مقاطعة المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج لبنان، بسبب وزير الإعلام جورج قرداحي، ليست هي الرد المناسب على حزب الله وإيران، لأن المتضرّر الوحيد منها هو الشعب اللبناني، بل سوف تحصد إيران ثمار هذا التصعيد ضد الدولة اللبنانية الضعيفة والمستباحة من التدخلات الأجنبية. وبات واضحا أنه كلما ابتعدت دول الخليج وغيرها عن لبنان نجح حزب الله بتحقيق الهدف الإيراني لعزل هذا البلد عن محيطه العربي. وبالتالي، ليس الحل بمقاطعة لبنان أو استقالة وزير وحتى الحكومة برمتها، بل بمواجهة إيران وغيرها من الأطراف الخارجية، التي تتدخل في شؤون لبنان وبقية البلدان العربية، من خلال موقف عربي يمثل الحدّ الأدنى من التضامنين، السياسي والاقتصادي، وفق سياساتٍ واستراتيجياتٍ تقوم على حماية الأمن القومي العربي، ومعالجة آثار غياب الدور العربي، الذي يتجلى بقوة في سورية، التي توجد على أرضها عدة قوى خارجية باستثناء العرب. وتؤكد القضية السورية كل يوم الحاجة الماسّة إلى موقف عربي موحد لمواجهة تدخلات إيران وغيرها، وهذا أمرٌ لا يمكن أن تنهض به أطراف شغلها الشاغل محاربة طموحات الشعوب العربية بالحرية والكرامة. وكي يقوم الموقف العربي على أسس صحيحة، فإنه يتطلب إصلاحات سياسية فعلية في بنية النظام العربي الراهن، والذي شاخ ولم يعد صالحا للعصر، وأول خطوةٍ على هذا الطريق هي إطلاق الحريات، ووقف النهج التدميري بافتعال الحروب العبثية بين الدول العربية.
هناك طرف محلي في لبنان هو حزب الله، يضع نفسه فوق الدولة، ويتّبع في قراره قوة إقليمية ذات أطماع غير محدودة في العالم العربي هي إيران. ومنذ عام 1992، حينما دخل الحياة السياسية والبرلمان والحكومة، تجاوز الحزب الدولة اللبنانية التي لم تتمكن من الحد من تنامي قوته العسكرية، وتسلّحه المتواصل الذي سوقه مقاومةً لمحاربة اسرائيل، ولكنه صار يقاتل منذ عشرة أعوام تحت راية إيران في سورية والعراق واليمن. وبذلك تجاوز أذى هذه الظاهره الداخل اللبناني إلى علاقات لبنان العربية والدولية. ولو كانت الدول العربية المؤثّرة جادّة في معالجة ملف حزب الله، لما وصل الموقف إلى ما هو عليه اليوم، حيث بات استمرارُه يهدّد بتقويض البلد، وما نراه أن المواقف المعلنة لبعض دول الخليج مثل الإمارات، من الوضع في لبنان، لا تتوافق مع السياسات التي تمارسها سواء في الإقليم أو خارجه، وهي تحتفظ بعلاقاتٍ تجاريةٍ مهمة مع إيران، وتلعب دورا فريدا من أجل تعويم نظام بشار الأسد حليف طهران في المنطقة الذي أنفقت في الحرب على بقائه ما يفوق قرابة مائة مليار دولار، وشاركت المليشيات المحسوبة عليها، من حزب الله والحشد الشعبي العراقي وزينبيون وفاطميون في حرب التهجير والإبادة ضد الشعب السوري.
واستطرادا، حتى لا يكون الموقف من حزب الله هبّة عابرة، تنتهي بتسوياتٍ مؤقتةٍ يذهب مفعولها بمجرّد أن تتراجع الأزمة، صار لزاما الذهاب بالمسألة حتى نهايتها، ووضعها في نصابها الفعلي، الذي لا يتلخص بتصريح وزير، بل بهيمنة المحور الإيراني على القرار في لبنان، الذي تحوّل إلى قاعدة متقدمة لإيران يحرسها جيش مدرب من مائة ألف مقاتل، كما سبق وأعلن الأمين لحزب الله، حسن نصر الله. وفي هذا الصدد، لا بد من تحديد موقف حيال الأطراف الداخلية اللبنانية التي أقامت مع هذا الحزب تحالفاتٍ، هدفها تبادل المصالح السياسية من أجل تقاسم السلطة والنفوذ، كما هو الحال بين حزب الله والتيار الوطني الحر، حزب رئيس الجمهورية ميشيل عون، الذي وصل إلى الرئاسة بفضل هذا الحلف الذي خرّب لبنان، على الرغم من أنه كان من ألد أعداء الحزب، قبل أن يعود من منفاه الباريسي ويتحالف معه، تحت المظلة السورية.
بشير البكر
العربي الجديد