مع وجود فيتو غربي على استقالة رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي من منصبه، لا يزال الثنائي الشيعي حزب الله – حركة أمل يعطل اجتماعات مجلس الوزراء، مطالبا باستبعاد قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار. ومع تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية يبدو الثنائي الشيعي في طريق مفتوح لتلبية مطالبه.
بيروت – كشفت مصادر سياسية لبنانية مقربة من الثنائي الشيعي حزب الله – حركة أمل أن مؤشرات استبعاد المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار استوت، وهو المدخل لاستئناف الحكومة اللبنانية عملها وتجاوز أزمة الشلل الحكومي.
ويرى مراقبون أن نجاح الثنائي الشيعي في فرض أجندته على رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، يسلط الضوء على النفوذ الكبير لجماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران، والتي دعت إلى تغيير بيطار واتهمته بإجراء تحقيق مسيّس يستهدف أشخاصا بعينهم.
وعكس التأزم السياسي شللا وإرباكا حكوميا والمزيد من تعقد المشهد في البلد المرهق اقتصاديا واجتماعيا.
وتفجرت الأزمة على إثر مقاطعة الوزراء الشيعة جلسات مجلس الوزراء، وما رافق ذلك من توترات أمنية.
ودفعت المقاطعة الشيعية رئيس البلاد ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى تأجيل عقد جلسات مجلس الوزراء إلى أجل غير مسمى.
وتتألف الحكومة اللبنانية من أربعة وعشرين وزيرا: خمسة مسلمين سُنّة وخمسة شيعة، ودرزيين اثنين، والمسيحيين (خمسة موارنة، وثلاثة من الأرثوذوكس، وكاثوليكيين اثنين، وواحد من الأرمن، وآخر من الأقليات).
ويشترط الوزراء الشيعة للمشاركة في جلسات مجلس الوزراء أن يبحث المجلس بملف تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، تمهيدا لتنحية المحقق العدلي القاضي طارق البيطار.
واستبعدت مصادر لبنانية استقالة ميقاتي بسبب الفيتو الأجنبي على استقالته، وهو ما لم يترك لميقاتي سوى الاستجابة لمطالب الثنائي الشيعي.
وسعى بيطار إلى استجواب أحد كبار السياسيين في البلاد وهو وزير المالية السابق علي حسن خليل الذي قال إن جميع الخيارات مفتوحة للتصعيد السياسي، عندما سُئل عما إذا كان من الممكن استقالة بعض الوزراء. وخليل هو الذراع اليمنى لرئيس مجلس النواب نبيه بري وحليف وثيق لحزب الله.
وكان حزب الله وحركة أمل قد سحبا الوزراء التابعين لهما من الحكومة في أوقات سابقة من الصراع السياسي، ما أدى إلى انهيار الحكومة التي يقودها السنة من خلال سحب التمثيل الشيعي منها.
ولا يملك ميقاتي سلطة عزل بيطار، لكنه قد يلغي قرارا سابقا يقضي بإحالة التحقيق إلى المجلس العدلي وهذا سيكون، حسب محللين، اعتداء كبيرا على فصل السلطات.
وقال نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم الأحد “إننا اليوم أمام محقق عدلي هو طارق بيطار، يتصرف باستنسابية وعمل سياسي، ويستهدف جماعات محددة، ويعمل خلافا للقانون، وبالتالي يجب أن نفتش عن حل لهذه المعضلة والمشكلة”.
وأضاف قاسم “يمكن أن يُفتّش عن قاض آخر وتحل المشكلة، الحقيقة تتطلب قاضيا نزيها عادلا لا يسيّس عمله، ويكون الأطراف المعنيّون راضين عن تكليفه”.
وبعد مرور أكثر من عام على الانفجار الذي هز بيروت، تواجه جهود القاضي بيطار عقبات سياسية بخصوص استجواب كبار المسؤولين للاشتباه بأنهم كانوا على علم بالمواد الكيميائية المخزنة، ولكنهم لم يفعلوا شيئا لتجنب الكارثة التي أسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص.
والخميس الماضي أصدرت محكمة لبنانية قرارا بكف يد بيطار عن قضية انفجار مرفأ بيروت، إلى حين البت في طلب مقدم من وزير سابق لرد المحقق العدلي.
وهذه هي المرة الرابعة التي يتم فيها تجميد التحقيق، وتعود الأولى إلى ديسمبر 2020، عندما علقه المحقق العدلي السابق فادي صوان لمدة 10 أيام قبل تنحيته، إثر شكاوى قضائية تقدم بها النائب حسن خليل، حليف حزب الله الوثيق.
ويقول الكاتب السياسي طوني أبي نجم إن “حزب الله يشترط الإطاحة بالمحقق العدلي مقابل استمرار عمل الحكومة، في وقت تحتاج البلاد إلى تكثيف عمل الحكومة في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية”.
ويضيف أبي نجم أن “حزب الله وضع نفسه في وجه الأكثرية اللبنانية التي تريد معرفة حقيقة انفجار المرفأ، والتي تعاني أيضا من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية”.
ويحذر من أن “هذا الواقع قد يؤدي إلى شلل كامل في البلاد، وقد يدفع إلى تأجيل الانتخابات النيابية المقبلة المقررة في السابع والعشرين من مارس القادم”.
وتتساءل أوساط سياسية لبنانية عن سبب التهجم على المحقق في حادثة بيروت، رغم أنه لم يوجه اتهامات لأي طرف سياسي بالمسؤولية عن الحادثة بما في ذلك حزب الله.
ويشير هؤلاء إلى أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بوضع نفسه في مواجهة مع المحقق، يعزز الشكوك التي تتداولها وسائل إعلام غربية ومحلية بدور ما للحزب في حادثة انفجار مرفأ بيروت.
ولم يرشح عن تحقيقات القاضي بيطار ما يؤشر على علاقة بين نيترات الأمونيوم التي تسببت في انفجار المرفأ وبين حزب الله، إلا أن الحزب أثار حشر نفسه.
واستدعى بيطار مشتبها بهم، وهو لم يحدد حتى الآن أي وجهة لمسار التحقيق، باستثناء أن ثمة مسؤولين حكوميين تجب مساءلتهم، وربما لاحقا محاسبتهم، وليس من بين هؤلاء حتى الآن أي مسؤول من حزب الله.
وفي بلد شهد خلال السنوات العشرين الماضية اغتيالات وتفجيرات وحوادث عديدة لم يكشف النقاب عن أي منها، إلا نادرا، ولم يحاسب أي من منفذيها، لا يزال اللبنانيون ينتظرون أجوبة عن أسئلتهم: من أتى بهذه الكمية الضخمة من نيترات الأمونيوم إلى بيروت؟ لماذا تُركت سبع سنوات في المرفأ؟ ومن كان يعلم بها وبمخاطرها؟ وما هي الشرارة التي أدت إلى وقوع أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم؟
ويشكك كثيرون في إمكانية التوصل إلى حقيقة ما حصل أو حتى محاسبة أي مسؤول سياسي.
العرب