أثار استقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسياسيين السنيين العراقيين محمد الحلبوسي وخميس الخنجر اللذين يتنافسان في قائمتين انتخابيتين متصارعتين على زعامة سنة العراق، التكهنات بشأن مستقبل العلاقة بين الرجلين اللذين طالما تبادلا رسائل الشتائم.
أنقرة – فشل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جمع محمد الحلبوسي وخميس الخنجر رئيسي أكبر تحالفين سنيين متنافسين في الانتخابات العراقية، الأمر الذي يؤكد اتساع هوة الخلاف الشخصي والسياسي بينهما.
وأثار لقاء الرئيس التركي مع أمين عام تحالف “تقدم” ورئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي ثم رئيس تحالف “عزم” خميس الخنجر في القصر الرئاسي بالعاصمة أنقرة، التكهنات بشأن المسعى التركي لجمعهما في لقاء واحد.
وتم اللقاء في يوم واحد وبفارق وقت قصير، إلا أن محاولة أردوغان، كما يبدو، في جمع الغريمين السياسيين العراقيين باءت بالفشل.
واكتفت وكالة الأناضول الرسمية بأخبار مقتضبة عن لقاء أردوغان مع الحلبوسي والخنجر من دون أي تفاصيل عن طبيعة اللقاءين وما دار فيهما وعما إذا كان متعلقين بالانتخابات التشريعية التي ستجرى الأحد المقبل.
ويدور خلاف شخصي وسياسي بين الحلبوسي والخنجر منذ سنوات وصل إلى تبادل الشتائم في رسائل منشورة بين الطرفين.
ويتنافس السياسيان على تمثيل سنة العراق في المشهد السياسي العراقي المبني وفق المحاصصة الطائفية، حيث تكون رئاسة البرلمان العراقي من حصة السنة فيما رئاسة الوزراء تمنح للشيعة ورئاسة الجمهورية للأكراد.
ويكنّ الحلبوسي والخنجر، وكلاهما ينحدران من محافظة الأنبار، ضغائن شخصية لبعضهما البعض، وطالما أطلقا أوصافا “نابية” على خصومهم من نفس الطائفة.
وعمّقت رسائل التلاسن وتبادل الشتائم بين الحلبوسي والخنجر الهوة بين الشارع السني العراقي والقوى التي تمثله في الانتخابات التشريعية التي ستجرى في العاشر من الشهر الحالي.
وينظر إلى لقاء أنقرة بأنه محاولة تركية للتوفيق بين الطرفين خصوصا قبل أيام قليلة من الانتخابات من أجل المحافظة على وحدة الطائفية السنية.وينظر إلى الدور التركي في العراق بدعم القوى السنية كمعادل للدعم الإيراني للميليشيات والأحزاب الشيعية.
إلا أن الكاتب السياسي العراقي مصطفى سالم وصف لقاء أردوغان مع الحلبوسي والخنجر بأنه لم يكن ذكيا، فلا هو يعبر عن وجود النفوذ التركي فعلا في العراق، ولا يصنع مرجعية سياسية للسنة.
مصطفى سالم: لقاء أردوغان مع الحلبوسي والخنجر يفتقر للذكاء السياسي
وقال سالم في تصريح لـ”العرب”، “إن هذا اللقاء في أنقرة لا يغطي على استحواذ إيران على المشهد العراقي برمته باستثناء كردستان، فالحلبوسي والخنجر مرتبطان بقوة بطهران بوصفها اللاعب الأهم في ما يحدث في العراق”.
وأضاف “مشكلة الحلبوسي والخنجر تتعلق بتحالفهما الخارجي مع دولتين خليجيتين متنافستين. ولا تتعلق ببرنامجين مختلفين عن النفوذ الإيراني والفساد والاعتقالات والتغييب والآلاف من القضايا التي يعاني منها سنة العراق”.
وأكد سالم على أن الحلبوسي والخنجر يمثلان زعامة للشارع السني كما تريده إيران وليس كما يحب أن يكونا عليه.
ويترأس رجل الأعمال خميس الخنجر تحالف عزم، ويضم المشروع العربي برئاسته، وحزب الحل برئاسة جمال الكربولي المعتقل حاليا، وحزب الوفاء برئاسة وزير الكهرباء الأسبق قاسم الفهداوي، وحزب المسار المدني، والكتلة العراقية الحرة، والتجمع المدني للإصلاح، وحزب التصدي وحزب المجد العراقي، وسيخوض الانتخابات بـ123 مرشحا.
ويرتبط الخنجر بتحالف مع قوى شيعية مدعومة من إيران من بينها منظمة بدر برئاسة هادي العامري وحزب الدعوة الإسلامي برئاسة نوري المالكي، فيما يحظى الحلبوسي بدعم زعامات كردية وشيعية من بينها رئيس إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
وبعد القضاء على معظم أنصار تنظيم داعش في العراق سجل الخنجر تحولا راديكاليا في مواقفه السياسية، إذ انتقل من الخصومة العلنية الحادة مع إيران إلى ساحة حلفاء طهران الموثوقين.
أما تحالف تقدم الذي يترأسه محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب الحالي، فيضم حزب التقدم برئاسته، والخيار العربي وتجمع التعاون وحزب الحق الوطني ومقتدرون للسلم والبناء وتجمع نهضة جيل والمبادرة الوطنية، وسيخوض الانتخابات بـ105 مرشح.
وتقول أوساط عراقية إن الخلاف بين السياسيين لا يعود إلى اختلاف في المشاريع والأفكار، وإن سببه الرئيسي هو بحث كل طرف عن زيادة مكاسبه في الساحة السنية وسط تبادل الاتهامات بالتنسيق والتحالف مع الميليشيات الموالية لإيران التي ما زالت تسطير على مناطق سنية.
ولا يدور الخلاف حول برامج سياسية أو خدمية لصالح المكون السني الذي يُفترض أنهما يمثلانه بقدر ما يتعلق بالتنافس على زعامة السنة قبل الانتخابات.
ويدرك أبناء المدن السنية، سواء منهم المقيمون في مناطقهم أو النازحين، أن الحلبوسي والخنجر تم تعيينهما بناء على رغبة الأحزاب الشيعية الحاكمة باعتبارهما واجهتين.
لقاء أردوغان والخنجر
وحين تعلق الأمر بالخصومة فإنها لا تعود إلى اختلاف في البرامج السياسية أو مستويات التمثيل الطائفي. ذلك لأن الجميع، من غير استثناء موجودون في مواقعهم لسد فراغ على الخارطة السياسية التي يستند إليها نظام المحاصصة الطائفية.
وقال أستاذ في جامعة الأنبار “إذا ما كانت هناك مسافة بين الزعماء وبين سكان المدن ذات الأغلبية السنية الذين يُفترض أنهم يمثلونهم داخل السلطة فإن تلك المسافة تشير إلى معاناة مجتمع يعاني من التهميش والعزل والإهمال من غير أن يتمكن من إيصال صوته بعد أن تعرضت مدنه للخراب ومُنع الكثيرون من العودة إلى منازلهم التي ظلت مدمرة، بعضها لا تزال الميليشيات تحتلها”.
وأضاف الأستاذ مفضلا عدم الكشف عن هويته في تصريح لـ”العرب” “ما يحدث بين السياسيين السنة من صراعات تصل إلى حد التشهير اللاأخلاقي إنما يعود إلى خلاف على المصالح، حيث صار التمثيل الطائفي يُدر أموالا خرافية فمَن يذهب إلى مجلس النواب بوظيفته البسيطة يخرج منه بعد أربع سنوات وقد أصبح إمبراطورا. لذلك تشهد مرحلة ما بعد الانتخابات عمليات إنفاق أموال بطريقة استعراضية من أجل شراء الأصوات ولو أن تلك الأموال أنفقت على إعمار المدن المدمرة لالتحقت تلك المدن بالعالم المعاصر”.
العرب