المدخل إلى تسوية الأزمة اليمنية

المدخل إلى تسوية الأزمة اليمنية

62LW7C5V-ER8XSX

أخطأت القيادة الإيرانية عندما انزلقت إلى توليف صراع قاس في اليمن، واعتبار هذا الصراع جزءاً من عدة المواجهة المترامية الأطراف التي تخوضها في المنطقة. فهذه القيادة لم تنجح في صرف الأنظار عن التدخلات الميدانية التي تقوم بها مع حلفائها في بلاد الشام، ولم تستطع امتلاك الورقة اليمنية، كأداة ضغط على دول الخليج، أو ورقة تفاوض مع الدول الكبرى، ولاسيما مع الولايات المتحدة.
في المقابل، فإن الإعلام الإيراني فشل في تسويق فكرة أن ما يجري في اليمن حرب داخلية، ليست لإيران علاقة فيها. فالميليشيات الحوثية وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، تعترفان بالصداقة التي تربطهما مع طهران، كما أن توريد الأسلحة الإيرانية إلى هذه القوى، تأكّد بالملموس، عندما تم توقيف أكثر من باخرة تجارية إيرانية محمّلة بالسلاح إلى هذه الميليشيات. وأعمال التمرّد على الشرعية التي يمثلها الرئيس عبدربه منصور هادي، لم تكُن لتحصل بهذه الاندفاعة، لولا التمويل الذي تلقته الميليشيات الحوثية من طهران.
وطهران لم تخف موقفها المعارض للمبادرة الخليجية التي أدت إلى إجراء انتخابات رئاسية دستورية في اليمن، كما أنها دانت قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي صدر بتاريخ 14/4/2015، وصوتت عليه 14 دولة، وامتنعت روسيا وحدها عن التصويت، وكان موقف موسكو علامة إيجابية لتسهيل صدور القرار، لأنها لو استخدمت حق «الفيتو» كما تمنت طهران، لكان بإمكانها نسف القرار برمّته. والقرار الأممي أعطى مشروعية دولية لعاصفة الحزم التي بدأت عملياتها العسكرية في 25/3/2015، لإعادة الشرعية إلى اليمن، عن طريق تحالف عربي وإسلامي واسع.
إنهاء التمرّد في اليمن، وتسوية الأزمة وفقاً للمبادرة الخليجية، وتأسيساً على وثيقة الوفاق الوطني التي تمّ التوقيع عليها من قبل كل الأطراف في مؤتمر الحوار بتاريخ 25/1/2025، يشكّل مدخلاً مقبولاً للشروع في البحث عن حلول للأزمات المُتفاقمة في سوريا والعراق، وعلى درجة أقل حدة في لبنان.
القوى الدولية الطامعة في التدخل في المنطقة العربية استفادت من تفاقُم الصراعات الداخلية في بعض الدول. والصراعات الداخلية، كان يمكن الإبقاء عليها كتباينات طبيعية من ضمن النسيج الاجتماعي والسياسي الذي تتشكّل منه هذه الدول، ومثل هذه التباينات موجودة في مُعظم دول العالم، ويمكن الحوار حولها، أو إبقاء الاختلاف حول البعض منها تحت سقف الاحترام المُتبادل لحقوق المجموعات، مع الأخذ في الاعتبار إرادة الشعوب في العيش بكرامة، وفي منظومة قانونية تحميها سلطات الدولة.
تتحمّل طهران مسؤولية كبيرة عن أخذ التباينات، أو الاحتجاجات، المحلية إلى نسق من النزاعات المُسلحة. وفي تدخلها في شؤون البلدان العربية، حيث أثارت نعرات مذهبية ضمن المكونات الشعبية، لم تكُن موجودة. وقد أدخلت بعض العادات الغريبة عن التقاليد العربية، وفقاً لتفسيرات لا تتماشى مع الانتظام العام الذي يُنشده معظم المسلمين.
أما دخول إيران في قتال مباشر ضد المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، فقد افقدها جزءاً كبيراً من الصدقية عند الأغلبية المُطلقة من شعوب المنطقة، لاسيما عند المسلمين على وجه التحديد. وسبق لطهران أن مارست في العراق سياسة دعم مطلقة لرئيس الوزراء نوري المالكي الذي اعتمد نهجاً مذهبياً، ساعد على زيادة الشرخ بين أبناء الشعب العراقي، وأدى إلى ظهور المنظمات المُتطرِفة والإرهابية، مثل «داعش» أو غيره.
مما لا شك فيه أن المُستفيد الأول من سياسة الانفلاش الإيراني هي ««إسرائيل»». والمؤسف أن طهران التي دخلت في سباق، إذا لم نقُل مزايدة واسعة النطاق، تهدف إلى استغلال العداء الكلامي للكيان الغاصب لفلسطين، نراها اليوم تخدم بشكل غير مباشر السياسة التهويدية التي يعتمدها قادة العدو «الإسرائيلي» لاسيما العدوان الذي يستهدف المسجد الأقصى، والذي يستفيد من الصراع في سوريا والعراق. في وقت أعلن فيه الجيش الروسي أنه أنشأ غرفة عمليات في مطار حميميم في اللاذقية، لتنسيق العمليات العسكرية الجوية مع جيش الاحتلال «الإسرائيلي».
لا يمكن لأي مقاربة إيرانية إن تستقر؛ إذا ما كانت تعتمد على الهيمنة وتوسيع النفوذ، أو على استخدام الساحات العربية أوراق تفاوض مع الدول الكبرى. إن الاستمرار في سياسة الاستعلاء والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، تهوّرٌ لا يؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر والدماء، ويُرسي مع الوقت عداء يصعب إخماده مع الأغلبية الساحقة من الشعوب العربية.
ما زال الوقت متاحاً لحوار جدّي عربي ــ إيراني، يفوِّت الفرصة على «إسرائيل» ويُحرج الدول الكبرى الطامعة بخيرات المنطقة. وقد يكون من الأنسب لتهيئة الأجواء لمثل هذا الحوار، تغيير إيران سياستها في اليمن، والتراجع عن تأييد المتمردين، وتأييد المبادرة الخليجية التي تحمل عناصر موضوعية، يمكن أن تُرسي استقراراً، وتُنهي الاستنزاف القاسي لدماء اليمنيين، ولمقدرات البلاد المنكوبة.
والمدخل اليمني، قد يكون ممراً إلزامياً لتنظيم الخلاف حول العراق وسوريا، وربما يؤدي إلى تسوية مقبولة، تحفظ كرامة ومصالح الشعب في البلدين، والمصالح العربية والإيرانية في آن.

د.ناصر زيدان

صحيفة الخليج