تفهم خليجي لموقف مصر من التدخل الروسي لا ينفي وجود بعض القلق

تفهم خليجي لموقف مصر من التدخل الروسي لا ينفي وجود بعض القلق

_14452752416

يكشف النسق المتصاعد للتحركات الدبلوماسية الروسية مع القوى الرئيسية الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط، الذي بدا يلوح بشكل جلي في الآونة الأخيرة، تزامنا مع الضربات الجوية التي تشنها طائراتها المقاتلة في سوريا تحت عنوان استهداف المجموعات الإرهابية الناشطة على الأرض وعلى رأسها تنظيم داعش، أنّ موسكو ماضية في حرصها على ألاّ تتعارض أهداف تدخلها العسكري مع السياق العام الذي تسير وفقه مواقف الدول العربية المؤثرة، وخاصة دول الخليج العربي ومصر.

وبالتوازي مع تلك التحركات الدبلوماسية التي تعمل من خلالها روسيا على طمأنة العرب بأنها لا تقصد إبقاء بشار الأسد جاثما على صدور شعبه كما لا تنوي إطلاق يد إيران في سوريا من خلال حملتها العسكرية بل هي تعمل فقط على حفظ مصالحها المستقبلية في المنطقة في إطار صراعها مع الحلف المقابل الذي يمثله الأميركيون والأتراك، يبدو أنّ موسكو قد بدأت تستعين كذلك بورقة لا تقل أهمية عن الورقة الدبلوماسية من أجل ضمان أكبر قدر ممكن من التفهّم العربي وربما التأييد لتحركاتها في المنطقة، هي ورقة دفع الاستثمارات المتبادلة وترسيخ العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية المشتركة.

ووفق هذه الاستراتيجية الروسية، التي تجلّت دبلوماسيا من خلال الزيارات الأخيرة المتبادلة والمتواترة بين القادة الروس والقادة العرب، وتجلت اقتصاديا ووفق أبعاد أخرى من خلال عقود الشراكة والتعاون التي تمّ إمضاؤها في مجالات متعددة أبرزها الطاقة والتسليح، خاصة مع مصر، تتنزل حسب مراقبين، زيارة سيرجي كيربينكو الرئيس التنفيذي لشركة روساتوم الروسية المتخصصة في الطاقة النووية، أمس الإثنين، إلى القاهرة لبحث مشروع الضبعة النووي، وفق تعبيرهم.

وتأمل مصر منذ عام 1981 بناء مفاعل نووي في منطقة الضبعة الواقعة بمحافظة مرسى مطروح لكن المشروع يشهد زخما في فترات ثم ما يلبث أن يخبو الحديث عنه.

وذكرت مصادر أنّ رئيس روساتوم الروسية سيجتمع مع بعض المسؤولين المصريين لاستكمال المفاوضات الخاصة بإنشاء محطة الضبعة النووية، كما سبق للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن أعلن بداية هذا العام إنّه وقع مذكرة تفاهم مع روسيا بخصوص المشروع. وتعتبر شركة روساتوم، الوحيدة المتخصصة في هذا المجال، التي تجري مفاوضات حاليا مع مصر بشأن المشروع.

وقد قال أنطون موسكفين نائب رئيس روساتوم للعمليات الخارجية إنّ شركته وصلت إلى المراحل النهائية من التفاوض على عقد لبناء محطة كهرباء نووية في مصر على أن يتم توقيع الاتفاق مع نهاية هذا العام.

وأضاف موسكفين أن بناء أول مفاعل نووي مصري في منطقة الضبعة شمال البلاد قد يكتمل بحلول 2022، إذا جرى توقيع العقد بنهاية 2015. وأضاف أن العقد سيشمل قرضا من روسيا لمصر.

ولا يفصل متابعون للأحداث المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط بين هذه الزيارة وما يتعلق بها من خطوات روسية حثيثة في سبيل مساعدة مصر على الخروج من ذائقتها الاقتصادية التي زادت حدّتها في السنوات الأخيرة، وبين الموقف المصري من العمليات العكسرية التي تنفذها موسكو في سوريا. والذي يبدو وفق رأيهم مداهنا وربما داعما لما تقوم به روسيا.

وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد قال في حوار بثته قناة “العربية” أوائل الشهر الجاري، إنّ “التواجد الروسي في المنطقة الهدف منه توجيه ضربة قاصمة، متوافقة مع الائتلاف المقاوم لداعش في كلّ من سوريا والعراق”.

وأضاف أنّ “دخول روسيا، بما لديها من إمكانات وقدرات، في هذا الجهد هو أمر نرى أنه سوف يكون له أثر في محاصرة الإرهاب في سوريا، وبالتالي القضاء عليه”.

ولدى قراءتهم لهذا الموقف الصادر عن وزير الخارجية المصري، ذهب عدد من الخبراء والمحللين إلى أنه يعكس تماما حالة من التآلف في الآراء بين موسكو والقاهرة، تعمل من خلاله الأولى على ضمان دعم الثانية لها في عملياتها على الأراضي السورية، وتسعى من خلاله الثانية إلى ضمان مواصلة دعم الأولى لها عسكريا واقتصاديا، خاصة أن مصر اختارت منذ الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين سنة 2013 تقريبا أن تفك ارتهانها الكامل للأميركيين وأن توسع من دائرة تحالفاتها الدولية وتنوع توجهاتها وتعيد صياغة خارطة علاقاتها الدولية.

لكن هذا الموقف المصري، والذي ربما يفهم في إطار سعي القاهرة للحفاظ على مصالحها، يبدو وفق ذات المتابعين مختلفا عن موقف الإجماع الخليجي الذي ولئن لم يعلن الرفض القاطع لما تقوم به روسيا في سوريا إلاّ أنه عبر عن قلقه تجاه تلك التحركات والتزم الصمت أكثر من الإفصاح الذي سارت على هديه القاهرة.

وفي هذا الصدد أوضح الأكاديمي والمحلل السياسي الإماراتي عبدالخالق عبدالله أنّ “هنالك موقفا خليجيا واحدا، وموقفا مصريا غير منسجم كليا ومتطابق مع الموقف الخليجي”.

وتابع قائلا “كل دول الخليج، ليست فقط السعودية، أعربت بشكل من الأشكال أن الدخول العسكري الروسي سيزيد من تعقيد الأمور، وسيمد من أمد الحرب في سوريا، وهناك توافق أنّ الرياض تتحدث عن الجميع في الموضوع السوري، فلا يوجد تباين في مواقف دول الخليج”.

واستطرد “أمّا موقف القاهرة، فقد جاء معبرا عن موقف مصري معروف في السابق، أساسه الحرص على عدم انهيار مؤسسات الدولة السورية”.

وأردف قائلا “وبهذا نخلص إلى أنّ الموقف المصري منسجم مع موقف سابق له حول الاحتفاظ والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية أكثر مما هو داعم للدخول والتدخل الروسي، أمام صمت بقية الدول العربية”.

وحول ما إذا كان صمت الإمارات هو بمثابة تأييد للتدخل الروسي أو محايثة للموقف المصري من هذه المسألة، قال عبدالله “الصمت الإماراتي تأكيد لمبدأ اتخذته الدولة منذ بداية الأزمة السورية بأنها منسجمة كلياً مع كل ما تقوم به السعودية في سوريا، وبالتالي لا يوجد موقف إماراتي منفرد عن سياق الإجماع الخليجي”.

وفي ما يتعلق بتصريحات وزير الخارجية المصري، التي اعتبر فيها أن التدخل الروسي سيكون له أثره لمحاربة الإرهاب في سوريا، رأى أنه “لو كانت روسيا تود ضرب الإرهاب ستجد تأييداً من كل دول العالم، فهناك إجماع على محاربة داعش والإرهاب من مختلف دول العالم، من حيث المبدأ والهدف، ومصر تعتقد أن روسيا دخلت من أجل تحقيق هذا الهدف، ولكن ما شاهدناه حتى الآن أن من 80 إلى 90 بالمئة من الضربات الروسية لا تستهدف داعش، وإنما تستهدف كتائب المعارضة السورية التي تحارب الأسد، مما يعني أن الهدف الأساسي إضعاف هذا الجناح من المعارضة”.

وحول ما إذا كان التباين بين مواقف مصر ودول الخليج من التدخل الروسي في الأزمة السورية سيكون له تأثير على العلاقات بينهما، استبعد الخبير الإماراتي هذا الأمر قائلا “هناك تقدير أنّ للقاهرة اعتباراتها، ودول الخليج معنية باستقرار مصر الذي تراه خطاً أحمر، وتعتقد أنه من استقرار المنطقة”.

بدوره اتفق الأكاديمي والخبير السياسي السعودي خالد الدخيل، مع ما ذهب إليه الخبير الإماراتي، بشأن الموقف المصري، إلاّ أنه وصف هذا الموقف بأنه “مبالغ فيه”.

وقال الدخيل في تصريحات إعلامية “إنّ موقف مصر متوقّع، لأنها تخشى من سقوط النظام في سوريا، وبالتالي استيلاء جماعات الإسلام السياسي على الحكم هناك، وهذا من شأنه أن يشكّل ضربة استراتيجية لخيارات النظام المصري المعارض لتيارات الإسلام السياسي”.

وأضاف أنّ “التأييد المصري يُعد دعما سياسيا، ولكن الثابت أنه ليس هنالك دعم على الأرض، ولا يوجد أي دعم مادي من أي نوع لروسيا من قبل الدول العربية”.

وحول تأثير التباين في المواقف بين مصر والدول الخليجية، وخاصة السعودية، رأى الدخيل أنّ هذا “لن يؤثر على العلاقة بين البلدين، لأنّ كليهما في حاجة إلى الآخر، ويظل استقرار مصر هو مصلحة إستراتيجية للرياض ولباقي دول الخليج، لا أحد يريد أن يهتز الاستقرار في مصر”.

صحيفة العرب اللندنية