العراقيون المعروفون بقدرتهم على الصبر والاحتمال بدأوا يفقدون هذه الطاقة في مواجهة أوضاع صعبة، لا قبل لهم بها، مقترنة بسيناريوهات مأساوية تطبّق عليهم على مدار الساعة، فتفقدهم احتمالهم، وتسلبهم قدرتهم على الصبر، وجديد ما يواجهونه اليوم خيبة أملهم في الانتخابات البرلمانية التي أرادوها “مبكّرة”، كي ترسم لهم طريقا آخر، على الرغم من أن النسبة العالية منهم حسمت أمرها منذ البداية، وقرّرت مقاطعة العملية الانتخابية لقناعتها أن لا شيء جديدا يمكن أن يحدُث في ظل القوانين والإجراءات الحالية التي تحكُم هذه العملية. ولا أحد من داخل “البيوت” السياسية الحاكمة يمكن أن يفكّر في قلب الطاولة على رؤوس القابضين على السلطة، ما دامت قسمة المناصب والمواقع والأموال المنهوبة تتم حسب الرؤوس. ولا أحد من خارجها يمكنه أن يعلّق الجرس في الحال الحاضر، ما دامت هناك قوى إقليمية ودولية وحدها تحدّد الرؤية وتملك القرار، وما دامت الظروف لم تنضج بعد لتشكيل قوةٍ شعبيةٍ فاعلةٍ تستطيع تحريك المسار، وليس ثمّة مشروع وطني ماثل يمكن أن يوحد ويؤثر ويغيّر. وقد انكفأت “ثورة تشرين”، وانقسم “الثوار” حول أولوياتهم، وحتى الأحزاب “الثورية” التي سادت في الماضي فقد بادت بفعل شيخوختها وعجزها عن إدراك الحال.
وإذا كان العراقيون يبحثون عن الخلاص، ولو بقشّة، فقد تنادى كثيرون منهم إلى الإمساك بالقشّة التي لوح بها لهم زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي حصل على 75 مقعدا في البرلمان الجديد، طارحا فكرة تشكيل “حكومة أغلبية وطنية لا شرقية ولا غربية”، قال إنها سوف تلتزم بالإصلاح السياسي ومحاربة الفساد وحل المليشيات، وتضع السلاح بيد الدولة، وتتصدّى للتدخلات الخارجية، وتتناغم هذه “الشعارات” الوردية مع ما يطمح إليه العراقيون، وما يسعون إلى تحقيقه، لكن الشكوك تراودهم في حقيقة هذا “الانقلاب” الجديد للصدر، وقد اختبروا، أكثر من عقد، تقلباته الزئبقية، وجمعه بين مواقف بعينها وأضدادها.
العربي الجديد