الباحثة شذى خليل *
التغيرات الخطرة في المناخ:
يشكل ارتفاع متوسط درجة حرارة سطح الأرض بنحو 0.7 درجة مئوية إنذار خطر في تغير المناخ، هذا التغير الطفيف في درجات الحرارة خطير للغاية في المستقبل كونه يؤدي الى ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث أن ظاهرة الاحتباس الحراري هي قضية تطارد العديد من دول العالم.
إن مصطلح “تغير المناخ” يشير إلى أي تغيير هام في مقاييس المناخ الذي يستمر لفترة طويلة من الزمن، إذ يشمل تغير المناخ التغيرات الرئيسة في درجات الحرارة أو هطول الأمطار أو أنماط الرياح من بين تأثيرات أخرى تحدث على مدى عدة عقود أو أكثر، وكان للارتفاع الحاد في درجات الحرارة العالمية بعض التأثيرات المناخية الشديدة، حيث كانت هناك تغيرات هائلة في أنماط هطول الأمطار مما أدى إلى الجفاف والفيضانات المفاجئة وعدم انتظام هطول الأمطار وزيادة هطول الأمطار وما إلى ذلك من أحدث المخاطر التي نواجهها في مواردنا المحيطية، على سبيل المثال ترتفع مستويات المياه مما يؤدي إلى غمر المناطق المنخفضة، وتذوب الأنهار الجليدية بسبب ارتفاع درجات الحرارة مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر خاصة في القطبين، وهذا يهدد أيضًا بفقدان العديد من الكائنات التي تعيش في المناطق الباردة مثل الدببة القطبية. كل هذه التغيرات في المناخ تؤثر وبشكل مباشر وكبير على اقتصاديات العالم في الدول الفقيرة والمتقدمة على حد سواء.
إن أهم الآثار لهذه التغيرات هي انتشار الأمراض والخسائر الاقتصادية؛ في حالة زيادة غازات الاحتباس الحراري في الجو، فمن المتوقع أن ترتفع أمراض مثل الملاريا وحمى الضنك، وتصبح السيطرة عليها أكثر صعوبة. وفقًا للبيانات المتاحة لدى منظمة الصحة العالمية تسببت موجات الحر في العقد الماضي وحده في وفاة أكثر من 150 ألف شخص.
في تقرير أممي، حول الانبعاثات المستمرة للغازات الدفيئة التي تشهد تغيرا في حدود درجات الحرارة الرئيسة خلال عقود قليلة، وأن ارتفاع مستوى سطح البحر إلى ما يقرب من مترين بحلول نهاية القرن الجاري “لا يمكن استبعاده”.
كتب لاري فينك، رئيس شركة بلاك روك، في رسالته الموجهة إلى الرؤساء التنفيذيين في عام 2021: “لا توجد قضية تحتل مرتبة أعلى من تغير المناخ في قوائم أولويات عملائنا”. “ولا توجد شركة لن يتأثر نموذج أعمالها بشدة بالتحول إلى اقتصاد خالٍ من الصفر.”
الاقتصاد الصافي الصفري هو الاقتصاد الذي يساوي فيه مجموع جميع الغازات الدفيئة صفرًا (بعد التحول إلى التقنيات غير الملوثة، يتم التخلص من أي انبعاثات متبقية عن طريق امتصاص الكربون من الغلاف الجوي). ويتزايد الإجماع بسرعة – بين الحكومات والشركات والمستثمرين والمواطنين – على ضرورة تكثيف الجهود وخفض الانبعاثات لتجنب الكوارث.
وفقًا للأمم المتحدة، تضاعف عدد الشركات والدول التي تعهدت بالتزامات صافية صفرية العام الماضي، على الرغم من أزمة الفايروس العالمي .
يحذر علماء المناخ من أنه أمامنا حتى عام 2030 فقط لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية (GHG) إلى النصف، إذا أردنا تجنب أسوأ آثار تغير المناخ، الآثار واسعة النطاق وتتفاقم مثل حرائق الغابات والفيضانات التي تعطل المجتمعات ؛ تفشي الحشرات والجفاف يدمر مزارع البراري؛ ويدمر ارتفاع درجة حرارة المحيطات مسارات السلمون ويواجه شمالي كندا خسارة تصل إلى 70٪ من البنية التحتية الحالية بسبب ذوبان التربة الصقيعية.
وأكدت الجمعية الطبية الكندية ان تغير المناخ أولوية الصحة العامة في عصرنا ، وتبلغ عن ارتفاع تكاليف الصحة العامة المرتبطة بالظروف المرتبطة بالحرارة ، مثل أمراض القلب والجهاز التنفسي ، وتفشي الأمراض المعدية واضطراب الإجهاد اللاحق للصدمة.
العمل مع الطبيعة افضل من العمل ضدها
ان النموذج الاقتصادي الجديد الذي يعتمد على العمل مع الطبيعة يمكن أن يولد أعمالا سنوية تصل قيمتها إلى 10.1 تريليونات دولار ويخلق 395 مليون وظيفة بحلول عام 2030.
واليوم، تعتمد حوالي 1.2 مليار وظيفة، وهي تشكل 40% من إجمالي العمالة، على وجود بيئةٍ صحية، ويعتمد ما مقداره 44 تريليون دولار من القيمة الاقتصادية المضافة – أي أكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي العالمي – بشكلٍ معتدلٍ أو كبير على الطبيعة.
على سبيل المثال، يعتمد الإنتاج الزراعي إلى حدٍ كبير على التلقيح بواسطة النحل، وخاصةً للفاكهة، والخضروات ومحاصيل الألياف والمكسرات. وبدون هذه المساهمة، ستتعطل بشدة قدرتنا على إنتاج ما يكفي من الغذاء.
غالباً ما يتم تحديد تكلفة العمل المناخي الطموح على أنه عائق أمام العمل، إلا أن التكاليف البشرية والاقتصادية للتقاعس عن العمل أعلى بكثير. وعلى سبيل المثال، من المتوقع أن يؤدي الإجهاد الحراري وحده إلى تقليل إجمالي ساعات العمل في جميع أنحاء العالم بنسبة 2.2 في المئة وإلى تخفيض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار 2.4 تريليون دولار أميركي في عام 2030.
رغم تسليط الضوء على المخاطر التي يمكن ان يتعرض لها العالم، الا انه لا توجد استراتيجية واحدة للوصول إلى صافي الصفر ولكن تقارير الخبراء الحديثة تحدد ما هو الأفضل:
• تحسينات في كفاءة الطاقة: غالبًا ما يكون تقليل كمية الطاقة المستخدمة، خاصة في المباني التجارية ومصانع التصنيع، أسرع طريقة لخفض الانبعاثات وتوفير المال.
• كهربة المنتجات والعمليات: وهذا يعني توفر الكهرباء عادةً كفاءة أكبر وانبعاثات أقل من الأشكال الأخرى للطاقة، لذا فإن تحويل أنظمة التدفئة والتبريد والعمليات الصناعية والمركبات إلى الكهرباء يوفر عائدًا مزدوجًا.
• الاعتماد على الكهرباء النظيفة، مع نمو كبير في مصادر الطاقة المتجددة: يشمل ذلك طاقة الرياح، الطاقة الشمسية، الطاقة المائية ، الطاقة الحرارية الأرضية ، فضلاً عن المصادر الأخرى منخفضة الكربون مثل الطاقة النووية لدعم التحول إلى الكهرباء. ستكون هناك حاجة إلى اتصالات شبكة وبطاريات محسنة لمشاركة الإمداد وتسهيله.
• تطوير الوقود منخفض الكربون: بالنسبة للتطبيقات التي لا يمكن إمدادها بالكهرباء بسهولة، هناك حاجة إلى الهيدروجين أو الوقود الاصطناعي أو الجيل التالي من الوقود الحيوي كمصدر بديل للطاقة.
• إزالة الكربون من الصناعات الثقيلة: يمثل إنتاج الصلب والأسمنت جزءًا كبيرًا من الانبعاثات العالمية ويتطلب مناهج متخصصة – يمكن أن تكون طرق إنتاج مختلفة جذريًا، أو منتجات بديلة، أو ربما دمج احتجاز الكربون وتخزينه.
يقول تقرير الأمم المتحدة “لا تنقذوا الصناعات الملوِّثة ما لم تلتزم هذه الصناعات بالانضمام إلى اتفاقية باريس”.
ويشرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس: “عندما تُستخدم أموال دافعي الضرائب لإنقاذ الشركات، يجب أن تستثمر في خلق وظائف مراعية للبيئة وإيجاد نمو مستدام وشامل. يجب ألا تستثمر في إنقاذ الصناعات القديمة والملوِّثة والتي تبعث الكربون بكثافة”.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية كان أداء أسهم الشركات ذات الأنشطة المراعية للبيئة أفضل من أداء أسهم شركات الوقود الأحفوري، وتمكنت الشركات ذات الحافظات البيئية والاجتماعية الأقوى والأقوى كذلك من حيث حوكمة الشركات من الصمود باستمرار أمام الأزمة بشكلٍ أفضل، وتفوقت على المحافظ التقليدية في الأسواق المالية.
قدم العالم 320 مليار دولار لدعم الوقود في عام 2019، تم تخصيص 150 مليار دولار منها لدعم المنتجات النفطية، و115 مليار دولار للكهرباء، و50 مليار دولار للغاز الطبيعي، و2.5 مليار دولار للفحم.
لذلك يجب أن يعتمد التمويل الحكومي الدائم – في شكل إعانات مباشرة أو أشكال أخرى من الدعم المالي مثل ضمانات القروض – على التزامات مناخية واضحة من الشركات، وفقاً للأمم المتحدة.
ووفقاً للتقرير، يجب أن ينتهي دعم الوقود الأحفوري، ويجب أن يكون للكربون ثمن لإحداث تحول مدفوع بالسوق نحو اقتصاد خال من الكربون. يجب على الملوِّثين أن يدفعوا ثمن التلوث الذي يُلحق الضرر بالمجتمعات والموظفين والمستهلكين.
وبعبارةٍ بسيطة فإن هذا يعني أن أموال دافعي الضرائب التي حصلوا عليها بشق الأنفس تُستخدم لتحسين ربحية الشركات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات. ولهذا دعا الأمين العام للأمم المتحدة الحكومات مراراً وتكراراً إلى “فرض ضرائب على الملوِّثين وليس الأشخاص”.
الدول الأوروبية تقترح وقف مبيعات سيارات بحلول عام 2035
يمكن أن يؤدي تنفيذ إصلاحات تسعير الكربون وإعانات الوقود الأحفوري دوراً مهماً في زيادة الإيرادات الحكومية أو استخدام النفقات بشكلٍ أفضل. ولَّدت برامج تسعير الكربون – التي تحاول ضمان أن يعكس سعر الوقود الأحفوري تكلفته الحقيقية، بما في ذلك الانبعاثات – حوالي 44 مليار دولار من الإيرادات الحكومية في عام 2018 وفقاً للبنك الدولي.
ومن خلال إنشاء مصادر جديدة للتمويل العام، يمكن أن يساعد تسعير الكربون الحكومات على زيادة الاستثمار في المجالات الأخرى ذات الأولوية، مثل الرعاية الصحية أو التعليم أو البنية التحتية، وضمان انتقال عادل للقوى العاملة.
كما يجب، وفق الأمم المتحدة، أن يصبح العمل المناخي المحور الأساسي – لكلٍ من الحكومة والشركات. يتحرك المستثمرون والشركات الذكية بالفعل إلى تسعير مخاطر المناخ بشكلٍ أفضل، لكن يجب على الحكومات أن تفعل المزيد.
من خلال إنشاء مصادر جديدة للتمويل العام، يمكن أن يساعد تسعير الكربون الحكومات على زيادة الاستثمار في المجالات الأخرى ذات الأولوية، مثل الرعاية الصحية أو التعليم أو البنية التحتية، وضمان انتقال عادل للقوى العاملة.
ويجب على البنوك المركزية والمشرفين الماليين ضمان دمج المخاطر المتعلقة بالمناخ بشكلٍ جيد في استراتيجيات المؤسسات المالية الفردية وإجراءات إدارة المخاطر.
ستؤدي التغييرات في سياسات المناخ والتقنيات الجديدة والمخاطر المادية المتزايدة إلى إعادة تقييم قيم كل أصل مالي تقريباً، وستتم مكافأة الشركات التي تنسق نماذج أعمالها مع الانتقال إلى عالم الصافي الصفري – في حين أن الشركات التي تفشل في التكيف سوف تتعرض لعقوباتٍ شديدة.
ختاما تفعيل التعاون الدولي وتعددية الأطراف ضروريان، وفق الأمم المتحدة أيضاً للتعافي من الأزمة الاقتصادية التي أحدثتها جائحة كوفيد-19. وكذا ستحتاج بنوك التنمية العامة في جميع أنحاء العالم، على المستويات الوطنية والإقليمية والمتعددة الأطراف، إلى العمل معاً لمساعدة الدول على تحديد وتمويل الأنشطة منخفضة الكربون وعالية الإنتاجية.
وقد تسببت الأحوال الجوية القاسية والكوارث الطبيعية في نزوح ثلاثة أضعاف عدد الأشخاص الذين تسببت الحروب في نزوحهم في عام 2019. وكان نزوح أكثر من 95 في المائة منهم نتيجةً للمخاطر المرتبطة بالطقس مثل العواصف والفيضانات.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستاتيجية