تستمر المناورات السياسية والمواقف الحزبية للكتل والتيارات التي لم تحظى بالفوز المتوقع في الانتخابات التي جرت في العاشر من تشرين الاول عام ٢٠٢١ ومحاولاتها الميدانية الاحتجاجية والقانونية برفض النتائج التي أعلنتها المفوضية العليا للانتخابات، إلا أن التأخير في إقرار النتائج والمصادقة عليها وتشكيل الحكومة القادمة يعرض البلاد إلى العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويزيد من معاناة المجتمع العراقي بكافة انتماءاته وشرائحه في خضم الصراعات والخلافات بين الأحزاب والقيادات السياسية وعدم التوافق على رؤية مضيئة لإدارة البلاد في المرحلة المقبلة والتي تعتبر من أخطر المراحل السياسية التي مر بها العراق بعد عام ٢٠٠٣ ، فالبلاد تعاني من تحديات خطيرة داخلية وتهديدات خارجية تحيط بها وفقدان للتوازن والتوافق السياسي وتغليب المصالح الفئوية على مصلحة الشعب والابتعاد عن طموحات وآمال المواطن العراقي في العيش بسلام واطمئنان وحياة حرة كريمة وزرع حالة الاحباط والتراجع في تحقيق الآمال بإصلاح الواقع المأساوي وفرض الإرادة السياسية للدولة بعيدا عن التهديد والترويج باستخدام القوة والسلاح .
ان بقاء هذا الحال سيؤدي إلى نتائج وخيمة ويكون بحاجة للإسراع بتوافق سياسي وتشكيل حكومة عراقية وطنية بعد أن تعددت الظواهر السلبية والمعاناة الميدانية التي يكابدها أبناء الشعب العراقي بوصول عدد العاطلين عن العمل إلى (10) ملايين شخص لا توجد لديهم وظائف ولا تحتضنهم مؤسسات ووزارات الدولة وارتفاع نسبة الفقر إلى 35% وتزايد البيوتات العشوائية التي لا تتلائم وكرامة أبناء العراق وتدهور في إنشاء المشاريع التنموية واستمرار الاستثمارات الاقتصادية بعد أن وصل العجز المالي في الميزانية المالية إلى (50) مليار دولار وتهريب (150) مليار دولار خارج العراق من قبل بعض الأحزاب والشخصيات المتنفذة ، وهذا الفساد السياسي والاقتصادي وهدر الأموال لا يمكن إصلاحه إلا بتشكيل حكومة وطنية تأخذ على عاتقها مكافحة الفاسدين وإحالة المفسدين إلى المحاكم القضائية والحفاظ على موارد الشعب المالية .
ان من اهم الظواهر التي يعانيها العراق الاتجاه إلى معالجة الإخفاقات الاقتصادية بالاعتماد الكلي على قطاع النفط الذي يغذي 98% من الناتج المحلي للبلاد ويعتبر الأساس في استمرار الحياة الاقتصادية ولا يمكن أن يستمر اذا لم تتخذ أي إجراءات فعالة لتنشيط القطاعين الصناعي والزراعي ليكونا رديفين لقطاع الطاقة وليتجنب العراق كارثة اقتصادية كونه أصبح (أحادي الاقتصاد) ويمكن أن لا تشكل الطاقة النفطية في المستقبل حالة رئيسة في الحياة الاقتصادية ما يؤثر سلبا على الحياة العامة لأبناء الشعب العراقي ، إضافة إلى أن العراق يمر الآن بمرحلة شديدة الخطورة تتمثل بتذبذب أسعار النفط وتحديد عمليات التصدير الخاص للعراق وفق الاتفاق المشترك الذي وافق عليه مع عدد من الدول المصدرة للنفط في منظمة (اوبك +) لمواجهة حالات تسويق النفط عالميا والمحافظة على سعره .
وهناك الظاهرة الاقتصادية التي لا يستطيع العراق ان يواجه فيها الأزمة الزراعية واستصلاح الأراضي وهو يعاني من أزمة في الموارد المائية ووجود آثار سلبية تعاني منها محافظات عراقية حدودية مع ايران وموجة من الجفاف بسبب قطع عدد من مياه الروافد والأنهار من قبل الحكومة الإيرانية وتحويل مسارها إلى داخل أراضيها او إقامة السدود عليها والتي سببت أزمة اقتصادية اجتماعية أثرت على زراعة المحاصيل الزراعية وإرواء الأراضي الشاسعة وتوفير المياه الصالحة للشرب، ورغم النداءات العراقية الا أن إيران لم تستجيب ما حدى بوزارة الري إلى تقديم شكوى رسمية في المحكمة الدولية على الحكومة الإيرانية لإطلاق حصة العراق من المياه، وأن استمرار هذه الظاهرة سيؤدي إلى انهيار الأمن الغذائي للشعب العراقي .
و هناك الظاهرة الصحية المتعلقة ب(جائحة كورونا) وأسبابها ونتائجها التي أدت إلى مشكلة صحية أثرت على النماء الاقتصادي وسببت الكثير من المعوقات وأوقفت عملية التنمية في مرافق الحياة العامة وكانت سببا رئيسا آخر في تدهور السياسة الاقتصادية للبلاد .
يبقى التحدي الأكبر والأكثر خطورة طبيعة الأوضاع الداخلية والاخفاق الأمني في استمرار حالة التدهور وتعدد الجهات الأمنية ووجود المليشيات والفصائل والعصابات المسلحة التي تؤكد عدم وجود أفق أمني لتعزيز الثقة بالحالة الأمنية التي تشكل عاملا مهما في استقطاب الشركات ورؤوس الأموال للاستثمار في العراق، مع بقاء التحديات الخارجية والصراعات الإقليمية وتطور الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وآثار المشروع الإيراني في التمدد والنفوذ وبرنامج الصواريخ البالستية والدعم والمساندة التي يقدمها الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس للعديد من الجهات المسلحة والوكلاء المعتمدين له عاملا خطيرا ومهما يهدد الأمن العربي والإقليمي والعراق جزءا من هذا المخطط ويشكل دعامة رئيسة في تنفيذه والتأثير على أمنه الوطني والقومي.
يسعدنا ان يكون للمحكمة الاتحادية رؤيتها الثاقبة وقدرتها على اتخاذ القرار السليم في الانتهاء من التصديق على نتائج الانتخابات خاصة قراراها الاخير بتأجيل دعوى إلغاء الانتخابات إلى الثاني والعشرين من شهر كانون الاول٢٠٢١ كون العراق بحاجة ماسة للشروع بتشكيل حكومة مقتدرة كما وصفها السيد مقتدى الصدر (حكومة أغلبية وطنية) تضم الأحزاب والشخصيات الفائزة والتي تأتلف مع التيار الصدري كونه يمتلك أعلى نسبة من المقاعد الانتخابية التي حاز عليها وتساهم في تعزيز القرار السياسي المستقل ومواجهة التحديات الداخلية ومعالجة التهديدات الخارجية ورسم ملامح لرؤى اقتصادية لتحسين وضعية المنظومة ا لاقتصادية ورفع قدرة العراق ماليا واقتصاديا وعودته لدوره العربي والإقليمي والدولي.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية