موسكو- يدخل التوتر الروسي الأميركي منعطفا جديدا، مع شروع واشنطن وحلفائها في مناورات عسكرية غير مقررة في مياه البحر الأسود، استخدمت فيها الطائرات القتالية، في خطوة عدّها الكرملين تحديا خطيرا من شأنه دفع المنطقة إلى تصعيد غير مسبوق.
ورغم تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده “لن تقابل خطوات حلف الناتو بالأسلوب ذاته”، فإن التدهور في العلاقات بين البلدين وصل مع المناورات الحالية في البحر الأسود إلى ما يصفه مراقبون روس بـ”مستوى الحضيض”.
وغالبًا ما تدخل السفن الحربية التابعة للبحرية الأميركية وحلفائها في الناتو البحر الأسود، وتحلّق طائرات قتالية واستطلاعية فوق مياهه؛ إذ لا توجد اتفاقيات خاصة تنظم الطلعات الجوية في المجال الجوي فوق البحر.
أما الوجود العسكري للدول غير المطلة على البحر الأسود فتنظّمه اتفاقية مونترو لعام 1936 بشأن نظام المضائق، التي تحدد، في زمن السلم، حمولة السفن وأنواعها ووقت البقاء (حتى 21 يومًا).
الخروج عن قواعد الاشتباك
ولكن بعد الحرب الروسية الجورجية عام 2008، وأزمة شبه جزيرة القرم، تصاعد التوتر إلى درجة خطرة في منطقة البحر الأسود، وهو الجزء الأكثر حيوية ضمن الحدود الجنوبية لروسيا.
وعندما يبلغ الأمر إعلان وزارة الدفاع الروسية أن “الأعمال العدوانية للولايات المتحدة تمثل تهديدا للأمن الإقليمي والاستقرار الإستراتيجي”، ففي ذلك ما يعني توجّس الكرملين من استفزازات قد تقوم بها السفن الأميركية والأخرى المتعددة الجنسيات، في المنطقة المجاورة للحدود الروسية، بهدف تغطية عملية عسكرية محتملة تستعد لها كييف في جنوب شرقي أوكرانيا.
بيد أن ما يميز الأزمة الحالية هو التخوف من أن يؤدي “حادث عرضي” إلى إشعال مواجهه غير محسوبة الشكل والنتائج، تخرج عن “قواعد الاشتباك” التي كان من المفترض أن قمة بوتين وبايدن ثبتتها في جنيف، فـ”الصخب” الأميركي في البحر الأسود وفي السماء فوقه يقع في مرمى أنظمة الدفاع الروسية.
كما أن توقيت التدريبات المثيرة للجدل يأتي رغم استعداد الكرملين والبيت الأبيض لعقد قمة عبر الإنترنت بين بوتين وبايدن في ديسمبر/كانون الأول المقبل، واجتماع شخصي بينهما في أوائل العام القادم.
وتتفاوت آراء الخبراء الروس بين التحذير من إمكانية اندلاع مواجهة عسكرية بين الطرفين من جهة، ووضع التحركات الأميركية في البحر الأسود في نطاق “جسّ النبض”، من جهة أخرى.
ولا يتوقع الخبير العسكري الروسي أوليغ كوزنتسوف حدوث استفزازات خطيرة من جانب البحارة العسكريين الأميركيين وحلفائهم في الناتو؛ فموسكو، باعتقاده، أوضحت بشكل صارم أنها تراقب بدقة تحركات السفن “المعادية”. ويشير إلى أن التحرك الذي تقوده واشنطن يحمل مضمونًا استخباراتيًّا وتقنيًّا لتتبع وتقييم رد فعل البحارة الروس على أفعالهم.
ويقول كوزنتسوف، في حديثه للجزيرة نت، إن “روسيا حشدت عددًا كافيًا من القوات في منطقة البحر الأسود لصدّ أي عدوان بالأسلحة التقليدية”، كما وجّهت تحذيرات “كافية” من خلال القنوات الرسمية، وغير الرسمية، منعًا لتجاوزات في البحر أثناء المناورات.
ويؤكد الخبير الروسي أن احتمالات تورط الولايات المتحدة في صراع نووي من أجل أوكرانيا أقل بكثير من الصفر.
ولا يستبعد كوزنتسوف أن تكون التطورات في البحر الأسود مرتبطة بالأوضاع المضطربة وتواصل القصف والاشتباكات في الدونباس، حيث استخدمت القوات المسلحة الأوكرانية لأول مرة في الصراع طائرات من دون طيار تم شراؤها من تركيا أخيرًا، موضّحا أن مناورات السفن الأميركية بالقرب من النقطة الساخنة مصممة في سياق توفير الدعم المعنوي للقوات الأوكرانية.
تحركات جدّية
في المقابل، يدعو فيكتور موراخوفسكي، رئيس تحرير مجلة “أرسينال اوتشيستفو” ( Arsenal Otechestvo ) للشؤون العسكرية، لأخذ التحرك الأميركي في البحر الأسود على محمل الجد، وعدم التقليل من تأثيراته على المصالح الروسية.
ويشير إلى أنها المرة الأولى التي تقوم فيها واشنطن بمناورات عسكرية من هذا النوع بالقرب من الحدود الروسية، إلى جانب مشاركة أوكرانيا وجورجيا في المناورات، وهما ليستا من أعضاء الناتو.
ويلفت موراخوفسكي، في حديثه للجزيرة نت، إلى خطورة استخدام الطيران الإستراتيجي كعنصر من عناصر التحكم والسيطرة على مسرح العمليات العسكرية في الاتجاه الإستراتيجي الجنوبي الغربي.
ووفقاً له، فإن سفينة القيادة البرمائية ماونت ويتني -وهي جزء من الأسطول السادس للولايات المتحدة- قادرة على التنسيق والتحكم في الإجراءات الخاصة بالعمليات المتعددة المجالات، في البحر، وعلى الأرض، وفي الهواء، وتحت الماء، باستخدام التقنيات الفضائية، والعمليات الإلكترونية والمعلوماتية.
وبرأيه، فإن ثمة نية أميركية لدراسة إمكانية إجراء عمليات ذات طبيعة هجومية ومتعددة المجالات في منطقة البحر الأسود، الشيء الذي بات واضحًا من خلال استخدام الطائرات الهجومية الجوية الإستراتيجية في المناورات.
المصدر : الجزيرة