هل يسهم “شمش” و”أنليل” في حل أزمة الكهرباء بالعراق

هل يسهم “شمش” و”أنليل” في حل أزمة الكهرباء بالعراق

هل أصيب العقل العراقي بالجدب فلم يعد قادراً على إيجاد حلول جذرية مبتكرة لأزمة الكهرباء؟ ولماذا لا تتخذ خطوات جدية لاستثمار الطاقة المتجددة أو النظيفة للتخفيف من تلك الأزمة الخانقة؟ وإذا كانت هنالك تأثيرات خارجية تحول دون ذلك في مناطق الوسط والجنوب، لأسباب معروفة لا تخفى على اللبيب، فلماذا لم يبادر إقليم كردستان باستثمار تلك الطاقة الواعدة؟ ولماذا لا يقتحم القطاع الخاص، لاسيما الكردستاني، ميدان الاستثمار في الطاقة النظيفة؟ ولماذا لا تتم الاستفادة من التجارب العالمية الرائدة في هذا المجال خصوصاً في الصين والولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا وكوريا الجنوبية؟

تجربة لم تستمر
لقد تفاءل كثيرون بإمكانية أن ينتشر استعمال الطاقة النظيفة في العراق بعد اهتمام الدولة آنذاك، متمثلاً في إقامة معمل لإنتاج ألواح الطاقة الشمسية (شركة المنصور العامة في عام 1975)، ونجاح تجربة استعمال الطاقة الشمسية في مجمع أبو نؤاس وسط بغداد، الذي شيد بداية ثمانينات القرن الماضي، واستحداث مركز بحوث الطاقة الشمسية، لاسيما مع تمتع العراق بوفرة تلك الطاقة خصوصاً الشمسية منها. بيد أن ذلك التفاؤل سرعان ما تلاشى نتيجة الحروب والحصار زمن النظام السابق، والفوضى وحالة عدم الاستقرار الأمني التي سادت البلد بعد 2003.

والطاقة المتجددة أو النظيفة هي طاقة ناتجة عن مصادر طبيعية تتجدد بمعدل يفوق ما يتم استهلاكه، وتشمل طاقة الرياح والطاقة الشمسية وطاقة المياه والأمواج والطاقة الجوفية والهيدروجين الأخضر، وكلها طاقات غير قابلة للنفاد، علماً أن العراق يتمتع بأكثر من 3000 ساعة مشمسة من أصل 8700 ساعة في السنة، وبأكثر من خمسة آلاف ميغاواط من طاقة الرياح، بحسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IAEA)، في حين أن أكثر من 98 في المئة من كهرباء العراق يتمّ إنتاجها بواسطة الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم الحجري)، وفق تقرير للبنك الدولي.

ضغوط خارجية وقصور داخلي

على الرغم من اهتمام بعض الجهات العراقية، لاسيما وزارات الكهرباء والعلوم والتكنولوجيا والتعليم العالي والبحث العلمي، بالطاقة النظيفة إلا أن ذلك لم يسفر عن خطوات جدية للتخفيف من أزمة الطاقة المزمنة. ويعود ذلك إلى أسباب مختلفة، بعضها ناجم عن ضغوط سياسية خارجية معروفة للقاصي والداني، والبعض الآخر ناجم عن قلة الوعي بأهمية الاستثمار في هذا المجال الحيوي.

بدوره لم يسهم القطاع الخاص بنحو جاد في هذا المجال، لانشغال رموزه بالكسب السريع وأمور أخرى لا مجال للخوض فيها حالياً، فضلاً عن عدم وجود دعم حكومي حقيقي باتجاه الاستثمار في الطاقة النظيفة، وبقيت جهود القطاع الخاص محصورة في بيع منظومات محدودة القدرة للطاقة الشمسية، للاستعمال المنزلي أو الزراعي خصوصاً، بأسعار باهظة نسبياً.

إن دراسة بسيطة للتلوث الناجم عن المولدات الأهلية المنتشرة كالنار في الهشيم في العراق، ناهيكم عن محطات توليد الطاقة الكهربائية الحرارية والغازية، كفيلة بإظهار الكارثة البيئية التي يعاني منها البلد، فضلاً عن التأثيرات السلبية لنقص إنتاج الطاقة على المواطن، والتكاليف الباهظة والمبالغ فيها كثيرا لاستيراد الغاز أو الكهرباء من دول الجوار.

توجهات عالمية مثمرة
إن توليد الطاقة النظيفة، سواء أكانت شمسية أم من الرياح أم من الماء وغير ذلك من المصادر، بات يحتل أهمية قصوى في توجهات دول كثيرة حول العالم، فضلاً عن دول الجوار، كالسعودية وتركيا على سبيل المثال لا الحصر، علماً أن غالبيتها لا تعاني من نقص في توليد الطاقة، من هنا باتت الطاقة المنتجة من المصادر النظيفة تحتل مكانتها المهمة وفي إطار تصاعدي.

وبحسب المصادر العالمية المتخصصة يؤمل أن ترتفع قيمة سوق الطاقة الشمسية العالمية من نحو 21.5 مليار دولار في عام 2021 إلى 35.3 مليار دولار بحلول عام 2031، مع معدل نمو سنوي مركب بنسبة 5.1 في المئة من 2022 إلى 2031.

ففي الصين، التي أبهرت العالم وأصبحت أكبر مُنتج عالمي للطاقة من مصادر الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية، تُنتج طاقة من مصادر نظيفة ومتجددة كل عام بسعة تفوق كل دول العالم مجتمعة، ويتوقع أن تستثمر الصين حوالي ستة تريليونات دولار في مشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة خلال العقدين المقبلين، بالتزامن مع التوقعات بارتفاع الطلب العالمي على الطاقة بمعدل 30 في المئة بحلول عام 2040.

واعتبارا من عام 2021 تعد الصين واحدة من الدول الرائدة عالمياً في نشر الطاقة المتجددة. ووصل إجمالي قدرة الطاقة المتجددة في البلاد إلى 1020 كيلوواط في عام 2021، وهو ما يمثل زيادة بنحو 13.4 في المئة مقارنة بقيمة العام الذي سبقه. وتعد الطاقة الكهرومائية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح مصادر الطاقة المتجددة الرئيسية في البلاد. وتخطط الصين لتوليد ما نسبته 25 في المئة من إجمالي مصادر الطاقة فيها من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وأكثر من 80 في المئة بحلول عام 2060. كما تسعى إلى توليد ما نسبته 33 في المئة من الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة بحلول عام 2025.

وفي الولايات المتحدة أطلقت خطة في 2023 لتوليد أكثر من 80 في المئة من حاجتها إلى الطاقة المتجددة، ما يمثّل بداية انطلاق حقيقية للبلاد. وكانت الطاقة الشمسية في أميركا تولّد 46 في المئة من الكهرباء الإضافية في 2022. وتتوقع إدارة الطاقة الأميركية ارتفاع معدلات توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة من 22 في المئة عام 2023 إلى 26 في المئة عام 2024. وفي ألمانيا بدأ دعمُ الطاقات المتجددة في تسعينات القرن العشرين، وتم خلال عام 2023 توفير ما نسبته 52 في المئة من الاستهلاك الكهربائي من الطاقة المتجددة الخالصة. وفي إسبانيا، حيث توجد أكبر محطة طاقة شمسية كهروضوئية في أوروبا بقدرة 500 ميغاواط، تهدف الحكومة إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة إلى 42 في المئة بحلول عام 2030.

وفي كوريا الجنوبية من المتوقع أن تشكل الطاقة المتجددة 21.6 في المئة من إجمالي إنتاج الكهرباء بحلول 2030، حسب أحدث خطة حكومية لمواجهة ظاهرة التغير المناخي، حيث بلغت القدرة المركبة للطاقة الشمسية في كوريا 20.97 كيلوواط اعتبارا من عام 2022، ما يشير إلى الاعتماد السريع على الطاقة الشمسية في البلاد.

وفي تركيا، التي تحتل المركز السادس أوروبياً في توليد الطاقة الكهربائية من الرياح، خلال عام 2022، تم إنتاج قدرة إجمالية للطاقة المركبة بلغت 11 ألفا و969 ميغاواط. في حين أكد وزير الطاقة والموارد الطبيعية ألب أرسلان بيرقدار، في تصريح صحفي بتاريخ 23 – 1 – 2024، على أن عام 2023 كان عام مصادر الطاقة المتجددة، حيث تم الحصول على 99.5 في المئة من 2.858 ميغاواط من القدرة المركبة المتزايدة، من مصادر متجددة؛ ما رفع إجمالي القدرة المركبة للطاقة المتجددة في البلاد إلى 59.236 ميغاواط، وأن الوزارة تسعى لزيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة في القدرة المركبة إلى 65 في المئة وفي الإنتاج إلى 55 في المئة بحلول عام 2035، لافتاً إلى أن هناك خطة طموحة لزيادة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2053، حيث تسعى البلاد جاهدة لتصبح اقتصاداً محايداً للكربون.

وفي المملكة العربية السعودية تم إطلاق رؤية 2030 للتنمية المستدامة التي تهدف إلى تحويل اقتصاد المملكة إلى اقتصاد متنوع ومبتكر ومنافس، وتضم رؤية 2030 بنداً خاصاً يتعلق بسوق الطاقة المتجددة، بهدف زيادة حجم إنتاج الطاقة المتجددة بنسبة 50 في المئة بحلول 2030 مع التركيز على طاقة الشمس والرياح. وتهدف المملكة إلى إنتاج 27.3 كيلوواط من الطاقة الشمسية وفقاً لبرنامج الطاقة المتجددة الوطني بحلول عام 2024، و40 كيلوواط بحلول عام 2030، في حين نفذت مشاريع أخرى لتوليد 1500 كيلوواط من الكهرباء من طاقة الرياح.

وفي الإمارات تم عام 2017 إطلاق إستراتيجية موحدة للطاقة، بهدف زيادة حصة الطاقة النظيفة ضمن إجمالي مزيج الطاقة من 25 في المئة إلى 50 في المئة بحلول عام 2050، ووصل حجم إنتاج الإمارات من الطاقة النظيفة الصديقة للبيئة خلال العام 2021 إلى 7035.75 ميغاواط.

وفي مصر توقعت وكالة الطاقة الدولية زيادة قدرة البلد على إنتاج الطاقة المتجددة بنسبة 65 في المئة بحلول عام 2027، متوقعة أن توفر مصر أكثر من 25 في المئة من إجمالي قدرة الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما كشفت بيانات رسمية حديثة أن القطاع الخاص المصري يستثمر نحو 4.4 مليار دولار في مشروعات الطاقة المتجددة التي تشمل مزيجاً من مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية.

بدوره يهدف المغرب إلى رفع نسبة ما ينتجه من الطاقة النظيفة من 42 في المئة عام 2020 إلى 52 في المئة بحلول عام 2030. وذلك من خلال استثمارات كبيرة في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية، بالإضافة إلى إجراءات تحفيزية للقطاع الخاص. وتعد مزرعة الرياح في طرفاية، التي تبلغ طاقتها 301 ميغاواط، هي الأكبر في أفريقيا، في حين يتم إنتاج ما قدره 582 ميغاواط سنوياً من محطة “نور وارزازات” للطاقة الشمسية التي تعد سابع أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم.

خطوات سلحفاتية
وهكذا يتعاظم التوجه العالمي نحو توليد الكهرباء من مصادر بديلة، أهمها الشمس والهواء، لما لذلك من تأثيرات بيئية واقتصادية إيجابية جمة، في حين تبقى الجهود العراقية سلحفاتية وخجولة على الرغم من الأزمة الكهربائية الخانقة التي يعاني منها البلد. وحتى عندما نتعاقد مع الصين، يتم ذلك لبناء مدارس يمكن لأي مقاول محلي أن ينفذها بمبلغ أقل ومدة أقصر!

إن التوجه نحو الطاقة النظيفة، لاسيما الشمسية، يحتاج إلى ثقافة مجتمعية ودعم حكومي حقيقي، لتشجيع الناس على استعمال منظومات الطاقة الشمسية، كما هو الحال في العديد من دول الجوار، الأردن وتركياً مثلاً، حيث لا يكاد أي منزل أو بناية يخلوان من وجود منظومة للطاقة الشمسية، وقبل ذلك الإسراع بتنفيذ مشاريع واعدة وكبيرة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بالاستعانة بشركات عالمية حقيقية معروفة وذات خبرة، وإلزام المجمعات السكنية بتوفير منظومات طاقة شمسية تؤمن ما لا يقل عن نصف احتياجاتها من الكهرباء، وبعد ذلك التوجه نحو القطاعات الأخرى.

ومن الضروري أيضاً تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مجال الطاقة النظيفة، من خلال حزمة دعم تشجيعية، وإقامة مصانع لإنتاج الألواح الشمسية وباقي مكونات منظومات توليد الطاقة، لتكون تلك المنظومات في متناول المواطنين بأسعار معقولة، لاسيما أن ذلك أجدى من التوجه نحو صناعات تشكل مضيعة للجهد والأموال!

ترى هل نشهد إقامة مجمعات شمسية وأخرى لحصاد الرياح في العديد من مناطق العراق، في نوع من الاستلهام لما كان أجدادنا البابليون والسومريون يفعلون مع إله الشمس (شمش) وإله الرياح (أنليل)، حيث كانوا يقيمون لهما المعابد في مدنهم الكبرى؟ قولوا إن شاء الله.

العرب