ما زال العراق يشهد تداعيات كارثية منذ قرار الكونغرس الأميركي يوم 11 يناير/كانون الثاني 1991 تفويض الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الأب استخدام القوة العسكرية لإخراج القوات العراقية من الكويت.
وبعد 3 عقود على التفويض صوتت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، في أغسطس/آب 2021، على إبطال التفويضات المتعلقة بحرب العراق، ومنها تفويض عام 1991 الخاص بحرب الخليج الثانية.
منذ الساعات الأولى لاجتياح القوات العراقية للكويت، دخلت الولايات المتحدة على خط الأزمة، وقد صرح الرئيس الأميركي جورج بوش الأب في المجالس الخاصة والعامة بشكل واضح بأن النفط هو المحرك الأساسي لتدخل الولايات المتحدة، فضلا عن أن أمن الخليج العربي ودوله ضمن الإستراتيجية الأميركية منذ الانسحاب البريطاني من هذه المنطقة عام 1971، بحسب رئيس قسم الدراسات السياسية والإستراتيجية في مركز الدراسات الإقليمية بجامعة الموصل الدكتور ميثاق خير الله جلود.
ويضيف جلود للجزيرة نت أن ساسة البيت الأبيض كانوا حريصين على كسب تفويض الكونغرس للذهاب إلى الحرب، وكل ما أعلنته الولايات المتحدة عن الخيارات الدبلوماسية لم يكن سوى أداة لكسب الداخل الأميركي، فضلا عن إتمام الاستعدادات العسكرية، وما يؤكد ذلك اجتماع جنيف بين وزير الخارجية الأميركي وقتذاك جيمس بيكر ووزير الخارجية العراقي طارق عزيز، إذ لم يأت بيكر بعرض دبلوماسي، وإنما جاء بإملاءات وتهديد لا أكثر.
وعلى الصعيد الدولي، قام المسؤولون الأميركيون بجولات بين عواصم عدة دول لكسب التأييد لقرار الحرب، تارة بدفع الأموال وتارة أخرى بالتهديد، كما حصل مع اليمن عندما رفض ممثلها التصويت لصالح قرار الحرب، فنجحت الولايات المتحدة في تشكيل تحالف مكون من 33 دولة، 28 منها شاركت بقوات قتالية، فتم حشد نحو 750 ألف جندي في منطقة الخليج العربي، في أكبر حشد عسكري بعد الحرب العالمية الثانية، بحسب جلود.
ويشار إلى أنه بعد قرار التفويض باستخدام القوة العسكرية، صرح الرئيس بوش بأنه حتى وإن لم يصوت الكونغرس لقرار الحرب فإنه كان سيذهب لإخراج الجيش العراقي من الكويت.
ويتابع جلود “بعد إخراج القوات العراقية من الكويت وتدمير آلته العسكرية، باشرت الولايات المتحدة باستكمال خطوات إستراتيجيتها في العراق بإحكام الحصار الاقتصادي، وفرض قرارات أممية بالقوة العسكرية، ومن ثم اتخاذ قرار حاسم بإسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بعد فشل الحصار الاقتصادي في تحقيق هدفه الأساسي، لذلك أقدمت الولايات المتحدة خارج إطار الشرعية الدولية على غزو العراق عام 2003 واستكملت ما بدأته عام 1990.
الشاهر أكد أن العراق قدم التعاون الكامل مع لجان التفتيش الدولية – الصحافة العراقيةالشاهر: القصف التمهيدي على العراق استمر أكثر من 40 يوما (الصحافة العراقية)
مراحل الحرب
وعن أبرز مراحل حرب الخليج الأولى التي اندلعت بعد أقل من أسبوع على قرار التفويض، يقول اللواء المتقاعد والخبير العسكري عبد الخالق الشاهر إن الحرب مرت بمرحلتين، الأولى كانت مرحلة القصف التمهيدي، الذي عادة لا يزيد عن ساعة لكنه في هذه الحرب استمر أكثر من 40 يوما، أي نحو ألف ساعة، ولم يعترض أحد كما اعترضوا على الساعة الواحدة عند استعادة الجيش العراقي مدينة الفاو من القوات الإيرانية.
ويضيف، في حديثه مع الجزيرة نت، أن المرحلة الثانية كانت مرحلة الهجوم البري، ويعتقد البعض أنه حُسم بفترة قصيرة، ويقولون إن أميركا انتصرت خلال 17 أو 20 يوما، وينسون القصف التمهيدي الذي استمر أكثر من 40 يوما.
ويتطرق الشاهر إلى طريق الموت الذي كان يمر عبر الصحراء وكانت حركة القوات العراقية فيه كبيرة، وبالتالي أمست صيدا سهلا للطائرات المتطورة التي كانت تشن هجماتها ليلا وأحدثت خسائر كبيرة.
ويروي اللواء العراقي أنه شاهد على تلك الأحداث عندما كان رئيس أركان فرقة في حفر الباطن الواقعة على طريق الموت، مؤكدا أن هذا القصف مؤثر، لكن الجيش العراقي لم يدمَّر كله في طريق الموت، ولم تكن فيه سوى فرقتين أو 3 من أصل من 40 فرقة تنتشر في العراق.
ويؤكد الشاهر أن أهداف القصف شملت كل ما يتعلق بالبنية التحتية العراقية من كهرباء وغيرها، وكانت الضربات مدمرة، واستمرت الولايات المتحدة في عدوانها حتى بعد انسحاب العراق من الكويت لأنها لا تمتلك أخلاق السياسة، واليوم بعد كل ما حصل يتأكد لنا أن هدفها كان تدمير العراق بالكامل.
اجتياح الكويت
وكان العراق قد غزا الكويت في الثاني من أغسطس/آب 1990، وأعلن ضمها واعتبارها محافظة عراقية، كما يقول الخبير الإستراتيجي الدكتور فارس تركي.
ويبيّن تركي في حديثه للجزيرة نت، أن القوات العراقية التي غزت الكويت تتكون من 7 فرق عسكرية من قوات الحرس الجمهوري، وتم تقسيمها على عدة محاور.
ويعزو تركي أهم أسباب الغزو العراقي للكويت بشكلٍ عام إلى الخلافات التاريخية على الحدود، وكذلك مسألة النفط حيث اتهم العراق كلا من الكويت والإمارات بالتسبب في إغراق أسواق النفط وخفض أسعاره لإضرار العراق الذي كان يمر بأزمة اقتصادية خانقة نتيجة الديون المترتبة عليه جراء حربه مع إيران، وكذلك كان العراق يتهم الكويت بسرقة النفط العراقي من خلال القيام بأعمال تنقيب غير شرعية في حقل الرميلة النفطي، وهو حقل مشترك بين البلدين، إذ يطلق عليه في الكويت حقل الرتقة.
ويتابع القول إن الجانب العراقي كان يطالب الكويت والسعودية بإلغاء ديونها عليه على اعتبار أن هذه الديون جاءت أساسا نتيجة للحرب العراقية الإيرانية التي يعدها الجانب العراقي حربا خاضها بالنيابة عن العرب عامة، وعن دول الخليج العربي خاصة، إلا أن دول الخليج رفضت هذه المطالب، وربطت تنفيذ البعض منها بقضية ترسيم الحدود، الأمر الذي تسبب في مزيد من التوتر والاحتقان بين الجانبين.
ويذكر تركي أن الرئيس العراقي صدام حسين تجاهل الرفض العربي والدولي لغزو الكويت، وبقي متشبثا بموقفه، ليتبلور في النهاية تحالف دولي عسكري بقيادة الولايات المتحدة، نجح في إخراج العراق من الكويت وتدمير جزء كبير من قوته العسكرية.
تداعيات على العراق
بدوره يرى الكاتب والباحث نبيل عبد الأمير الربيعي أن السبب الحقيقي لغزو الكويت هو اللقاء الذي دار بين السفيرة الأميركية أبريل كاثرين غلاسبي وصدام حسين قبل غزو الكويت، وما فهمه صدام منها بتلميح أميركي هو موافقة على الغزو، وهو فهم خاطئ أعطى أميركا ذريعة للدخول إلى الوطن العربي من بوابته الشرقية.
ويتحدث الربيعي للجزيرة نت عن تداعيات غزو العراق للكويت، إذ تسبب في أضرار فادحة بقطاعات الحياة المختلفة اقتصاديا واجتماعيا وصحيا، ورغم تحسن العلاقات بين العراق والكويت بعد أبريل/نيسان 2003، فإن العراق استمر في تسديد تعويضات الأضرار التي حصلت في اقتصاد الكويت حتى إكمالها قبل عدة أيام.
ويضيف أن ملف المفقودين من الجانبين لم يغلق لحد الآن، إذ لا تزال أسر كويتية وعراقية تجهل مصير أبنائها، كما أن البنى التحتية العراقية قد دمرت بالكامل بالهجوم واسع النطاق الذي شنته قوات التحالف على العراق، فضلا عن سنوات الحصار التي عانى منها الشعب العراقي، مما أثر على الحالة الاقتصادية والنفسية لأبناء العراق، وبدأت مرحلة هجرة العناصر المهمة التي كان البلد بحاجة لها.
وعن انتهاء تداعيات غزو العراق للكويت، يؤكد الربيعي أن ملف دفع التعويضات للكويت قد طوي بحيث سدد العراق 52.4 مليار دولار، وأوفى بذلك بكافة الالتزامات التي فرضت عليه بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة عام 1991.
وصادقت لجنة الأمم المتحدة للتعويضات التي تأسست عام 1991 على هذه الأموال التي تستقطع بنسبة 5% تُفرض على مبيعات النفط والمنتجات البترولية من العراق، وتوزع التعويضات على الأفراد والشركات والمنظمات الحكومية والمنظمات الأخرى الذين تعرضوا لخسائر ناجمة مباشرة عن الغزو والاحتلال.
المصدر : الجزيرة