بيروت – استبعدت أوساط سياسية لبنانية أن يكون لرئيس تيار المستقبل، رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري تأثير في المشهد السياسي القادم بعد أن ترك لبنان وأهمل الطائفة السنية واكتفى بالمراقبة عن بعد، في الوقت الذي يستعد فيه خصومه من مختلف الطوائف للانتخابات البرلمانية القادمة شعبيّا وسياسيّا وإعلاميّا على نطاق واسع.
وقالت هذه الأوساط إن الحريري قد استمرأ الغياب، وإن هذه هي المرة الثانية على الأقل التي يختفي فيها الحريري عن المشهد السياسي اللبناني، حيث سبق أن أقام في باريس لسنوات خوفا من استهدافه، وها هو الآن يتخذ من إقامته في العاصمة الفرنسية مكانا لتَجَنُّبِ مواجهة الوضع الصعب في لبنان الذي يتحمل هو بدوره جزءا من مسؤولية ما وصل إليه بتحالفه مع حزب الله ورئيس الجمهورية ميشال عون ودعمِ “عهدٍ” خادمٍ لخصومه وحلفائهم الخارجيين على حساب مصالح الحريري وطائفته والدول التي كانت تدعمه وأساسًا السعودية.
سمير جعجع: السعودية بلد لا يستهان به وتتمتع بثقل سياسي
وأشارت الأوساط ذاتها إلى أن الحريري أظهر أنه دون دعم السعودية لا يقوى على فعل أي شيء، لذلك خيّر الاختفاء وإطلاق تصريحات عامة من خلال تغريدات له على تويتر من باب تسجيل الحضور، وخاصة لفت نظر الرياض من أجل أن تراجع موقفها الحاسم منه بعد خيار التحالف مع حزب الله بدل أن يكون في الصف المعارض له.
وحرص رئيس تيار المستقبل المختفي على أن يوجه لوما لأمين عام حزب الله حسن نصرالله بعد هجومه الحاد على المملكة بالقول إن “إصرارك على استعداء السعودية وقيادتها ضربٌ متواصل من ضروب المغامرة بلبنان ودوره ومصالح أبنائه”، مضيفا “السعودية ومعها كل دول الخليج العربي احتضنت اللبنانيين ووفرت لهم فرص العمل ومقومات العيش الكريم”.
وأكدت الأوساط نفسها أن غياب الحريري والغموض الذي يحيط بمستقبله السياسي وما إذا كان سيستمر في اختفائه بباريس أم سينزل إلى لبنان قبيل الانتخابات…، عناصر ليست في صالح تيار المستقبل والطائفة السنية ككل. وفي الوقت الذي يقوم فيه المنافسون بحملات انتخابية سابقة لأوانها من خلال الحضور الإعلامي المكثف والشروع في إنشاء تحالفات مازال السنة لا يعرفون من سيكون بديلا للحريري في الانتخابات ومن سيرشحون في قوائمهم الانتخابية، وعلى أيّ أسس سيكون هذا الترشيح.
وكان لافتا أن الحريري رفض المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا إليه ميشال عون قبل أيام، في خطوة قال متابعون للشأن اللبناني إنها تظهر استمرار رئيس تيار المستقبل في سياسة الهروب من الساحة، وإن المؤتمر كان يمكن أن يوفر له فرصة العودة إلى الأضواء حتى وإن كان لا يعتقد في جدوى هذا المؤتمر وخطط عون من ورائه.
ويشير المتابعون إلى أن الحريري، المقيم في فرنسا، ينتظر التفاتة سعودية للدخول في السباق الانتخابي، تبدو صعبة المنال في ظل عدم مبالاة الرياض التي سئمت الوعود دون تحقيق نتائج.
ويجمع هؤلاء على غياب شخصيات سنية ذات إشعاع سياسي يمكن الرهان عليها في المرحلة القادمة للعب دور مهم في التوازن السياسي بالمشهد اللبناني والحد من نفوذ حزب الله، وهو ما سيزيد من التشدد في موقف السعودية ويجعلها توجه اهتمامها إلى شخصيات لبنانية أخرى قادرة على الوقوف في وجه حزب الله وإعلان موقفها بشكل واضح بدل أسلوب المواربة الذي اعتمده الحريري ويعتمده رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي والذي يقوم على استرضاء حزب الله وتجنب مواجهته.
وتتجه الأنظار إلى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي يمكن أن يحصل على دعم السعودية وتراهن عليه في أداء الدور الذي فشل فيه الحريري وشخصيات سنية أخرى. وبدأ جعجع يحوّل هذه الفرضية إلى واقع من خلال حرصه على الظهور كطرف حريص على السنة وراغب في التحالف معهم بقطع النظر عن وجود الحريري أو غيابه.
وقال جعجع، في تصريحات إعلامية سارع تيار المستقبل الذي يقوده سعد الحريري إلى انتقادها، “الأكثرية السنية هم حلفاؤنا بطبيعة الحال على المستوى الشعبي لا القيادي، وكل من لديه نفس طروحاتنا سيكون هناك انسجام معه، والأمور لم تعد تحتمل هدنات”.
وحرص رئيس القوات اللبنانية على أن يقدم حزبه كخيار وطني جامع ضد حزب الله، وهو مسار قد يجد فيه دعما واسعا داخليا وخارجيا، حيث قال “إننا كقوات سنكون ضمن لوائح في كل المناطق اللبنانية من الطوائف كافة، ببرنامج واضح لإنقاذ لبنان”.
ولم يخف موقفه الواضح المنحاز إلى السعودية ومصالحها بقوله “في ما يتعلق بكيفية استفادة بلدي من خلال علاقتنا مع السعوديين، فهي علاقة صداقة ونظرة مشتركة للأمور في ما يتعلق بلبنان، والكثير من القضايا الخاصة بالمنطقة، ويمكننا أن نفيد بلدنا بالتواصل معها والإقرار بأن السعودية ليست بلدا يستهان به في المنطقة، إذ أنه بلد يتمتع بثقل سياسي”.
ويعيش المكون السني في لبنان -الذي أضعفه غياب قيادات سياسية قادرة على التغيير- فراغا سياسيا، ما يجعله جاهزا للاستغلال من قبل قوى سياسية منافسة تسعى لتكريس رؤيتها بعد الانتخابات النيابية المزمع عقدها في مارس القادم والتي يشير مراقبون إلى أنها قد تقلب خارطة التحالفات والتوازنات البرلمانية.
العرب