بيروت – اعتبرت أوساط سياسية لبنانية أن فوز ناضر كسبار، المرشح المستقل المدعوم من التيار الوطني الحر وحزب الله، بمنصب نقيب المحامين مؤشّر سيء مفاده أن لا شيء يوحي بأن هناك تغييرا سيطرأ على المشهد السياسي في الانتخابات التشريعية القادمة المقررة في السابع والعشرين من مارس القادم.
وقالت هذه الأوساط إن نجاح كسبار تم من خلال دعم المحامين المنتمين إلى التيار الوطني الحر الذي يرأسه جبران باسيل صهر الرئيس ميشال عون، وكذلك محامي الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل، فيما اضطرت بعض الأحزاب إلى إعلان دعمها لكسبار في اللحظات الأخيرة بعد تأكدها من ميل الكفة إلى فائدته مثل حزب القوات اللبنانية وتيار المستقبل.
وسعى الكثير من أنصار الأحزاب المتحالفة للاحتفاء بفوز كسبار وكأنه انتصار على حزب القوات اللبنانية، في رسالة واضحة يفيد فحواها بأن حزب القوات بات مستهدفا من قِبل حزب الله وحلفائه بعد مواقفه المعارضة لسلاح حزب الله “المتفلّت والمنتشر والذي يهدد المواطنين في كل زمان ومكان”.
فوز ناضر كسبار بمنصب النقيب انتصار رمزي للأحزاب الداعمة له
وأشارت الأوساط ذاتها إلى أن انتخاب كسبار نقيبا للمحامين يعتبر فشلا ذريعا لثوار 17 تشرين، هؤلاء الذين وعدوا بالتغيير مؤكدين رفضهم المنظومة السياسية والحزبية القائمة، لكنهم فشلوا في تشكيل جبهة موحدة وانقسموا على أنفسهم.
وفاز كسبار بالمنصب الأحد خلفًا لملحم خلف المرشح المستقلّ الذي اعتُبر انتخابُه قبل عامين انتصارًا لحركة الاحتجاجات التي شهدها لبنان عام 2019 والتي كانت تطالب بتغيير كافة مكوّنات الطبقة السياسية.
ويرى مراقبون لبنانيون أن الانتخابات أظهرت قوة الماكينة التي تمتلكها الأحزاب التقليدية المتحالفة مع بعضها البعض -أي التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل- وقدرتها على المناورة، فضلا عن ثقلها في مختلف المنظمات الأهلية.
وأضاف المراقبون أن فشل المجموعات المعبرة عن انتفاضة تشرين أمام ماكينة الأحزاب التقليدية يكشف أولا عن قدرة الأحزاب على امتصاص الصدمات الاجتماعية، وثانيا يظهر عجز القوى المعبرة عن الثورة بسبب خلافاتها وغياب التنسيق، على عكس ما هو حاصل في صفوف القوى المقابلة.
ونال كسبار أعلى عدد من الأصوات (1530 صوتا)، فيما نال منافسه المحامي عبده لحود 1035 صوتا، تلاه المرشح الثالث وجيه مسعد الذي تحصل على 187 صوتا.
ولم يتمكن المرشحون المدعومون من قوى معارضة من الفوز بأي مقعد من المقاعد التسعة التي يتألف منها مجلس النقابة، فيما نجحت القوات اللبنانيّة في إيصال المحامية مايا الزغريني والمحامي عبدو لحود إلى عضوية المجلس، وفاز إيلي بازرلي ومروان جبر المدعومان من التيار الوطني الحر.
واعتبر المراقبون أن الرسالة من وراء الفوز القوي لمحاميّ الأحزاب في مجلس النقابة ونجاحها في تصعيد كسبار مفادها أن الرهان على إحداث تغيير في موازين القوى مستقبلا أمر صعب بقطع النظر عن أخطاء الأحزاب وفشلها في إدارة الأزمات والغضب الشعبي ضدها، فهذه الأحزاب لديها من القوة والقدرة على امتصاص الصدمات والعودة إلى الواجهة -خاصة في ظل ضعف خصومها- ما يجعل فوزها في الانتخابات التشريعية القادمة شبه محسوم.
ويرى هؤلاء أن المؤكد هو هزيمة الحركة الاحتجاجية وضياع فرصة مهمة للتيار المعارض للحكم، وأن لا حركة الاحتجاج ولا معارضو تيارات الحكم الحالية ممن يسعون للتغيير بعيدا عن حزب الله ومن يتبعه قادرين على فرض شيء.
ولفتوا إلى أنه إذا كانت هذه النتائج في قطاع عُرف بمعارضته للسياسات الحزبية الفاشلة، ففرص رئيس الوزراء السابق سعد الحريري العائد مؤخرا إلى الواجهة وغيره من الجبهة المقابلة معدومة، وأن قوة أحزاب التيار الوطني وحزب الله وحركة أمل وسيطرتها على المشهد ووجود أنصار لها في مختلف المواقع عناصر تجعل من الصعوبة بمكان الحديث عن حلول للأزمات التي يعاني منها لبنان، وخاصة على صعيد العلاقة مع الخارج.
ومن شأن انتشاء حلف حزب الله بهذا النصر الرمزي في معركة المحامين أن يدفعه إلى المكابرة ورفض أي انتقادات، خاصة في ما يتعلق بالبحث عن حل مع دول الخليج التي تستمر في تشديد إجراءاتها ضد لبنان، ما يهدد مصالحه ويزيد من متاعبه الاقتصادية والاجتماعية.
وإثر إعلان النتائج قال كسبار “عملت وتعبت كثيرا وكنت أعلم أنكم لن تخذلوني، واليوم أثبتم أنكم أوفياء، وسيبقى بابا قلبي ومكتبي مفتوحين أمامكم جميعا وسنتعاون سويا على مدار يومي، المسيرة ستكمل، وسأهتم بالمحامي أولا، وبصحة المحامي وأتعابه ومعيشته وأمواله والمودعين، وحصانة المحامي لن نفرط فيها، كرامته وحصانته خط أحمر، ولن نهمل الشؤون الوطنية، وسنتابعها بكل جدية وشفافية وشجاعة وحكمة”.
وأدت نقابة محامي بيروت في عهد ملحم خلف دورًا أساسيًا في دعم الناشطين المعارضين الذين كانوا يطالبون بوقف الفساد المستشري والمحسوبيات التي أدت إلى أزمة اقتصادية في البلاد يصنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ 1850.
كما تقدّمت النقابة -بقيادة خلف- بنحو 700 شكوى جزائية أمام النيابة العامة التمييزية، باسم المتضررين من انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020 الذي أودى بحياة أكثر من مئتي شخص ودمّر أحياء كاملة من العاصمة.
العرب