حراك مضاد ورقة الجيش لإخماد المظاهرات في السودان

حراك مضاد ورقة الجيش لإخماد المظاهرات في السودان

الخرطوم – يتحرك المكون العسكري في مجلس السيادة السوداني في اتجاهات مختلفة بحثا عن استقطاب كتل جديدة تشكل ظهيرا شعبيا له مع توالي مظاهرات القوى المدنية في الشارع، وتأكيد أن هناك آراء أخرى مناوئة لما يرفعه المتظاهرون من شعارات، في خطوة تعدّ مقدمة لإمكانية تسيير حشود مضادة تدعم مواقفه الأيام المقبلة.

والتقى نائب رئيس مجلس السيادة في السودان الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) بقيادات في الإدارات الأهلية، ودعا إلى ضرورة دعم ومساندة التوافق الوطني في البلاد، مشددا على أهمية حيادها وعدم انحيازها لأي طرف لتكون مؤهلة لمواجهة من يقفون ضد إرادة الشعب السوداني ورغبته في الوفاق.

ويريد حميدتي أن تقوم الإدارات الأهلية بأدوار معارضة لما تذهب إليه القوى المدنية في الشارع، وعبر عن ذلك بمطالبته بأن “تقوم بواجبها التاريخي بالتواصل مع جميع المكونات السياسية والاجتماعية لإقناعها بالسير في اتجاه الوفاق الوطني”.

وتوقعت مصادر قريبة من المكون العسكري لـ”العرب” أن تفرز الخطوات على مستوى الإدارات الأهلية عن تحركات موازية في الشارع، في ظل وجود قناعة لدى الأطراف القابعة على رأس السلطة بأن تلك القوى لم تعبر عن نفسها في الشارع بالصورة الكافية، ومن المنطقي أن يوجد حراك يعبر عن الطرف الآخر خلافا لما تروج له أحزاب وقوى سياسية ينتمي معظمها إلى تيار اليسار.

مجدي عبدالعزيز: العمق القبلي يشكل ظهيرا سياسيّا للمكون العسكري

وتشكل الإدارات الأهلية والطرق الصوفية وفئات اجتماعية غير منتمية إلى تيارات سياسية محددة وفلول النظام السابق وحركات مسلحة وقعت على اتفاق جوبا للسلام، ظهيرا مناسبا للمكون العسكري نحو خلق وضعية تفاوضية مناسبة له حال نجحت مساعي الأطراف الدولية في بدء عملية سياسية جادة، خاصة أنها تمثل أداة مهمة لدعم الوصول إلى مرحلة الانتخابات والتكتلات الشعبية والسياسية التي تحسمها.

ويرى مراقبون أن الارتكان إلى الإدارات الأهلية التي يمثلها قادة وشيوخ ونظار القبائل تتطابق مع ما أقدم عليه الرئيس السابق عمر البشير، لكنه لم يستطع أن يشكل هؤلاء ظهيرا يحميه من غضب الشارع.

وذهب المحلل السياسي مجدي عبدالعزيز إلى أن الإدارات الأهلية واحدة من الكيانات المؤيدة لخطوات قائد الجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، وأن غالبية القادة لديهم اهتمام بالتواصل معهم للرد على الأقاويل التي ترددت بشأن عدم وجود حاضنة سياسية، ومع أنها تشكل بعدا تقليديا للأطراف الموجودة على رأس السلطة إلا أن عمقها الشعبي ممتد وتستطيع التأثير في توجهات قطاع كبير من المواطنين.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “حميدتي عقد الفترة الماضية اجتماعات عديدة مع نظار وعمداء وزعماء القبائل بهدف التأكيد على أن هناك تيارا شعبيا في الولايات يدعم خطوات المكون العسكري، والأمر ذاته بالنسبة إلى الكثير من شيوخ الطرق الصوفية الذين أظهروا دعما لمواقف القادة العسكريين”.

وأكد عبدالعزيز أن وجود عمق قبلي يشكل ظهيرا سياسيا للمكون العسكري أمر معتاد، بل إن الأحزاب التاريخية، مثل حرب الأمة القومي، كان سندا شعبيا مهما للجيش، وهو يتشكل من قبائل فاعلة في العديد من الولايات (المحافظات)، وحقق نتائج إيجابية في الانتخابات التي خاضها محمولا على أكتافها قبل أن يتحول إلى قوة حزبية حديثة.

وينظر البعض إلى أن أداء الإدارات الأهلية لشرق السودان القسم أمام نائب رئيس مجلس السيادة قبل أيام لوضع حلول تُنهي الأزمة العالقة في منطقتهم، تزامن مع إطلاق مبادرة شعبية وقبلية قادها السلطان أحمد حسين أيوب، حفيد مؤسس سلطنة الفور، بعنوان “صفر كراهية” تهدف إلى دعم السلام والاستقرار في إقليم دارفور، كلها مؤشرات تشير إلى دور كبير لتلك القوى في المستقبل القريب.

ويرى المكون العسكري أن الشعارات التي يرفعها الشارع “لا تفاوض ولا شراكة ولا مساومة” غير قابلة للتطبيق، ودفع القوى التي تدعم هذه الشعارات يجب أن يكون من خلال إيجاد قوى موازية ودعمها للتقدم إلى صدارة المشهد، وتوظيف حالة الانقسامات والاتهامات المتبادلة بين القوى السياسية التي وصلت ذروتها بين قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) والحزب الشيوعي.

وأبدت قوى الحرية والتغيير أسفها لموقف الحزب الشيوعي المناوئ لوحدة قوى الثورة، لأنه يصب في مصلحة “سلطة الانقلاب” ويسخر الأجهزة لتفتيت القوى المدنية الديمقراطية، ومن غير اللائق تقديم خدمات مجانية بزيادة الهوة بين مكونات الثورة.

ورد الحزب الشيوعي عليها بتأكيده أن “التحالف الحكومي السابق خان الثورة وطعنها من الخلف قبل أن يخونها البرهان بفعل تواجده على رأس السلطة التنفيذية، وأنها فرضت أجندة أجنبية ومشبوهة وتعد ضمن الأسباب التي أدت إلى خروج الحزب الشيوعي من قوى الحرية والتغيير”.

وأوضح عضو المبادرة الإقليمية في شرق السودان وليد محمد علي، أن المشهد بوجه عام يشير إلى أن هناك انقلابا على السلطة لديه بعض الدعائم الاجتماعية، التي يستند عليها لإدارة الدولة ويحاول أن يخلق له قاعدة جديدة.

وذكر لـ”العرب” أن “هناك من يتواصلون مع المكونات والإدارات الأهلية، غير أن تلك الخطوات يحاول البعض إقحامها في صراع مجتمعي، بينما المفترض أن دورها ينحصر في البحث عن مصالح مجتمعها وليس الدخول في خلافات القوى السياسية”.

وأكد أن المكون العسكري لن يحقق أهدافه التي يسعى إليها من وراء تلك التحركات لأن السودان بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد بين كافة القوى، على أن يتم ترك مسألة ممارسة السياسة للأحزاب والنخب والقوى المدنية.

كما أن مواقف الإدارات الأهلية التاريخية لا يمكنها أن تدخل في صدام مباشر مع تطلعات الشعب أو تتصدى لما يبحث عنه المواطنون، ومن مصلحتها أن تحافظ على التماسك المجتمعي ولا تدعم تفكيكه أكثر من اللازم.

العرب