مشاريع الطاقة المتجددة في العراق بين النجاح والإخفاق

مشاريع الطاقة المتجددة في العراق بين النجاح والإخفاق

بغداد – استغنى محمود عبد الهادي -الذي يسكن جنوب شرقي العاصمة بغداد- عن الكهرباء المزودة حكوميا وكذلك عن الاشتراك في المحطات الكهربائية الأهلية، واشترى بدلا من ذلك منظومة شمسية لتوليد الطاقة الكهربائية لمنزله بقدرة 15 أمبير نُصبت فوق سطح منزله بقيمة بلغت نحو 5 آلاف و400 دولار.

ويعتبر عبد الهادي -في حديث للجزيرة نت- أن استخدامه للطاقة الشمسية ناجح ومناسب، مشيرا إلى أنه يحتاج كل فترة إلى تبديل البطاريات العاكسة الخاصة بالمنظومة الشمسية وذلك وفق الاستخدام.

وبين أنه لا توجد تكاليف تذكر لإدامة المنظومة الكهربائية الشمسية، غير أنه لا بد من تنظيف الأجزاء العاكسة كلما علقت بها الأتربة حتى تكون فاعليتها أفضل.

العبادي اعتبر أن مشاريع الطاقة الشمسية الجديدة سترفد منظومة الكهرباء الوطنية بما يسد النقص (الجزيرة)
مشاريع الطاقة المتجددة
سعت الحكومة العراقية لحل مشكلة الكهرباء عن طريق التعاقد مع دول وشركات كبرى في مجال الطاقة المتجددة، وكان من بينها توقيع اتفاقيات مع شركات عربية وأجنبية لإنشاء مشاريع كهروشمسية في العراق.

والدور الذي تلعبه وزارة الكهرباء العراقية حاليا كبير، كما يرى الناطق الإعلامي باسمها أحمد العبادي، والذي قال إن مشاريع الطاقة الشمسية الجديدة سترفد منظومة الكهرباء الوطنية بما يسد النقص الحاصل بالكهرباء.

وذكر العبادي للجزيرة نت، أن وزارة الكهرباء أبرمت عدة اتفاقات وبرتوكولات دولية لإنجاح المشروع الحكومي الخاص بالطاقة الكهربائية -ومن بينها التعاقد مع شركة “بور شاينا” (Power China) الصينية، وشركة “توتال” (Total) الفرنسية- لتزويد الشبكة الوطنية بألف ميغاوات، إضافة إلى التعاقد مع شركة “مصدر” الإماراتية لتزويد 4 محافظات عراقية بألف ميغاوات كمرحلة أولية ومن ثم الانتقال لمحافظات أخرى.

وأضاف العبادي أن الوزارة وقعت مؤخرا مع شركة “أسكاتك” (Ascot) النرويجية اتفاقا لإنشاء محطات كهروشمسية بطاقة 525 ميغاوات، معتبرا أن هذه الاتفاقات خطوة البداية ضمن برنامج بناء وإنشاء المحطات الكهربائية للتوليد بالطاقة النظيفة.

وعن بدء العمل بتلك المشاريع الاستثمارية، قال العبادي إنه سيبدأ فور انتهاء الإجراءات الإدارية والقانونية في البلاد، مشيرا إلى أن الوزارة تطمح لتحقيق 7 آلاف و500 ميغاوات كمرحلة أولى من مشاريع الطاقة النظيفة.

الأرضية غير صالحة
وعن امتلاك العراق للأرضية الصالحة لتلك المشاريع التي تدخل العراق لأول مرة في تاريخه على مستوى حكومي، يرى هاري ستيبانيان (أميركي من أصل عراقي) -المستشار المستقل لشؤون الطاقة وعضو في معهد الطاقة العراقي (مقره لندن)- عدم أهلية الشبكة الوطنية العراقية لإحداث دمج كميات كبيرة من مصادر الطاقة المتجددة المتغيرة.

ويرجع ستيبانيان -خلال حديثه للجزيرة نت- سبب ذلك إلى أن شبكة العراق تعاني منذ عدة سنوات من عدم تلبية كمية الكهرباء التي يتم توليدها محليا مع الطلب المتزايد.

وأشار خبير الطاقة إلى أن الطبيعة المتقطعة للطاقة الشمسية ستتسبب بتحديات تشغيلية لمشغل الشبكة الوطنية العراقية، مما يتطلب الحاجة إلى موازنة النظام وتقنيات تخزين الطاقة، التي لا يعتزم العراق إضافتها على الأقل في المستقبل القريب.

لذلك يرى ستيبانيان أن العراق بحاجة إلى النظر في استقرار الشبكة الوطنية للكهرباء من خلال الاستمرار في مزج الطاقة التقليدية والطاقة الشمسية إلى جانب التخزين، عن طريق توصيل الطاقة باستمرار ليلا ونهارا عبر تلك الشبكة.

عشرات مولدات الديزل الجديدة متوقفة دون استخدام منذ أكثر من 5 سنوات (الجزيرة)
مشاريع غير ناجحة
واستبعد الدكتور سامي الهاشمي -الخبير العراقي في مجال الطاقة الكهربائية والمتجددة- نجاح المشاريع الأخيرة في حل أزمة الكهرباء العراقية.

ويقول الهاشمي للجزيرة نت إن مشاريع الطاقة المتجددة لن تنجح في العراق في الوقت الحاضر، بسبب سطوة السلاح المنفلت على القرار الاقتصادي إضافة إلى الفساد المالي والإداري الذي ينهش الكهرباء التي تعتبر عامود الاقتصاد العراقي لإنعاش مفاصله الأخرى كالصناعة والزراعة وغيرها من المفاصل الاقتصادية.

وأشار الهاشمي إلى أن الاقتصاد العراقي متهالك جدا وأن القائمين عليه لا يأخذون بأي أفكار وخطط اقتصادية تُعرض من قبل المختصين، رابطا تعافي قطاع الكهرباء بخروج الانتهازيين من وزارة الكهرباء العراقية، حسب قوله.

ومن جملة قضايا الهدر المالي التي عرضها الهاشمي، وجود 125 مولدة ديزل بسعة الواحدة 2 ميغاوات، متوقفة عن العمل منذ استيرادها في عهد وزير الكهرباء السابق قاسم الفهداوي (في الفترة من 2014 إلى 2018) من دون معرفة أسباب توقفها على الرغم من أنها جديدة وغير مستخدمة.

الكهرباء والفساد
نحو 17 عاما يعاني العراقيون من نقص حاد في الكهرباء من الجهات الحكومية، في وقت أنفق العراق -وفق تحقيق أجراه البرلمان السابق نهاية العام 2020- نحو 81 مليار دولار على مشاريع الطاقة الكهربائية في البلاد للفترة من 2005 وحتى 2019، فيما لا يزال إنتاج البلاد من الطاقة لم يتجاوز عتبة الـ20 ألف ميغاوات، في حين أن البلاد بحاجة إلى طاقة كهربائية تقدر بأكثر من 30 ألف ميغاوات.

وفي يوليو/تموز الماضي، شكل البرلمان العراقي لجنة للتحقيق في التعاقدات التي أبرمتها وزارة الكهرباء خلال الفترة من 2005 إلى 2019، إثر تراجع حاد في إنتاج الطاقة الكهربائية في البلاد العام الماضي.

وعن ملف الأموال المنهوبة من قطاع الكهرباء يقول الدكتور غالب الدعمي -المختص العراقي في مكافحة الفساد- إن هيئة النزاهة نجحت في مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة من قبل وزارة الكهرباء، حيث قامت باسترداد نحو 10 مليارات دولار إضافة إلى ملفات فساد بملايين الدولارات أخرى ستحسم قريبا.

ولا يقع على عاتق هيئة النزاهة مكافحة الفساد بالكامل وفق الدعمي، إذ إن عملها لا يتعدى سوى 15% في حين أن النسبة المتبقية يقع على عاتق الجهات الحكومية الرقابية الأخرى.

واعتبر أن حماية الفاسدين من قبل الحكومات السابقة والأحزاب والكتل السياسية، منع الهيئات الرقابية -مثل هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية الاتحاديين- من الوصول إلى ناهبي المال العام ومحاسبتهم.

ويضيف الدعمي للجزيرة نت أن اللجنة العليا لمكافحة الفساد برئاسة أحمد أبو رغيف اعتقلت العديد من الشخصيات في وزارة الكهرباء بتهم الفساد المالي والإداري خلال الأشهر القليلة الماضية؛ الأمر الذي عزز من قوة مراقبة هيئة النزاهة والجهات الأخرى على عمل الوزارة بشكل لافت رغم العراقيل التي تواجهها من المافيات والسلاح المنفلت لدى بعض الأحزاب.

المصدر : الجزيرة