما ستكون من أكثر الدول عرضة للجفاف.

وتراجعت السدود والخزانات الضخمة التي توفر المياه لسكان إسطنبول البالغ عددهم 15 مليون نسمة إلى مستويات منخفضة للغاية في الشتاء الماضي مما أثار مخاوف من حدوث نقص في الموارد المائية.

ويرى خبراء أن غياب سياسة لإدارة موارد المياه في هذا البلد فاقم المشكلات فيما يطال الجفاف بحيرات البلاد وأكبرها بحيرة وان في الشرق.

ويقول جيهون أوزتشليك الأستاذ في قسم موارد المياه بجامعة سيتكي كودجمان في موغلا بجنوب غرب البلاد “إذا لم نتخذ الإجراءات المناسبة ستكون أمامنا أيام عصيبة في السنوات المقبلة”.

أما بساتين الزيتون على مرتفعات موغلا على ساحل بحر إيجه التي تنتج زيتا معروفا بجودته، فمهددة أيضا.

فلم تسقط أي قطرة مطر في العام 2021 على ما يقول إسماعيل أتيتشي رئيس غرفة الزراعة المحلية موضحا “إذا استمر الوضع لشهرين إضافيين على هذه الحال، لن تتمكن الأشجار من تغذية ثمارها التي تنمو”.

وارتفعت أسعار الإنتاج بشكل صاروخي أيضا على ما يقول فرون تشتينجويز (41 عاما) وهو مربّ للأبقار الحلوب يغذيها بذرة ينتجها بنفسه.

ويقول محاطا بأبقاره في حقل قاحل “أخسر ما بين 35 و40 ألف ليرة تركية شهريا”. ويتوقع أن يخسر خلال السنة الحالية 50 في المئة من إيراداته بسبب الجفاف.

أما المزارعون الذين كانوا ينتجون سابقا القطن الذي يحتاج إلى كميات كبيرة جدا من المياه فتحولوا إلى زراعة الذرة التي تحتاج إلى كميات لا بأس بها من المياه أيضا.

ويقول مربي الأبقار “إن لم أتمكن من ريّ المزروعات التي أحتاج إليها لتوفير العلف للحيوانات فهي ستجوع”. ويقول علي تيكايا مسؤول إدارة المياه في إقليم موغلا إن “التحول يطال الاقتصاد برمته ونمط حياة الناس” وليس فقط إيرادات المزارعين.

العرب