الخرطوم – احتدم سباق “المليونيات” في السودان على وقع الانشقاق الحاصل في صفوف تحالف الحرية والتغيير والخلافات المتفاقمة بين المدنيين والعسكريين في البلاد، ما جعل بعض القوى أكثر رغبة في العودة إلى الشارع بعد أن فشلت الحلول السياسية في الوصول إلى نقاط التقاء تسهم في تمرير المرحلة الانتقالية، بما يشي بالعودة إلى نقطة الصفر لحسم الصراع وعلاج الانسداد السياسي.
ودعت القوى المنشقة عن تحالف الحرية والتغيير، أو ما يعرف بتحالف “الميثاق الوطني”، وتضم تسعة أحزاب وحركات مسلحة، إلى مليونية جماهرية السبت للمطالبة بحل الحكومة الحالية وتوسيع دائرة المشاركة في السلطة واستكمال مسار السلام وتنفيذ بند الترتيبات الأمنية فيه.
وقال سليمان صندل، أحد المشاركين في “الميثاق الوطني”، في تدوينة له على فيسبوك “إن الاحتجاجات تسعى لاسترداد الثورة وإنهاء اختطافها والعودة بقوى الحرية والتغيير إلى منصة التأسيس، وسنجدد التمسك بالوثيقة الدستورية، الإعلان السياسي للانتخابات، ووحدة الشعب ونبذ الكراهية”.
وردت قوى مشاركة في التحالف الحكومي على التظاهرة بالدعوة إلى مليونية أخرى في الواحد والعشرين من أكتوبر الجاري، والحشد لها على نطاق واسع على مستوى لجان تنسيقيات المقاومة والقوى الثورية في الولايات المختلفة، للتمسك بالحكومة الحالية والمطالبة بتسليم رئاسة مجلس السيادة من العسكريين للمدنيين.
وتأتي دعوات التظاهر في وقت رفض فيه رئيس الحكومة عبدالله حمدوك مطالب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو بحل الحكومة الحالية، ولم يفض الاجتماع بين الأطراف الثلاثة الخميس إلى حل يمهد الطريق أمام الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وأشارت صحف محلية الجمعة إلى أن البرهان ودقلو طالبا حمدوك بتوسيع دائرة المشاركة السياسية في حكومته ودمج قيادات الأحزاب المنشقة عن التحالف الحكومي وحل لجنة إزالة التمكين، وهو ما رفضه حمدوك، مؤكدا أن قوى الحرية والتغييراختارته لقيادة الحكومة وتنفيذ الانتقال الديمقراطي في السودان.
ويقوض إصرار المكون العسكري على مطلب حل الحكومة فرص الوصول إلى تسوية سياسية، وسيكون حمدوك الذي حاول لعب دور الوسيط بين المدنيين والعسكريين أقرب للقوى الثورية التي اختارت النزول إلى الشارع.
وتخدم المليونية التي دعت إليها القوى المنشقة عن قوى الحرية والتغيير أهداف المكون العسكري بشكل مباشر، لأنها تستهدف استنساخ تجارب أخرى لعب فيها الشارع دورا في حسم صراعات الفترات الانتقالية، في حين يجد المكون العسكري نفسه غير قادر على دعوة المواطنين إلى النزول، وقد لا تلقى دعوته أصداء لأنه طرف غير مرحب به من قطاعات ترى ضرورة تسليم السلطة للمدنيين.
وتعد الاستعانة بالشارع حلا مناسبا لكافة الأطراف، لأن مجموعة “الميثاق الوطني” تعول على دعم شعبي يحقق أهدافها ويجعلها أكثر تأثيرا، مستفيدة من الأوضاع الاقتصادية الصعبة والغضب من أداء الحكومة.
وينظر المكون العسكري برضاء إلى مظاهرات السبت، ففي حال نجاحها ستخفف من الضغوط الدولية الواقعة عليه وتحثه على الحوار الجدي مع المدنيين وتسليمهم السلطة.
ويرى التحالف الحكومي والقوى الثورية المؤيدة له أن كشف المكون العسكري أوراقه أمام الجميع ورغبته في الانقضاض على السلطة فرصة لاستنهاض الشارع من جديد، والتأكيد على الرفض القاطع لأي ممارسات تقطع الطريق على استكمال المسار الديمقراطي، لأن الحالة الثورية مازالت نشطة داخل بعض القطاعات.
وقال الأمين العام لحزب الأمة القومي الواثق البرير إن حالة الارتباك التي تسيطر على المشهد السياسي مصطنعة لإعادة إنتاج فلول النظام البائد، وأن الشعب لديه الوعي الكامل بالقضايا التي تشكل حاضر ومستقبل البلاد، والمعركة الحالية بين من يريدون تحولا مدنيا كاملا وبين من يستهدفون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الدفع باتجاه الحشود والحشود المضادة عملية سياسية تستهدف عودة الفلول إلى السلطة، والبعض يستعين بالتجربة المصرية وإعادة تنفيذها في السودان، في حين أن الواقع مختلف على الأرض، لأن الشارع مازال متمسكا بالثورة، ولن يسمح بعودة تنظيم الإخوان إلى السيطرة على الدولة مجددا.
وتقنع قوى ثورية عديدة بأن حشد تيار “الميثاق الوطني” يخضع لنفس أساليب تنظيم الإخوان الذي اعتاد أن يدفع بالمواطنين إلى الشارع عبر استغلال حاجات الفقراء وتقديم الدعم المالي السخي إليهم، واستعمال بعض الإدارات الأهلية المغلوبة على أمرها وطرق صوفية قريبة من الحركة الإسلامية.
وتوقع الواثق البرير في حديثه لـ”العرب” أن يحسم الشارع الصراع السياسي، لكنه يرى أنه من الأفضل أن يكون هناك حوار بين الأطراف المختلفة، وأن قوى الحرية والتغيير ترى أن الجلوس إلى طاولة المفاوضات لابد أن يكون بديلا عن الممارسات الحالية، التي يحاول فيها عسكريون إخفاء أجندتهم وراء مطالب ترفعها قوى منشقة.
وقالت مصادر سودانية لـ”العرب”، “لا توجد لدى المدنيين غضاضة في مناقشة مطالب المكون العسكري على مستوى تمديد الفترة الانتقالية وتوسيع نفوذهم في المرحلة الانتقالية أو الاستماع إلى مآخذهم على المكون المدني، على أن توضع تلك المطالب على طاولة المفاوضات بدلا من شبه الإضراب الحالي الذي أدى إلى تجميد مجلس السيادة ومجلس الشركاء ومجلس الدفاع والأمن”.
وتشير دوائر محسوبة على قوى الثورة إلى أن ما يحدث في شرق السودان لا ينفصل عن محاولات خنق الحكومة المدنية وإظهارها كطرف معرقل للمرحلة الانتقالية، بسبب عدم قدرتها على التعامل مع الصعوبات الاقتصادية والمعيشية، في حين أنها استطاعت أن تنفتح على المجتمع الدولي وحققت نتائج إيجابية على مستوى أرقام الاقتصاد بفعل الدعم الدولي الذي تلقته، بينما أدت سيطرة المؤسسة العسكرية وعناصر النظام البائد على مفاصل الاقتصاد إلى شل الكثير من حركتها.
ولدى هؤلاء قناعة بأن السير في طريق الحشد الشعبي لن يقود إلى التوافق على حل الحكومة الحالية، لأن هناك أطرافا سياسية تملك ثقلا شعبيا في الشارع سيقف حائلا أمام هذه الرغبة.
وتدرك شريحة من المواطنين بأنها ستكون أمام مشكلات أكبر الفترة المقبلة، قد تقود إلى فراغ سياسي لن تستطيع أي من القوى الموجودة على الساحة التعامل مع تداعياته.
العرب