يمثل العفو عن معارضين خطوة أولى في سبيل تحقيق تهدئة سياسية لطالما افتقدتها الكويت في ظل السجالات التي لا تنتهي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ويرنو الكويتيون من خلال هذه الخطوة إلى انطلاقة جديدة خصوصا على الصعيد الاقتصادي، لكن في المقابل يبدي البعض حذرا حيال الإفراط في التفاؤل.
الكويت – أنعشت جهود أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح في تحقيق مصالحة بين الحكومة ونواب المعارضة في مجلس الأمة آمال الكويتيين في فتح صفحة جديدة قوامها الاستقرار وتحقيق التعافي الاقتصادي الذي تأثر بشكل كبير بالأزمة بين الطرفين.
وثمنت عدة جهات هذه التطورات الإيجابية بيد أنها لم تخف شكوكها في بلوغ الأهداف المنشودة، خصوصا فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي الذي لا يقتصر إنعاشه على مجرد حصول تهدئة سياسية بل يتطلب الأمر وجود إرادة حقيقية من جميع الأطراف للقيام بالإصلاحات الهيكلية المطلوبة.
وأعربت أوساط شعبية ونيابية عن ارتياحها لتكليف أمير البلاد رئيس مجلس الأمة ورئيس الوزراء ورئيس المجلس الأعلى للقضاء باقتراح ضوابط وشروط لإصدار عفو بحق معارضين، وهي القضية التي شكلت شرطا رئيسيا لنواب المعارضة لإنهاء المواجهة المستمرة منذ شهور مع الحكومة.
وتعود أطوار القضية إلى نوفمبر 2011 حينما اقتحم نشطاء سياسيون ونواب سابقون مجلس الأمة عقب مظاهرة احتجاجية نظمتها قوى المعارضة ضد رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح، وقد صدرت أحكام بالسجن بحق هؤلاء.
وترى الأوساط أن مساعي تبريد الأجواء بين السلطتين التشريعية والتنفيذية خطوة مهمة للتركيز على أولويات المرحلة لاسيما على الصعيدين الاقتصادي والمالي حيث تواجه خزينة الدولة حالة من الاستنزاف. وتشير تلك الأوساط إلى أن هناك حاجة لتحقيق التناغم بين السلطتين لإقرار تشريعات تهم مالية الدولة.
بدوره اعتبر صندوق النقد الدولي، الذي قاد وفده قبل أيام مفاوضات مع البنك المركزي الكويتي، أن الجهود المبذولة حاليا للتخلص من الجمود السياسي تبشر بتسريع الإصلاحات المطلوبة، لكنه يرى بأن الأمر غير كاف حيث أن هناك عراقيل أخرى تعوق التعافي الاقتصادي في البلاد.
التأخير في الإصلاحات الهيكلية سيؤدي إلى تفاقم المخاطر المرتبطة بالسياسات المالية، وتقويض ثقة المستثمرين
وكانت المواجهة بين مجلس الأمة والحكومة التي يترأسها الشيخ صباح الخالد الصباح قد أربكت العمل التشريعي لأشهر وهو ما انعكس بشكل كبير على مساعي تعزيز المالية العامة وتفعيل إجراءات منها مشروع قانون الدين العام الذي يسمح بدخول دولة الكويت أسواق السندات العالمية وهو ما يمثل أولوية للحكومة.
وقال الصندوق إن الكويت الغنية بالنفط تحتاج للعمل على إصلاحات شاملة وعلى عناصر مثل المزايا الاجتماعية وسوق العمل ومناخ الأعمال. وأضاف الصندوق في بيان “الجمود السياسي المستمر عرقل الإصلاحات وزاد من ضعف الاقتصاد الكلي لكن الجهود الجديدة المبذولة على مستوى رفيع تجدد الأمل في فك الجمود”.
وأبدى الصندوق تفاؤله بشأن تحسن الأوضاع المالية في الكويت بفضل ارتفاع أسعار النفط بعد أن تسبب تراجعها جراء انتشار فايروس كورونا في عجز في الموازنة العامة بلغ 15.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2020 – 2021 وتوقع فائضا بنسبة 2 في المئة في السنة المالية 2021 – 2022.
وكانت الكويت قد أعلنت بالتوازي مع أجواء التهدئة السياسية عن عودة الحياة الطبيعية بالبلاد، وإلغاء الإجراءات الاحترازية للمطعمين ضد كورونا.
وقال الصندوق إنه من المتوقع أن يعود الاقتصاد الكويتي للنمو 0.9 في المئة بعد انكماشه 8.9 في المئة في 2020، محذرا في الآن ذاته من أن يؤدي التأخير في تبني إصلاحات مالية وهيكلية إلى تفاقم المخاطر المرتبطة بالسياسات المالية المواكبة للدورات الاقتصادية، وتقويض ثقة المستثمرين، وعرقلة التقدم نحو المزيد من التنويع الاقتصادي وزيادة القدرة التنافسية.
ويرى خبراء الصندوق أن الاستدامة المالية وإعادة بناء المصدات الوقائية باتا يستوجبان إطلاق خطة طموحة ذات مصداقية لضبط أوضاع المالية وأن تكون ملائمة للنمو على المدى المتوسط.
واعتبروا أن مسار التعديل المحتمل الذي من شأنه أن يسد فجوة المدخرات بين الأجيال ويقلل من احتياجات التمويل يتطلب إصلاحات في الإيرادات والإنفاق العام، ويمكن أن تشتمل التدابير على جانب الإيرادات العامة إدخال ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المئة، وضرائب على التبغ، وتوسيع ضريبة الشركات لتشمل الشركات المحلية، وتنفيذ ضريبة الممتلكات.
وشددوا على ضرورة أن يتضاعف نمو القطاعات غير النفطية لتوفير فرص كافية في القطاع الخاص للباحثين عن العمل، في ظل حالة التضخم الوظيفي في القطاع العام.
وتواجه الكويت مخاطر تتعلق بشح شديد في السيولة بعد أن تضررت ميزانيتها بسبب انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا لأن البرلمان المنتخب – الذي سيعود من عطلته الصيفية في السادس والعشرين من أكتوبر – لم يأذن للحكومة بالاقتراض.
وأفضت الخلافات المستمرة والمآزق السياسية المتكررة على مدى عقود بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الكويت إلى إجراء تعديلات حكومية متتالية وحل البرلمان، وهو ما أعاق مشاريع الاستثمار والإصلاح الاقتصادي في البلاد التي شهدت عجزا قياسيا في ميزانيتها العامة بلغت قيمته 35.5 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في الحادي والثلاثين من مارس 2021.
ولا يخفي البعض قلقهم من أن تشهد جهود الأمير نواف الأحمد الصباح انتكاسة خاصة أن المعارضة النيابية لم تقدم أيّ وعود لاستكمال المصالحة مع السلطة التنفيذية، واقتصرت فقط على ردود أفعال مرحبة بخطوة العفو.
ويقول مراقبون إن التشريعات المتعلقة بالإصلاحات المالية لطالما شكلت ورقة ضغط ثمينة بالنسبة إلى نواب المعارضة لتسجيل نقاط في سلة الحكومة، وبالتالي فإنها لن تتنازل عنها بمجرد إصدار عفو.
ويلفت المراقبون إلى ما يدور عن إشراك نواب في الحكومة عبر منحهم حقائب وزارية هي خطوة لاستدراج المعارضة البرلمانية، وإضعافها حتى يسهل السيطرة على المجلس، وبالتالي تمرير التشريعات التي باتت الحكومة في سباق ليس في صالحها مع الوقت لإقرارها.
العرب