مشابهة لفترة السبعينيات.. أهم أسباب ومآلات أزمة الطاقة عام 2021

مشابهة لفترة السبعينيات.. أهم أسباب ومآلات أزمة الطاقة عام 2021

بلغت أسعار الطاقة في أوروبا مستويات قياسية، وشهدت المملكة المتحدة أزمة بمحطات الوقود. وفي الأثناء تكافح الصين للحد من الانقطاعات المتكررة بالتيار الكهربائي، وفي الولايات المتحدة الأميركية تعقد جلسات استماع بالكونغرس وتذاع حوارات تلفزيونية حول أسعار الوقود.

وفي تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” (foreign policy) الأميركية، تطرق الكاتب كيث جونسون إلى أزمة الطاقة التي شهدها العالم هذا الخريف وطالت مختلف أنواع الوقود (الفحم، النفط والغاز الطبيعي وحتى مصادر الطاقة المتجددة) وكانت تداعياتها محسوسة في كل مكان تقريبا.

وذكر الكاتب أن الحكومات الأوروبية تعرضت لوابل من الانتقادات مع ارتفاع أسعار الطاقة، في ظل اضطرار بعض المصانع إلى التقليل من ساعات العمل أو الإغلاق بالكامل بينما المستهلكون يتوجهون إلى الشوارع احتجاجا على الوضع.

أما روسيا فقد انتشت لرؤية أوروبا تتوسل للحصول على المزيد من الغاز الذي أمضت سنوات تحاول التخلص من تبعيتها له. ومن ناحيتهم، سارع المشرعون الأميركيون، الذين كانوا فيما مضى يتفاخرون بهيمنة واشنطن على الطاقة وزيادة صادرات النفط والغاز، إلى المطالبة بفرض حظر على صادرات النفط.

وفي الصين، التي أمضت السنوات الخمس الماضية في محاولة إقناع العالم بالانتقال إلى الطاقة الخضراء، أعادت بكين اكتشاف مزايا الفحم الرخيص بمجرد نفاد مخزونها منه، وتسببت اضطرابات الطاقة في إرباك عمل المصانع في جميع أنحاء العالم -وخاصة الصين- لتعم الفوضى سلسلة التوريد العالمية مرحلة ما بعد الوباء.

أسباب
وأشار الكاتب إلى سلسلة الأحداث المؤسفة التي تسببت في أزمة الطاقة هذا العام، أولها الانتعاش السريع الذي تلا انحسار أسوأ ما في الوباء، انتعش النمو مرة أخرى بالولايات المتحدة وأوروبا والصين، بينما منتجو الطاقة وشركات الشحن في جميع أنحاء العالم يعانون من الإغلاق، وهو ما أدى إلى اختلال التوازن بين العرض والطلب. ثانيا، الطقس القاسي وموجات البرد التي ساهمت في زيادة استهلاك الغاز الطبيعي، في ظل الركود الذي أصاب مزارع الرياح، والفيضانات التي دمرت مخزونات الفحم.

لكن الطقس ليس الملام الوحيد، فقد لعبت السياسة السيئة وقصر النظر دورا كبيرا أيضا بأزمة الطاقة، فعلى غرار الولايات المتحدة، اختارت أوروبا التوجه نحو تحرير أسواق الطاقة، واتبعت الصين نهجا مماثلا وكانت النتيجة بجميع الحالات نفسها: عدم التوافق بين تكلفة الإنتاج وما كان المستهلكون على استعداد لتحمله.

في غضون ذلك، اتجهت عملية الانتقال للطاقة النظيفة إلى مصدر طاقة مختلف قبل تحقيق الانتقال الفعلي، ويبدو أنه لم يعد أحد يهتم بالجغرافيا السياسية بعد الآن، وهو ما يفسر استمرار روسيا في الضغط على إمدادات الطاقة الأوروبية.

كتب جيسون بوردوف، المدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا والمستشار السابق للبيت الأبيض، بتاريخ 24 سبتمبر/أيلول مقالا تحدث فيه عن السمعة السيئة للأسواق في التعامل مع الطاقة، خاصة عندما تحاول تغيير طبيعتها، وقد أشار إلى أن تغير المناخ والجهود المبذولة للتعامل معه متعثرة، ورغم الدعوة إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، فلا يوجد استعداد لفعل ذلك على أرض الواقع.

وفي تقرير لها نُشر بتاريخ 5 أكتوبر/تشرين الأول، بينت بريندا شافير، الأستاذة بكلية الدراسات العليا البحرية الأميركية والزميلة بالمجلس الأطلسي، أن أزمة الطاقة تقف وراءها السياسات الفاشلة، فحظر الطاقة النووية واختيار أسعار السوق الفورية للغاز الطبيعي وزيادة اعتماد الطاقة المتجددة، بغض النظر عن الاقتصاد، تعد جزءا من خطة أوروبا لتحديث مخطط الطاقة الخاص بها. وتكمن المشكلة في صعود روسيا واستياء المستهلكين بينما العالم لا يرى نتائج ملموسة لاتفاقية باريس للمناخ.

ومن جانبه أشار لوري ميليفيرتا، المحلل الرئيسي بمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، في تقرير بتاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول، إلى أن الصين لم تشهد إخفاقات بالسوق تحملها مسؤولية مشاكل الطاقة، فقد أرادت بكين طاقة رخيصة لتحفيز النمو، لكن مناجم الفحم لم تكن على علم بذلك، وكانت النتيجة انهيارا كارثيا لمصدر الطاقة الرئيسي في هذا البلد، أدى بدوره إلى سلسلة من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية تردد صداها في أنحاء العالم.

وفي النهاية تطرقت ميليندا ليو، مديرة مكتب نيوزويك في بكين، في تقرير لها بتاريخ 5 نوفمبر/تشرين الثاني، إلى جهود الصين لتحقيق الانتقال الطاقي التي واجهت مشكلة انقطاع التيار الكهربائي والاضطرابات الشعبية. لذلك، عاد الرئيس شي جين بينغ سريعا إلى إنتاج الفحم للحفاظ على ازدهار المصانع وهدوء السكان، لكن ما فعلته بكين يتعارض تماما مع تعهداتها بالحد من الانبعاثات في العقود القليلة المقبلة.

المصدر : فورين بوليسي