تتراكم الأزمات على كاهل اللبنانيين، ورغم أن بعضهم اختار الهجرة، ما يزال البقية يواجهون المصاعب اليومية في ظل غلاء مشط وفقدان المواد الأساسية كالوقود الذي استعاض عنه بعض اللبنانيين بالدراجة الهوائية التي أصبحت وسيلة نقلهم بعد أن كان ركوبها هواية يمارسونها في أوقات فراغهم.
بيروت – لطالما كان ركوب الدراجة الهوائية في لبنان مجرد هواية، إلا أن الأزمة الاقتصادية جعلته حاجة يومية في زمن شح البنزين وارتفاع أسعاره في البلاد.
وفيما يرزح اللبنانيون تحت واقع معيشي واقتصادي صعب، بات قسم كبير منهم يعتمد على الدراجة الهوائية كوسيلة للتنقل بدلاً من السيارة.
ففي غضون عام واحد منذ سبتمبر 2020 حتى الشهر ذاته من 2021 ارتفعت أسعار الوقود في لبنان نحو 9 أضعاف على وقع أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ هذا البلد.
ويركن الشاب محمد سعود سيارته منذ عدة أسابيع وقرر استبدالها بدراجة هوائية للتنقل في العاصمة بيروت، بعدما أصبح سعر صفيحة البنزين يعادل نحو ثلث الحد الأدنى للرواتب.
وقال سعود إنه بات يعتمد على الدراجة للتنقل إلى عمله والنادي وإلى أماكن أخرى في المدينة.
ويبلغ الحد الأدنى للرواتب 675 ألف ليرة (نحو 39 دولارا وفق السوق السوداء)، إلا أن الحكومة لم تعدله بعد رغم انهيار العملة المحلية بشكل غير مسبوق.
وكان سعر صفيحة البنزين (20 لترا) في سبتمبر 2020 يبلغ نحو 25 ألف ليرة (حوالي 1.5 دولار بالأسعار الحالية في السوق السوداء)، أما سعرها اليوم فقد أصبح نحو 207 آلاف ليرة (حوالي 12 دولارا)، إثر تخفيف الحكومة دعم استيراد الوقود تدريجياً.
التنقل بالدراجات الهوائية يواجه بعض الصعوبات في بيروت نظرا إلى عدم تجهيز البنى التحتية وتخصيص ممرات آمنة
وأشار سعود إلى انه لا يستخدم سيارات الأجرة نظراً لارتفاع تكلفتها بنحو 10 أضعاف عن السابق، حيث أصبحت كلفة سيارة الأجرة داخل بيروت 20 ألف ليرة بعدما كانت ألفي ليرة قبل الأزمة.
وتابع “سواء استخدمت سيارتي الخاصة أم سيارة الأجرة العمومية، فإن التكلفة الشهرية للمواصلات تصل إلى مليون و700 ألف ليرة لبنانية (100 دولار وفق سعر السوق الموازية)”.
وتتألف وسائل النقل العمومية في بيروت من سيارات الأجرة إضافة إلى حافلات صغيرة، فيما تفتقد المدينة إلى وسائل النقل الجماعية الأخرى كالمترو أو القطار وهي عادة أقل كلفة، ما يزيد من صعوبة التنقل بين المناطق.
وقال خليل هبري، مدير في إحدى الشركات بالعاصمة بيروت، إنهم بدأوا يستشعرون خطر أزمة الوقود وتداعياتها على حركة الناس منذ أكثر من 5 أشهر.
وفي محاولة لمواجهة تلك الأزمة خصصت الشركة مكاناً إضافياً في مبناها يتيح للموظفين الذي يتنقلون عبر الدراجة، الاستحمام في الشركة عقب وصولهم واستبدال ملابسهم الرياضية، بحسب هبري.
وقال هبري، الذي بدوره يستخدم الدراجة الهوائية يومياً للتنقل من منزله في الأشرفية شرق بيروت إلى مقر الشركة في الحمرا (غرب)، إن شركته تحاول قدر المستطاع تشجيع ومساعدة موظفيها على استخدام الدراجة الهوائية.
وأضاف أنه فضلا عن توفير ثمن شراء البنزين، فإن الدراجة الهوائية توفر الوقت أيضا كونها تستطيع تفادي زحمة السير التي تعاني منها بيروت خلال ساعات النهار.
وتوقع أن يلجأ المزيد من اللبنانيين إلى الدراجة الهوائية في هذه المرحلة لأنهم باتوا مجبرين على ذلك، ولا يوجد بديل آخر.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة زكي سليمان ظهر فيها وهو يرتدي زي راكبي الدراجات الهوائية الرياضية، وبين ذراعيه المولود الذي أشرف على عملية ولادته.
ومع علمه بموعد ولادة السيدة أم الطفل الذي بين يديه، اضطر إلى ركوب دراجته من منطقة عين سعادة في جبل لبنان نزولا نحو بيروت حتى يصل في موعده، خاصة وأنه لم يتمكن من الحصول على البنزين، ولم يكن لديه الوقت الكافي للوقوف في الطوابير.
وبعد أن تمت العملية بنجاح قرر أن يلتقط صورة مع المولود، معلقا “احتفظ بهذه الصورة أيها الصغير ففي يوم من الأيام سيخبرك والدك أن طبيبك جاء على متن دراجة هوائية لتأمين ولادتك. ولدت في زمن شح البنزين والأدوية والكهرباء والطعام وفي بلد 90 في المئة من مواطنيه بلا كرامة”.
ولا يقتصر ركوب الدراجات على الرجال فقط بل أصبحت وسيلة نقل النساء خاصة الشابات منهن. وتقول الشابة ميرنا “من يريد أن يعرف قيمة الدراجة الهوائية هذه الأيام فما عليه إلا أن يمر بجانب طابور انتظار البنزين، سيصفقون له لأنه حسم الأمر وترك سيارته في البيت”.
وقالت ناديدا رعد من مؤسسي جمعية “تشين إيفيكت” التي تشجع على ركوب الدراجات في بيروت وتقدم تسهيلات لمن يرغب في ذلك “لا خيار آخر حاليا غير الدراجة الهوائية بالنسبة إلى الكثير من الناس”.
وأوضحت أن جمعيتها تتلقى رسائل كثيرة من مواطنين يرغبون في استخدام الدراجة الهوائية كوسيلة نقل بدلا من السيارة، مشيرة إلى أن الجمعية بدورها تقدم لهم النصائح والإرشادات حول ذلك.
هذا الواقع بات ينعكس مؤخرا في حركة لافتة للدراجات الهوائية في شوارع العاصمة خصوصا في ساعات العمل، وفق رعد.
وأضافت “سير الدراجات على الطرقات في بيروت لا يخلو من بعض الصعوبات اللوجستية، وهذا ما تعاني منه الكثير من الدول نظرا إلى عدم تجهيز البنى التحتية وتخصيص ممرات آمنة”.
لكنها توضح بأن “استعمال الدراجة في قلب بيروت ليس خطراً بقدر ما كنا نعتقد”، مشيرة إلى أن “اليوم هناك فرصة الانتقال نحو هذا النوع من النقل المستدام والصديق للبيئة والإنسان”.
لكن كيف سيواجه اللبنانيون أزمة الوقود مع حلول فصل الشتاء مع الانقطاع المتواصل للكهرباء؟ هل سيلجأون إلى الحطب في المدن التي تحتوي على مساكن ملتصقة وبنايات شاهقة؟
العرب