ألمح مسؤولون روس إلى إمكانية استخدام قطع بحرية تتجول قبالة السواحل السورية بشكل فعال، للقيام بمهمات محددة، كإطلاق الصواريخ. ولن يطول الأمر حتى يدخل حيز التطبيق، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار التصريح الجديد عن نية روسيا إقامة قاعدة دائمة في سورية، فعادة لا تطلق مثل هذه التصريحات بغرض الاستهلاك فقط.
الصورة العامة سهلة القراءة، ويمكن لنا استنتاج أن روسيا تعتبر ما تبقى من الأرض السورية التي يسيطر عليها الأسد مستعمرة خاصة، ينطبق عليها ما كان ينطبق على الدول المُنْتَدَبة، بعد الحرب العالمية الأولى، من دون أن يستخدم الروس عبارة انتداب، أو ما شابهها، لكنهم وضعوها، عملياً، في حيز التطبيق.
الصورة العامة سهلة القراءة، ويمكن لنا استنتاج أن روسيا تعتبر ما تبقى من الأرض السورية التي يسيطر عليها الأسد مستعمرة خاصة، ينطبق عليها ما كان ينطبق على الدول المُنْتَدَبة، بعد الحرب العالمية الأولى، من دون أن يستخدم الروس عبارة انتداب، أو ما شابهها، لكنهم وضعوها، عملياً، في حيز التطبيق.
واضح أن للروس رغبة قديمة في الاستلقاء على الرمال الشرقية للبحر المتوسط، يدل على ذلك الوجود البحري الضعيف في طرطوس ما قبل الثورة، لكنهم سرعان ما فغروا أشداقهم، عندما وجدوا الفرصة مواتية للحصول على قطعة الحلوى كاملةً، وأن السيطرة المطلقة على كامل الساحل السوري باتت ممكنة، ففرضوا وجودهم أمراً واقعاً، كون النظام في أسوأ حالاته، ويتضور ألماً من وقع ضربات الكتائب المحيطة به، وتبدو أميركا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، وكأنها تشفق من انهياره السريع، وهي تروج أن المد الإسلامي المتشدد سيعم سورية سريعاً، وقد يتمدد ليغمر بعض أجزاء من أوروبا، فأخذت تتغاضى عن الوجود العسكري الروسي المباشر، بوصفه حلاً منخفض التكاليف، لمشاغلة التنظيمات المتشددة، وترك روسيا، ربما، تغرق في مستنقعٍ قد تجد نفسها، فيما بعد، بحاجة إلى أميركا بالذات لإخراجها منه.
تبقى العين الروسية التواقة إلى الساحل العريض الذي يتيح لها إطلالة مجانية على سواحل الدول الأوروبية المطلة على البحر المتوسط راغبة في إقامة دويلة بحرية ذات عمق جغرافي كاف، يؤمن إقلاعاً مريحاً للطائرات الضخمة، ويضمن مرسى مضيافاً لجنود البحرية الروس، وهو ما تؤمنه طرطوس واللاذقية، إذا أضيفت إليهما حلب، وبضع أجزاء من إدلب، كعمق يضمن التماسك الجغرافي، وهو ما بُدئ تنفيذه بالفعل، فشرع النظام في فتح جبهات في حلب وإدلب، بمساندة مطلقة من الطيران الروسي، لتأمين الحيز المطلوب والكافي، لتشكيل رئة مريحة لدويلة ساحلية، تقوم بدور المضيف للبحارة الروس، مع طائراتٍ تشكل خط دفاع متقدم في وجه حلف الأطلسي.
لا يبدو الروس مهتمين بدمشق، ولا بحمص، فالاهتمام حالياً محصور بين الساحل ومدينة حلب، على الرغم من أن (تلبيسة) الحمصية تلقت باكورة الضربات الجوية، فهي تقع على تخوم الدويلة المفترضة، ومن المهم تأمين حدودها مسافة كافية، ونقل المعركة إلى أراضي “العدو” إن أمكن، لكن النظام الحريص على بقايا ماء وجهه، المتشبث بعاصمته التي تشكل له سلطة إصدار جوازات السفر وقيود النفوس، قد ترك مهمة تأمين العاصمة، وما تبقى من حمص، لقوات حزب الله وإيران، الخطوة التي بدأت تملأ أخبارُها الصحف وقنوات البث، في تسليم واضح، يوحي أن النظام لم يبق لديه رمق في هذه المناطق، إلا ليمد مذيعي التلفزيون بمادة إخبارية معظمها كاذب.
ليس من المتوقع أن يغادر الروس مملكتهم التي أنشأوها بقوة السوخوي بسهولة، وهذا أمر يتجاوز بشار الأسد وحكومته. لذلك، يبدو، الآن، الحديث عن مغادرته أو بقائه سخيفاً، وقد حضرت أساطيل ضخمة، مدعومة بما يشبه الموافقة الدولية، إلى البحر والجو. الأمر الذي يضخم مهمة الثورة ويعقدها، بسبب دخول عوامل تقسيمية جديدة، فكامل التراب السوري، اليوم، موضع مساومات دولية، ويمكن التخلي عن أجزاء منه لجهات متعددة، بشكلٍ لم تعترف به وثائق الأمم المتحدة بعد، لكن خطوط الفصل تتبدى تدريجياً.
نهايةً، يجب التنويه إلى أن الوجود الروسي ليس داعماً للنظام في سورية فقط، بل جاء حدثاً مناسباً زمنياً في أثناء موسم التقاسم، وتتطلع روسيا إلى لعب دور قيادي في توزيع الحصص.
فاطمة ياسين
صحيفة العربي الجديد