سياسة أقل في الخليج، لكنْ نفط أكثر

سياسة أقل في الخليج، لكنْ نفط أكثر

الرياض – بدأت دول الخليج تغيّر استراتيجيتها في العلاقات الخارجية تغييرا كاملا، بشكل تتراجع فيه الأولوية السياسية وتترك مكانها للعلاقات الاقتصادية، وخاصة ما تعلق بتوسيع دائرة اتفاقيات النفط مع الدول الكبرى المستهلكة له، وهو ما تعكسه الزيارة التي قام بها أربعة وزراء خارجية إلى الصين وتستمر خمسة أيام، في ظل ارتفاع كبير في أسعار النفط الذي يعتمد عليه العملاق الآسيوي كثيرا في اقتصاده.

وقال مراقبون إن الخليجيين وجدوا أن الاستغراق في القضايا السياسية يراكم المشاكل أكثر مما يجلب المصالح، مشيرين إلى تبني الإمارات استراتيجية تصفير المشاكل مع دول في المنطقة مثل إيران وتركيا، وأن السعودية ذاتها تدفع نحو حوار مع إيران يحد من التوترات الأمنية التي تعيق المملكة عن تنفيذ استراتيجية اقتصادية كبرى تراهن على الاستثمار في التكنولوجيا المتطورة والطاقة النظيفة والسياحة والترفيه.

ويزور الصين وزراء خارجية كل من السعودية والكويت وسلطنة عُمان والبحرين، من الاثنين حتى الجمعة. ولئن لم يقدم البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الصينية أسباب هذه الزيارة الجماعية فإن المراقبين يعتقدون أن محور هذه الزيارة سيكون موضوع الطاقة، وضمان حصول بكين على الإمدادات الكافية من النفط، خاصة في ظل الاضطرابات التي تشهدها كازاخستان، العضو في تحالف أوبك+، ما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط.

دول الخليج بدأت تعيد حساباتها باتجاه الاستفادة أكثر ما يمكن من عائدات النفط وتوظيفها في مشاريع كبرى

والصين هي أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، وقد أدى الانتعاش الاقتصادي العالمي في الأشهر الأخيرة إلى ارتفاع حاد في أسعار كل مصادر الطاقة، خصوصا الغاز والنفط.

وتستورد الصين من الخليج 40 في المئة من احتياجاتها من النفط، وسط توقع الوكالة الدولية للطاقة أن يذهب نحو ربع تصدير دول مجلس التعاون إلى الصين في 2040.

وتعد السعودية أكبر مصدّر للنفط الخام إلى الصين، وتعتمد بكين على قطر في الحصول على حاجتها من الغاز المسال.

وبين الصين والإمارات علاقات وطيدة، حيث تعد الشريك التجاري الأول لها بنحو 53.3 مليار دولار سنويّا من التجارة غير النفطية. كما أنها الشريك التجاري الرئيسي للكويت.

وبحسب صحيفة “غلوبال تايمز” اليومية التي تصدر بالإنجليزية، قد تساهم زيارة الوزراء الخليجيين في “إحراز تقدم” في المناقشات حول اتفاق التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي.

وتستفيد دول الخليج من التنافس الأميركي – الصيني لتوسيع دائرة تحالفاتها وتمتينها مع مختلف القوى الدولية الكبرى. كما تسعى لأن تكون في قلب المشروع الصيني العملاق “الحزام والطريق”.

وفي مسار آخر من موضوع النفط تسعى دول الخليج لتنسيق المواقف داخل أوبك+ من أجل تأثير خليجي أكبر في المنظمة التي تحدد سقف الإنتاج المعروض وتتحكم في أسعار النفط. كما تحوز مشاريع الطاقة البينية أهمية كبرى لدى دول الخليج.

وبحث وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان الاثنين في الرياض مع وزير الطاقة والمعادن في سلطنة عمان محمد الرمحي “التنسيق داخل أوبك+، إلى جانب رؤيتهما لتطورات سوق النفط”.

وكان مصدر نفطي خليجي قال في وقت سابق لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن الوزيرين يستعرضان خلال المباحثات “أوضاع السوق النفطية في ضوء قرار تكتل أوبك+ الأسبوع الماضي الالتزام بالزيادة المزمعة في إنتاج النفط لشهر فبراير المقبل، ما يعكس تراجع حدة المخاوف من تكوّن فائض كبير من النفط في الربع الأول”.

وقال المصدر النفطي إن الوزيرين “سيبحثان أيضا ما تم إنجازه على صعيد تفعيل مسار التعاون الثنائي بين البلدين في مجال الطاقة”.

ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن دول الخليج بدأت تعيد حساباتها باتجاه الاستفادة أكثر ما يمكن من عائدات النفط وتوظيفها في مشاريع كبرى لبناء اقتصاديات جديدة تعتمدها ضمن استراتيجياتها في التقليل من الاعتماد على النفط خلال السنوات القادمة، مع توجه دولي نحو الرهان على الطاقة النظيفة.

ولأجل هذا تحرص الدول الخليجية على زيادة مقدراتها الإنتاجية من النفط مع الحفاظ على الخط التصاعدي للأسعار.

وسبق أن أعلنت الإمارات خطة استثمارية لإنفاق 127 مليار دولار خلال الفترة 2022 – 2026، كما أعلنت زيادة الاحتياطيات الوطنية للإمارات من النفط والغاز، وهو ما من شأنه أن يجعل البلاد قطبا إقليميا حاسما في مجالي النفط والغاز. ونجحت أيضا في الرفع من حصتها ضمن تحالف أوبك+ إلى 3.5 مليون برميل يوميًّا بدءًا من مايو 2022 بعد جدل مع شركائها.

وضمن هذا المسار أعلن العراق خططا لإنجاز مشاريع عملاقة في قطاعي النفط والغاز في الناصرية بمحافظة ذي قار بالتعاون مع شركة شيفرون الأميركية، ومشاريع أخرى واعدة في مجال الطاقة النظيفة واستثمار الغاز بالتعاون مع شركة توتال الفرنسية.

العرب