بيروت- انتقلت قوى السلطة في لبنان إلى مرحلة البحث عن الشخصية البديلة للرئيس سعد الحريري، بعد أن اعتذر عن مهمة تشكيل الحكومة، إثر خلاف شديد بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقهما السياسي، وقد دامت نحو 9 أشهر.
وبانتظار أن يدعو عون للاستشارات البرلمانية الملزمة -لتسمية رئيس جديد يتولى مهمة تأليف الحكومة- طرأت التساؤلات عن موعدها المرتقب، وإن كانت الكتل النيابية ستذهب إليها تحت وطأة التفاهم أو الصراع، أم أن بعضها سيعلن مقاطعته للاستشارات بدل المشاركة فيها، لاعتبارات تأخذ أبعادا ميثاقية وطائفية، وفق كثيرين.
بعد استقالة حكومة أو اعتذار رئيس مكلف عن مهمته، يُلزم الدستور رئيس الجمهورية أن يدعو لاستشارات برلمانية، ليستمزج رأي النواب بشأن تكليف شخصية جديدة لرئاسة الحكومة، وفق ما يشير إليه المحامي والخبير الدستوري أنطوان صفير.
ويقول صفير -للجزيرة نت- “رغم أن الدستور لم يفرض مهلة محددة بالدعوة للاستشارات؛ فإنها ينبغي أن تكون فورية، ويمكن لرئيس البلاد أن يأخذ بعض الوقت، بمعدل أسبوع، لترك المجال للتفاهمات السياسية قبيل انعقاد الاستشارات بالقصر الجمهوري”.
وحتى الآن، لم يدعُ الرئيس عون لاستشارات نيابية، وسط حالة من الإرباك وبلوغ الاستقطاب السياسي ذروته، خصوصا بعد أن أعلن الحريري -رئيس تيار المستقبل وهو أكبر كتلة برلمانية للطائفة السنية- امتناع كتلته عن تسمية رئيس جديد للحكومة. كما تفيد مصادر مقربة من الحريري -للجزيرة نت- أن الأخير قد يذهب لخيار مقاطعة الاستشارات البرلمانية، للتصعيد ضدّ فريق عون السياسي.
يُقسم النظام السياسي اللبناني الرئاسات الثلاثة على الطوائف الكبرى (الجمهورية للموارنة، رئاسة البرلمان للشيعة ورئاسة الحكومة للسنة)، وفُرضت بعض الأعراف على نوعية وصفات الشخصيات التي تتبوأ هذه المناصب، تحت شعارات عدّة كالمناصفة والميثاقية الدستورية والتوازن الطائفي، في بلد صغير يضم نحو 18 طائفة.
وهنا، يشير صلاح سلام -الكاتب ورئيس تحرير جريدة “اللواء”- أن أية شخصية تُكلف لتشكيل الحكومة، يجب أن تحظى بموافقة ودعم 3 جهات، لتضمن ما يُعرف بـ “الغطاء السني”، وهي الرئيس الحريري، ونادي رؤساء الحكومات السابقين (يضم -إلى جانب الحريري- نجيب ميقاتي وتمام سلام وفؤاد السنيورة)، ودار الفتوى الإسلامي.
ويلفت سلام -في حديث للجزيرة نت- إلى أن ثمة تحفظا من قبل هذه الجهات على تسمية أي مرشح، وبالتالي، قد لا تتوفر التغطية السياسية والطائفية لكل مرشح لا يلتزم بالسياسة التي اتبعها الحريري خلال تكليفه؛ مذكرا أن عهد الرئيس عون هو من رفع شعار أن يكون المسؤول الأول هو الأقوى بطائفته.
وإذا تعذر العثور على شخصية تحظى بالغطاء السني -وفق سلام- فسيتفاقم اختلال التوازن، ويفتح الدولة على مزيد من الانحلال والفوضى.
ويرى مراقبون أن اعتذار الحريري وضع حزب الله بموقف حرج، لأنه لم يستطع إقناع حليفه ميشال عون أن يسهل مهمة الحريري، ولأن مبادرة حليفه رئيس مجلس النواب الذي بقي متمسكا بتكليف الحريري لم تنجح.
وهنا، يشير الكاتب والمحلل السياسي وسيم بزي -المقرب من حزب الله- إلى أن مفهوم الضغط على فريق عون -صاحب أكبر تكتل مسيحي بالبرلمان- ليس واردا.
وخلال رحلة تكليف الحريري -وفق بزي- كان هناك تمايز واضح بين موقف حزب الله والتيار الوطني الحر (برئاسة جبران باسيل)، وباعتراف الحريري، لأن الحزب كان يقف خلف بري بالإصرار على تسهيل مهمة الحريري.
وقال إن ما دفع الحريري للانسحاب من مهمته خلافه مع السعودية كسبب خارجي، وهو لا يقل أهمية عن خلافه مع عون وفريقه كسبب داخلي.
ويشير المحلل السياسي -في حديث للجزيرة نت- إلى أن حزب الله لا يضع الانتخابات البرلمانية هدفا معياريا لاختيار شخصية رئيس الحكومة المقبل، بل ثمة معايير عدّة يعطيها الأولوية، من بينها:
وقال إن حزب الله لا يرغب بتشكيل حكومة من الاختصاصيين بالمعنى الذي روج له عقب المبادرة الفرنسية، لا من حيث الرئيس ولا من حيث الأعضاء.
وبالتالي، يفضل الحزب -وفق بزي- الذهاب لحكومة مختلطة كالتي سبق أن اقترحها الرئيس نجيب ميقاتي، عشية اعتذار مصطفى أديب عن مهمته قبل تكليف الحريري.
وأضاف بزي أن حزب الله يحرص على استمرار الوصل مع الحريري، وأن يكون راضيا على تسمية شخصية تخلفه، حرصا منه على عناصر التبريد بالعلاقة السنية الشيعية، بدل القطيعة والتوتر.
وبرأي بزي، فإن الرئيس ميقاتي صاحب مقبولية كبيرة، لكن أساس ترشيحه يكون بموقف الطائف السنية منه، و”إذا توفر الغطاء سيكون حزب الله مرنا بالتعاطي مع تسميته”.
وعقب اعتذار الحريري، جرى تداول عدة أسماء في الإعلام لتولي رئاسة الحكومة، وكان ميقاتي في طليعتها. وللتذكير، فإن ميقاتي قبل أن ينضوي مع الحريري بنادي رؤساء الحكومات السابقين، كان أبرز خصوم الحريري داخل الطائفة السنية، وقد خاضا معا معركة نيابية شرسة في انتخابات 2018، بطرابلس شمالي البلاد.
ومع ذلك، نفت أوساط ميقاتي قبوله بالتكليف لرئاسة الحكومة، انسجاما مع موقف النادي الموحد، ودفاعا على ما يصفوه بـ “صلاحيات رئاسة الحكومة”.
وتشير أوساط مقربة من ميقاتي -للجزيرة نت- إلى أنه يرفض التكليف، لأن التسهيلات التي لم يعطها عون للحريري، لن تُوفر له، و”رفضا لأنماط جديدة بتأليف الحكومات تتناقض مع الدستور وروح اتفاق الطائف”.
العوامل الخارجية
أما خارجيا، فيعتبر الصحافي والمحلل السياسي جوني منير أن أميركا وفرنسا تكترثان فقط بتشكيل حكومة سريعا، أكثر من البحث بصفات الرئيس المكلف.
كما يرى المحلل السياسي أن المطلوب بالنسبة للسعودية هو تكليف شخصية خارج تأثير حزب الله، وأن يشكلها من دونه، وهذا نوع من الاستحالة داخليا؛ لذا، “قد لا تعطي السعودية غطاء لأية حكومة بعهد الرئيس عون، والشخصيات التي تقبل بها (مثل نواف سلام) يرفضها حزب الله”.
ومن هنا، يبرز دور إيران الأهم -وفق منير- التي تلعب دور “وضع الفيتو” -من خلال حزب الله كأكبر ممثل إقليمي لها- على كل شخصية ترى أن وجودها يتعارض مع مصالحها بلبنان، وإقليميا، وفي صراعها مع أميركا.
أما مصر التي دعمت الحريري، فموقفها أقرب للموقف الفرنسي، برأي منير، أي تشكيل حكومة تتولى تنفيذ الإصلاحات، وألا يطغى عليها لون سياسي.
وقال منير إن الرئيس عون -قبل الدعوة للاستشارات- يريد أن يتوفر التوافق على الاسم المرشح، وأن يتفق معه على الشروط التي سبق أن فرضها على الحريري، وأبرزها تسمية الوزراء المسيحيين. ويعتبر أن عدم توفر الشروط المطلوبة، داخليا وخارجيا، يجعل مصير موعد الاستشارات مبهما ومؤجلا.
وعليه، يرجح منير -وفق معطياته- أن تتجه الدول الغربية -وفي طليعتها فرنسا- لسلوك أقسى بالعقوبات على الساسة اللبنانيين، خصوصا عقب المساعدات الإنسانية المرتقبة للبنان بالمؤتمر الدولي الذي دعت إليه باريس في الرابع من أغسطس/آب المقبل. وهذا الانسداد، دفع بعض القوى السياسية للحديث عن تفعيل حكومة تصريف الأعمال.
ويوضح أنطوان صفير أن الدستور لم ينص على هذا المفهوم، لأن الحكومة بعد استقالتها تقوم بمهماتها، كسلطة إجرائية تسييرا للمرافق العامة، ضمن المعيار الضيق لتصريف الأعمال.
ولأن الأجواء لا توحي بالذهاب لتكليف رئيس جديد، يتوقع صفير أن تواصل حكومة دياب لتقود الانتخابات النيابية في ربيع 2022، و”ربما لتأخذ صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتهاء ولايته، إذا لم يتم التوافق أيضا على اسم رئيس بديل لعون”.
المصدر : الجزيرة