هل يمكن تشكيل شرق أوسط جديد أساسه التنافس والتعاون

هل يمكن تشكيل شرق أوسط جديد أساسه التنافس والتعاون

رغم التنافس المشتد بينها وبين الدول الخليجية على أصعدة مختلفة، ومحاولاتها توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، تحاول تركيا تقديم نفسها كطرف متعاون مستعد للإسهام في خلق شرق أوسط جديد أساسه التعاون والمنافسة، حيث حاولت مؤخرا عبر تحركاتها الدبلوماسية تعزيز موقعها كوسيط محتمل في لبنان، وإدارة التوترات التركية – الإيرانية في القوقاز على طول الحدود الأذرية – الإيرانية، وإيجاد أرضية مشتركة في سوريا.

واشنطن – قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو خلال زيارته للبنان الأسبوع الماضي إن تحسن العلاقات بين أطراف الصراع في الشرق الأوسط لن ينهي الخصومة.

وبناء على ذلك، يرى جيمس دورسي المحلل السياسي المختص في شؤون الشرق الأوسط والأدنى أن تحسّن العلاقات يؤدّي إلى تحويل ساحة المعركة بعيدا عن صراع مسلح محتمل، مما يسمح للمتنافسين بالتسابق مع التمتع بفوائد التعاون التجاري والاقتصادي بالإضافة إلى خطوط الاتصال التي تساعد على منع النزاعات والصراعات من الخروج عن نطاق السيطرة.

ويتابع أن جاويش أوغلو سعى لملء الفراغ بعد أن فرض خصوم تركيا الجيوسياسيون والدينيون على القوة الناعمة، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى جانب البحرين والكويت، مقاطعة اقتصادية على لبنان وسحبوا سفراءهم من بيروت.

ويتأرجح لبنان اليوم على حافة الانهيار بسبب الفساد المستشري والنخبة التي تبدو على استعداد لحماية مصالحها الخاصة بأي ثمن. حيث تقدر الأمم المتحدة أن ثلاثة أرباع السكان قد انحدروا إلى هوة الفقر.

جيمس دورسي: تحسن العلاقات يحول ساحة المعركة بعيدا عن صراع مسلح

وزاد تفاقم مأزق لبنان مع كون المقاطعة تهدف إلى تخفيف القبضة على بلد حزب الله المدعوم من إيران، والذي أصبح جزءا من النخبة. وأدى احتجاج حزب الله في أكتوبر، للمطالبة باستبدال القاضي طارق بيطار المكلف بالتحقيق في انفجار مرفإ بيروت المدمر العام الماضي وأسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص، إلى أعمال عنف طائفية تذكر بالحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما في السبعينات والثمانينات.

وسافر جاويش أوغلو إلى بيروت قبل انعقاد منتدى الأعمال الإماراتي – التركي الذي استمر يوما واحدا في إسطنبول وزيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وهي الأولى منذ 12 عاما.

والتقى وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في روما بنظيره الإماراتي الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، بعد أيام من زيارة بيروت على هامش الجمعية البرلمانية المتوسطية.

وكانت تركيا والإمارات على خلاف بسبب المزاعم التركية بأن الإمارات مولت محاولة عسكرية فاشلة في 2016 للإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان والاعتراضات الإماراتية على الدعم التركي للإسلام السياسي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين.

وخاضت تركيا والإمارات معارك عسكرية وسياسية بالوكالة في ليبيا وسوريا وشرق البحر المتوسط ​​وفرنسا، حيث كانتا على طرفي نقيض من الانقسام. كما دعمت تركيا قطر ووسعت من وجودها العسكري فيها خلال المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية التي استمرت ثلاث سنوات ونصف السنة بقيادة الإمارات والسعودية لقطر والتي رُفعت في يناير الماضي.

ويضيف دورسي أن مصر والمملكة العربية السعودية تسعيان لتخفيف حدة خلافاتهما مع تركيا في وقت يسوده عدم اليقين بشأن الالتزامات الأمنية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وحاجة جميع دول الشرق الأوسط إلى التركيز على مزيج من الإصلاح والتنويع والتوسع الاقتصادي نتيجة للوباء ومتطلبات تغير المناخ.

وسافر جاويش أوغلو على هذه الخلفية إلى طهران قبل يوم من وصوله إلى بيروت. وسعى في طهران لتعزيز موقعه كوسيط محتمل في لبنان، وإدارة التوترات التركية – الإيرانية في القوقاز على طول الحدود الأذرية – الإيرانية، وإيجاد أرضية مشتركة في سوريا حيث يوجد خلاف بين البلدين.

وعلى الرغم من تحسن العلاقات بين تركيا والإمارات والسعودية، لا يُرجح دورسي أن تخفف دول الخليج قبضتها على لبنان أو أن تثق في تركيا لتكون وسيطا مقبولا وغير متحيز.

وفي نفس الوقت، بدت تركيا وكأنها ترسم خطوط معركة إقليمية مع السعودية والإمارات ومع دول جنوب شرق أوروبا وكذلك مع روسيا وإيران، اللتين تتنافسان وتتعاونان معها.

وفعلت ذلك في اجتماع عقد في إسطنبول الأسبوع الماضي لمجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية الذي يضم أذربيجان وأوزبكستان وقيرغيزستان وكازاخستان والدول الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى والقوقاز. ونالت تركمانستان، الدولة الوحيدة الأخرى الناطقة بالتركية، والمجر صفة مراقب.

وحصر تجمع إسطنبول العضوية ووضع المراقب على البلدان الناطقة بالتركية. ولا يمنع القرار دول جنوب شرق أوروبا الأخرى من الارتباط بالمجلس فقط، بل يمنع إيران، حيث يمثل الأذريون، أكبر أقلية عرقية في البلاد، 15 في المئة من السكان، وروسيا مع أقلياتها التركية.

جاويش أوغلو سعى لملء الفراغ بعد فرض دول خليجية مقاطعة اقتصادية على لبنان وسحبت سفراءها من بيروت

أضف إلى كل هذا التأثير الدبلوماسي للاعتقال بتهم التجسس والإفراج اللاحق عن سائحين إسرائيليين لالتقاطهما صورا لقصر طولمة باغجة في إسطنبول، أحد المعالم السياحية الرئيسية في المدينة. وكان القصر الواقع على ضفاف البوسفور مقرا إداريا للسلاطين العثمانيين في القرن التاسع عشر ومكان وفاة مؤسس تركيا الحديثة كمال مصطفى أتاتورك سنة 1938.

ودفع إطلاق سراح الزوجين إلى إجراء أول مكالمة هاتفية بين أردوغان وكبار القادة الإسرائيليين منذ تسع سنوات، حيث اتصل الرئيس إسحاق هرتصوغ ورئيس الوزراء نفتالي بينيت بالرئيس التركي بشكل منفصل لشكره. وتجاهلت إسرائيل حتى الآن الجهود التركية لتحسين العلاقات المتوترة بين البلدين.

وإلى جانب حقيقة أن أردوغان لا يريد أن يخيف الحادث السائحين الذين هو بأمس الحاجة إليهم في ظرف أزمة اقتصادية حادة، فقد وفر أيضا فرصة للتواصل مع إسرائيل وتقليل ميزة الإمارات الجيوسياسية في الحفاظ على علاقات وثيقة مع الدولة العبرية. ويتوقع أردوغان أن يتم الرد بالمثل على الخطوة التركية. وهذا ما يخشاه المحافظون الإسرائيليون.

وتظهر اتهامات أنقرة “بالتجسس” والتهديدات الظاهرة برفع تكلفة الإفراج عن المعتقلين أنها كانت تستخدم دبلوماسية الرهائن مع سياح أبرياء. وهكذا تصرفت حماس، المدعومة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة. وقال سيث فرانتزمان مراسل جيروزاليم بوست اليمينية في الشرق الأوسط إن الأنظمة العادية لا تحتجز الأبرياء.

العرب