مع تعرض أديس أبابا لخطر السقوط في قبضة جبهة تحرير شعب تيغراي، يجب على المجتمع الدولي تكثيف الجهود الدبلوماسية لحث الأطراف المتناحرة للوصول لاتفاق سياسي للصراع الدائر، وإذا استمر القتال على هذا النحو، فستكون له عواقب وخيمة، ليس فقط على إثيوبيا، بل على المنطقة برمتها.
وتسيطر الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وحليفاتها جبهة تحرير أورومو على البلدات الاستراتيجية والطرق المؤدية إلى أديس أبابا، مما يهدد بقتال ضار مع حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد، وقد كان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن محقا في تحذيره من أن إثيوبيا قد تواجه انهيارا تاما إذا لم يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار بسرعة.
وبالنقيض من أفغانستان أو سوريا، لا يقوم الصراع في إثيوبيا على الخلاف حول من في يده السلطة الشرعية للبلاد، بل يدور حول طبيعة الدولة الإثيوبية نفسها، بما في ذلك أولا، كيف يجب تقاسم السلطة والموارد بين المجموعات العرقية المختلفة في البلاد، وثانيا إذا كان يجب أن تكون هذه المجموعات العرقية جزءا من دولة إثيوبية واحدة أو هل يجب أن يكون لها الحق في اختيار الانفصال.
دول المنطقة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة يمكنها لعب دور لإبرام اتفاق سلام بين الطرفين المتنازعين
وفي الصراع الحالي، يتقاسم اللوم كل من رئيس الوزراء آبي أحمد وجبهة التحرير الشعبية لتحرير تيغراي، فقد بدأ آبي أحمد فترة ولايته كرئيس للوزراء بخطط جديرة بالإشادة لتحويل نظام الحكم في إثيوبيا بعيدا عن نظام يتسم بالمنافسة الصفرية بين الأحزاب السياسية القائمة على العرق، لكن يكمن الخطأ الذي ارتكبه في محاولته صنع إجماع سياسي في إثيوبيا عبر حكم الحزب الواحد مع وضع نفسه في قمة الهرم.
ورفضت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التصالح مع الواقع السياسي المتغير في البلاد، وبدلا من العمل ضمن النظام المتطور ومحاولة تشكيله، فقد استفزت الجبهة الحكومة الفدرالية بصورة مستمرة من خلال تحدي سلطتها، وليست الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي مجموعة من الديمقراطيين الثوريين الذين يتطلعون إلى تحويل إثيوبيا إلى جنة ليبرالية وديمقراطية، فإذا كان “الفوز” من نصيب الجبهة، فإنها ستعيد إثيوبيا إلى أيام ما قبل آبي أحمد، أي للحكم الاستبدادي الذي كانت تسيطر عليه الجبهة.
ومن شأن هذا إشعال الحرب الأهلية في إثيوبيا بدل إخماد شرارتها، وهي الحرب التي كانت على نار هادئة على مدى السنوات الخمس الماضية، ومن المرجح أن تبدأ موجة جديدة من الصراع العرقي، حيث أنه من غير الوارد أن الجماعات العرقية التي تدعم حكومة آبي أحمد قد توافق على إدارة شؤون البلاد من قبل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.
وفي الماضي سيطرت كل من قبيلة الأورومو والأمهرة على أديس أبابا، وفي الوقت الراهن تقوم القوات الحكومية باعتقال المدنيين من عرقية تيغراي، بمن فيهم مواطنون بارزون، في أديس أبابا للاشتباه في دعمهم لجبهة تحرير تيغراي. وإذا دخلت الجبهة إلى أديس أبابا، فلن يكون من المبالغة أن نتخيل هجمات انتقامية ضد أولئك الذين يُعتبرون من مؤيدي حكومة آبي أحمد. ويجب أن تستعد البلاد لسيناريو حرب أهلية طويلة الأمد، ليس فقط بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والحكومة، ولكن أيضا بين العديد من حركات التمرد الخاملة التي قد تنتهز الفرصة للمطالبة بالاستقلال.
ومن المرجح أن يفتح هذا الصراع الباب على مصراعيه لتدفق اللاجئين إلى الخارج نحو البلدان المجاورة وعبر البحر الأحمر باتجاه شبه الجزيرة العربية. ويحتضن اليمن عددا كبيرا من اللاجئين الإثيوبيين رغم أنه لا يزال يعاني ويلات حربه الأهلية. ومن الراجح أن يتدخل جيران إثيوبيا، مثل إريتريا والصومال وجيبوتي والسودان ومصر لحماية مصالحهم، وهم الذين استفزهم آبي أحمد في أوقات مختلفة أو تحالف معهم خلال فترة توليه رئاسة الوزراء.
الصراع يدور حول طبيعة الدولة الإثيوبية نفسها
ولدى بعض جيران إثيوبيا، مثل كينيا والصومال، بعض النزاعات الدولية أيضا. ومثل جمهورية الكونغو الديمقراطية في التسعينات، قد تتحول إثيوبيا إلى ساحة لبلدان المنطقة لتصفية حساباتها مع بعضها البعض. على سبيل المثال، في وقت سابق من هذا العام، اتهم مسؤولون أميركيون وإسرائيليون إيران بتنشيط خلية نائمة في أديس أبابا لشن هجمات على سفارات منافسيها الإقليميين.
ولن تؤدي التدفقات الكبيرة من اللاجئين إلى زعزعة استقرار جيران إثيوبيا فحسب، بل سيؤدي تفكك الدولة الإثيوبية إلى تعقيد جهود تحقيق الاستقرار الطويلة الأمد في جميع أنحاء القارة. فقد تتعرض اتفاقية السلام التي أنهت الحرب الأهلية في جنوب السودان، والتي لعبت أديس أبابا دورا محوريا فيها، لضغوط جديدة. ومن الممكن أيضا أن تتأثر الحرب ضد المتشددين المتطرفين في القرن الأفريقي، والتي لعبت إثيوبيا دورا رائدا فيها. بل يمكن أن تؤدي الحرب الأهلية في إثيوبيا إلى اشتعال الصراعات في مناطق أبعد، على سبيل المقارنة، يرتبط تصاعد العنف الجهادي عبر منطقة الساحل بمدى سهولة توافر الأسلحة غير القانونية بسبب الحرب الأهلية في ليبيا، وهي دولة لا يشكل تعداد سكانها سوى جزء بسيط من تعداد سكان إثيوبيا.
وعليه يتحتم على المجتمع الدولي تكثيف الجهود الدبلوماسية لجلب الحكومة في أديس أبابا وجبهة التحرير الشعبية لتحرير تيغراي إلى طاولة المفاوضات، ويمكن لدول المنطقة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين لعبتا أدوارا حيوية في التقارب السابق بين إريتريا وإثيوبيا، لعب دور آخر لإبرام اتفاق سلام بين الطرفين المتنازعين.
وقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على جيش إريتريا ونظامها كوسيلة لإبقائها بعيدة عن الصراع في إثيوبيا، وحتى مع تعليقها المزايا التجارية التي تتمتع بها إثيوبيا ردا على مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان من قبل القوات الحكومية، فإن واشنطن لم توسع العقوبات ضد الحكومة أو الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، على أمل إقناعهم بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. وقد كثف الاتحاد الأفريقي، بقيادة الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو، جهوده أيضا، ومع ذلك، وكما حذر أوباسانجو بشكل صائب، فإن “الوقت ينفد”.
العرب