تسعى الأحزاب المارونية (القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر) إلى استثمار انكفاء تيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري لتعزيز قاعدتها الانتخابية من خلال أصوات المكون السني التي يشير مراقبون إلى أنها أقرب إلى جعجع منه إلى باسيل، في وقت ترفض قيادات تيار المستقل أن يخلف بهاء الحريري شقيقه سعد في قيادة الحزب.
بيروت – لا يزال تيار المستقبل يناقش الخيارات البديلة في حال استمر رئيس الحزب المنسحب من الحياة السياسية سعد الحريري التمسك بموقفه، فيما تسعى أطراف سياسية عدة إلى استقطاب أصوات المكون السني الأكثري في الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في مايو القادم كحزبي القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع والتيار الوطني الحر الذي يتزعمه جبران باسيل صهر الرئيس اللبناني ميشال عون.
وفي غياب زعيم سياسي سني، وهو أمر يضعف مكونا أساسيا داخل المعادلة السياسية اللبنانية، يسعى بهاء الحريري شقيق سعد الحريري الأكبر، إلى طرح نفسه بديلا عن شقيقه لقيادة ما يعرف بالحريرية السياسية في لبنان، إلا أن مساعيه تعترضها أصوات رافضة لذك.
وقال نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش إنّه “حتى اللحظة لا تغيير في موقف رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، والأمور هي قيد النقاش، ونحن ندرس ما هي الخيارات البديلة في حال استمرار الحريري بقراره”.
ولفت في حديث تلفزيوني إلى أنّ “معلوماتنا تشير إلى أن الحريري سيكون قبل الرابع عشر من فبراير في لبنان، وأنا أول شخص يلتزم بقرار تيار المستقبل، وحتى هذه اللحظة لست مترشحا ولست مشاركا بالانتخابات النيابية، موضحا “لا أطرح بهاء الحريري كبديل عن سعد الحريري وأعتبر بهاء مترشحا مثله مثل باقي المترشحين للانتخابات”.
بهاء الحريري: ابن الشهيد رفيق الحريري ما يترك لبنان، سأكون بينكم
ويقول مراقبون إن الفراغ القيادي السني في لبنان سيستمر لفترة طويلة، معتبرين أنه لا يبدو أن هناك مترشحا جديا قادرا على خلافة الحريري: لا شقيقه بهاء الذي عاد مؤخرا إلى لبنان للدفاع عن خط متشدد ضد حزب الله، ولا نجيب ميقاتي رئيس الوزراء الحالي، ولا رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة الذي تقول مصادر إنه يعمل من خلف الستار لقيادة تيار المستقبل في الانتخابات القادمة.
وقال بهاء في كلمة له مؤخرا “ابن الشهيد رفيق الحريري ما يترك لبنان، موجودون معكم وقريبا جدا سأكون بينكم”.
وذكر مستشاره الإعلامي جيري ماهر إنه لن يترشح في الانتخابات وإنه عوضا عن ذلك، سيساند قوائم انتخابية في أنحاء لبنان تحت شعار “سوا للبنان” وهي حركة أسسها وموّلها بهدف الإصلاح.
ويؤكد مراقبون أن سعد الحريري لن يتراجع عن قرار انسحابه من الحياة السياسية، وبالتالي فإن أصوات المكون السني تشغل بال عدد من الأحزاب السياسية التي تريد الاستفادة منها لتدعيم قاعدتها الشعبية والبرلمانية، ومن أبرزها حزب القوات اللبنانية بقيادة جعجع الذي غازل صراحة في عدة مناسبات أبناء الطائفة السنية وحزب التيار الوطني الحر الذي يسعى بدوره إلى تحقيق مكاسب انتخابية تعززها أصوات السنة.
ويفتح انكفاء الحريري وتياره أمام جعجع، المنتقد الأبرز لحزب الله، الأبواب لتدعيم قاعدته الانتخابية داخل المكون السني وتحقيق مكاسب انتخابية.
ومؤخرا، غازل جعجع المكون السني الأكثري، في خطوة يقول مراقبون إنها ربما جاءت بتشجيع سعودي.
وقال جعجع في تصريحات إعلامية “الأكثرية السنية هم حلفاؤنا بطبيعة الحال على المستوى الشعبي لا القيادي، وكل من لديه نفس طروحاتنا سيكون هناك انسجام معه، والأمور لم تعد تحتمل هدنات”.
وتشير دوائر سياسية إلى أنه لا توجد شخصية سنية جديدة تتمتع بالدعم السعودي الضروري لوجودها السياسي، لكنها تشير إلى أن جعجع ربما يلقى تشجيعا سعوديا لملء الفراغ.
ويعيش المكون السني في لبنان، الذي أضعفه غياب قيادات سياسية قادرة على التغيير، فراغا سياسيا ما يجعله جاهزا للاستغلال من قوى سياسية منافسة تسعى إلى تكريس رؤيتها بعد الانتخابات النيابية المزمع عقدها في مايو القادم، والتي يشير مراقبون إلى أنها قد تقلب خارطة التحالفات والتوازنات البرلمانية في لبنان.
وأدى قرار الحريري، الذي تولى رئاسة الوزراء ثلاث مرات ويرأس التكتل السني الرئيسي في لبنان، بمقاطعة الاقتراع والتراجع عن الحياة العامة إلى قلب السياسة اللبنانية رأسا على عقب قبل أربعة أشهر من الانتخابات.
وستؤثر مقاطعة الحريري وتيار المستقبل الذي يتبعه على العشرين مقعدا التي حصل عليها في انتخابات 2018، والعديد من المقاعد التي فازت بها جماعات أخرى لها تحالفات محلية مع تيار المستقبل.
المكون السني في لبنان يعيش فراغا سياسيا ما يجعله جاهزا للاستغلال من قوى سياسية منافسة
ويبدو أنصار تيار المستقبل وداعموه أقرب لمنح أصواتهم لحزب القوات اللبنانية على حساب التيار الوطني الحر، حليف حزب الله، إذا لم يتراجع سعد الحريري عن قراراه في الأيام القادمة.
وسعى الرئيس اللبناني ومؤسس التيار الوطني الحر ميشال عون مؤخرا إلى تحريض السنة على عدم منح أصواتهم لجعجع، مستذكرا ما قال إنها “خيانة” جعجع لزعمائهم في وقت سابق.
ويعني دعم السنة لجعجع تحقيق مقاعد برلمانية أكبر لحزب القوات اللبنانية على حساب التيار الوطني الحر، الذي سيتراجع ويفقد بذلك تأثيره داخل البرلمان المرتقب وخارطة التحالفات فيه التي ستنعكس بدورها على تزكية رئيس الجمهورية، إذ دأب العرف السياسي على أن يكون رئيس الجمهورية من الأغلبية المسيحية الفائزة في الانتخابات التشريعية.
وتشير أوساط لبنانية إلى أن صراحة جعجع ومواقفه في الفترة الماضية -خاصة معارضته للنفوذ المتزايد لحزب الله- قد خدمتاه وخدمتَا القوات على حساب التيار الوطني الحر، الذي ينتظر أن يحصل على نتائج مخيبة للآمال بعد تراجع شعبيته داخل بيئته المسيحية.
العرب