أزمة المياه في إيران خلقت إحباطا شعبيا يهدد النظام

أزمة المياه في إيران خلقت إحباطا شعبيا يهدد النظام

نيويورك – تفاقمت أزمة شح المياه المتراكمة منذ فترة طويلة في إيران، نتيجة عقود من التوسع الصناعي غير المنضبط، لتُشكّل الآن تحديا للنظام، وصف بأنه بمثابة “إحباط شعبي” يمكن أن يطغى على معركة طهران مع واشنطن حول كيفية إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.

وفي تقرير بعنوان “أزمة المياه في إيران تهدد القيادة”، سردت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية أمثلة متعاقبة على هذا الإحباط الشعبي، بينها الاشتباكات الدامية بين الأهالي وقوات الأمن التي حصلت الصيف الماضي في خوزستان، ثم انتقلت إلى مدينة أصفهان بسبب جفاف نهر زايانده رود.

وفي مقاطعة خوزستان، على بعد 180 ميلا من العاصمة طهران، أدت عقود من الاستغلال المجحف للنفط إلى تجفيف الأراضي الرطبة وتدمير التربة التي كانت خصبة في السابق.

واحتشد الآلاف من الإيرانيين حول مجرى النهر الجاف، احتجاجا على إدارة الدولة للموارد المائية خلال أسوأ موجة جفاف منذ عقود.

وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، تدخل قوات الأمن وهي تحمل الهراوات لقمع الحشود، وتركت وجوه البعض ملطخة بالدماء، بما في ذلك امرأة في منتصف العمر ترتدي شادورا أسود.

ونقلت الوكالة عن الناشطة البيئية، طاهرة التي شاركت في احتجاجات أصفهان، وطلبت عدم نشر اسمها الكامل خوفا من الانتقام، قولها إن “مياه الشرب لدينا تزداد سوءا والمزارعين يفقدون مصادر رزقهم. لا أستطيع أن أنسى رائحة النسيم التي كانت تنطلق من النهر عندما كنت أسير إلى المدرسة وأنا طفلة. الآن أرى ذلك كأنه مجرد حلم”.

ولفت التقرير إلى أن التغير المناخي كشف مكامن الضعف في اقتصاد قائم على استخراج النفط والممارسات الزراعية غير المستدامة.

ووفقا لدراسة جرى نشرها عام 2019 في دورية “نيتشر” العلمية، فإنه مع ارتفاع درجة حرارة الأرض حتى منتصف القرن، فإنه من المرجح أن تشهد إيران فترات أطول من درجات الحرارة المتطرفة، وكذلك تكرارا بصورة أكبر لفترات الجفاف والفيضانات.

وأوضح الباحثون أن الأمر نفسه ينطبق على الكثير من المناطق، إلا أن التأثير سيكون حادا في إيران بشكل خاص، وأنه “من دون تدابير مدروسة للتكيف، قد تصبح بعض مناطق البلاد أقل صلاحية للسكنى في المستقبل”.

وأشار التقرير إلى أن أخبار أزمة المياه في إيران منتشرة في كل مكان، فعناوين الصحف اليومية تنشر باستمرار معلومات حول الانخفاضات الهائلة في هطول الأمطار، وانهيار السدود، ونضوب مخازن المياه الجوفية والسطحية.

وحذرت وكالة أنباء “فارس” شبه الرسمية من أن أكثر من 300 بلدة ومدينة تواجه الآن ضغطا مائيا حادا. ويقدر خبراء الأرصاد الجوية التابعون للحكومة أن 97 في المئة من البلاد قد تأثرت بالجفاف، بينما يقول أحد الأكاديميين إن 20 مليون شخص أجبروا على الانتقال إلى المدن، لأن الأرض أصبحت جافة جدا للزراعة.

وسجلت العديد من السدود مستويات قياسية من التبخر هذا العام، ما تسبب في انقطاعات للتيار الكهربائي في ذروة أحد أكثر فصول الصيف حرارة على الإطلاق. كما تراجع تساقط الثلوج، الذي يوفر 70 في المئة من المياه في زاينده رود، بنحو 14 في المئة بين عامي 2017 و2020.

وحتى في ظل نقص الإمدادات، فإن الإيرانيين الذين لا يزال بإمكانهم الوصول إلى المياه يفرطون في الاستهلاك. ويستخدم الشخص الذي يقيم في طهران ثلاثة أضعاف ما يستخدمه الشخص في هامبورغ بألمانيا من المياه. ورغم الجفاف، لا تزال الحدائق والمتنزهات العامة في العاصمة الإيرانية تروى بالغمر. كما من الشائع رش الأرصفة والطرقات لتلطيف الجو.

ويلجأ المواطنون إلى حفر الآبار بشكل غير قانوني للبحث عن المياه، حتى مع ظهور المزيد من الآبار المقننة. وقال مسؤول سابق في شركة المياه الحكومية المحلية لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية “إرنا” إن المزارعين في أصفهان حفروا أكثر من عشرة آلاف بئر بشكل غير قانوني خلال السنوات الأخيرة.

ويبدو أن إيران، سادس أكبر منتج في العالم لغاز ثاني أكسيد الكربون المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري، غير متحمسة للانضمام إلى الجهود العالمية للحد من الانبعاثات، أو الاستثمار في تدابير للحفاظ على المياه.

ويعتمد الاقتصاد الإيراني على إنتاج النفط والصناعات الثقيلة من أجل البقاء، وبينما يقر معظم المسؤولين بوجود مشكلة، فإن بعض رجال الدين الأكثر نفوذا يحرصون على تصنيف الاحتجاجات الأخيرة ضمن نظرية المؤامرة، أو التأكيد على أن مشكلة نقص المياه لا يمكن حلها إلا بصلاة الاستسقاء.

وكان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أقر في مقابلة تلفزيونية في الخامس من ديسمبر بوجود أزمة في المياه، وذكر أن المسؤولين تلقوا تكليفات “للوصول إلى أصل المشكلة والعمل على حلها”. ورغم أنه قال إن “هناك مشاكل وهناك أيضا حلولا، لم نصل إلى طريق مسدود”، فإن الحكومة لم تنشر بعد أي خطط تفصيلية.

ويُرجع سهيل شريف، الذي يعمل في زراعة الفستق بمحافظة كرمان بوسط إيران، جذور الأزمة إلى السياسات التي جرى تنفيذها بعد الثورة الإسلامية عام 1979، حيث سعت القيادة الدينية الجديدة، المعزولة عن الغرب والمعرّضة لغزو من العراق، لضمان تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي. وشجعت العائلات في القرى على التوسع في النشاط الزراعي، وزودتها بالمياه المدعومة بشكل كبير. وأعقب ذلك توسع هائل في بناء السدود.

ولدى القيادة الإيرانية رد معروف سلفا على أي انتقادات يتم توجيهها إليها في ما يتعلق بإدارة أزمة المياه، وهو إرجاع السبب إلى العقوبات الأميركية.

وخلال قمة المناخ الأخيرة في غلاسكو، قال نائب الرئيس الإيراني للشؤون البيئية إن العقوبات تمنع إيران من اتخاذ خطوات لحماية البيئة.

وتعهدت الحكومة بخفض الانبعاثات بنسبة 4 في المئة بحلول عام 2030 من خلال “العمل كالمعتاد”، وهو هدف يعني فعليا خمسة أضعاف مستويات الانبعاثات في التسعينات، ويمكنها أن تستهدف خفضا بنسبة 12 في المئة إذا تم رفع العقوبات.

وبطبيعة الحال، كان للعقوبات بعض التأثير، فقد أدت إلى تعطيل مشاريع أوروبية كانت تهدف إلى تطوير أنظمة إدارة المياه في إيران.

ورغم ذلك فإنه حتى عند تخفيف العقوبات، كما حدث في عام 2016، ركز صانعو السياسات على تحديث صناعة النفط باعتبارها أسرع وسيلة لدعم النمو. ففي أوقات الاضطرابات الاقتصادية، تكون إحدى أسهل الطرق لتجنب الاضطرابات هي خلق فرص عمل من خلال إطلاق مشاريع كبيرة في البنية التحتية، مثل السدود والمصافي.

العرب