متى يكتشف بوتين “المتهور” إصرار بايدن “النعسان” على الحرب؟

متى يكتشف بوتين “المتهور” إصرار بايدن “النعسان” على الحرب؟

أهلاً وسهلاً إلى الـ 48 ساعة الأخيرة في أوروبا قبل الحرب، هكذا بشرت عناوين الصحف في شرق أوروبا. أحقاً؟ من الصعب التصديق بأن الحكم الروسي الحالي تحت قيادة الرئيس بوتين يتطلع إلى احتلال أوكرانيا. هذا باهظ وزائد. لا تملك أوكرانيا كنوزاً طبيعية كامنة وليس ذات اقتصاد يعزز روسيا، بل سيضعفها حتى النخاع. غزو أوكرانيا بدبابات سيعزز صورة روسيا كدولة يقودها جنرالات مغامرون وخريجو جهاز المخابرات الـ كي.جي.بيه المغامرون والمنقطعون عن الواقع. ضرر بلا منفعة.

ما الذي يريده الرئيس بوتين؟ يتطلع لإخضاع أوكرانيا بالتهديد والضغوط، وربما بعملية هجومية محدودة على مؤسسات الحكم في كييف، رداً مزعوماً على استفزاز أوكراني لا أساس له من الصحة. وكل ذلك كي يجعلها دولة تسير في ظل روسيا ومنطقة فاصلة بينها وبين دول شرق أوروبا الأعضاء في حلف الناتو. عندما يطالب بوتين بتطبيق “اتفاقات مينسك”، فإنه يقصد الاتفاقات في 2014، التي تمنح حكماً ذاتياً لمنطقتين (لوغانسكي ودونسكي) اللتين نزعتهما روسيا من أوكرانيا بالقوة فتجعلهما جمهورية ظل روسية. ومن هناك يتطلع لمواصلة ضم أوكرانيا لـ “حلف الأمن الجماعي” الذي يضم في عضويته، إلى جانب روسيا، بيلاروس، وأرمينيا، وكازخستان، وكردستان، وطاجكستان. والمعنى: الاعتراف بضم شبه جزيرة القرم، وفرض هيمنة سياسية وعسكرية روسية في باقي أجزاء أوكرانيا. هذه الأهداف، كما يقتنع الكرملين، يمكن تحقيقها دون سفك (أو سفك بضع قطرات فقط) دم جنود روس يرابطون حول أوكرانيا، جنود تعبون وغارقون في الوحل ومتجمدون من البرد.

إن تطلعه لتجديد أيام مجد الإمبراطورية الروسية، الشيوعية وما قبل الشيوعية، عبر بوتين عنه علناً في خطابات. في 2005 وصف تفكك الاتحاد السوفياتي بأنه “الكارثة السياسية الأكبر في القرن العشرين”. وأضاف في 2021: “تحت غطاء تصفية الاتحاد السوفياتي، وقع تفكيك روسيا التاريخية. كل ما حققناه في ألف سنة ضاع هباء”. حيال هذه الأحلام الجغرافية – السياسية تتقزم في نظره العقوبات الأمريكية – الأوروبية التي يفترض أن تنفذ إذا ما وعندما يجتاز الجيش الروسي حدود أوكرانيا. العقوبات السابقة في 2014 لم تحرك ساكناً للقيادة الروسية، رغم تأثيرها الخانق على الاقتصاد. وماذا إذا لم يجتز الحدود؟ ماذا إذا هبطت وحدات روسية فقط لقتال خاص في كييف، فسيطرت على مؤسسات الحكم، وشوشت على الاتصالات وأجهزة الحواسيب، وضعضعت النظام العام وأقامت “حكومة إنقاذ” تتشكل من سياسيين أوكرانيين موجودين في موسكو. ويوجد كثيرون من هؤلاء المستعدون للإحلال مكان رئيس أوكرانيا اليهودي زيلنسكي؟ لقد سبق لتغيير الحكومات أن حصل هناك بأمر اعتيادي. فهل ستكون خطوة كهذه أو مشابهة لها مبرراً لاستخدام كل مدافع العقوبات الثقيلة؟

إن العقوبات الاقتصادية المتطرفة ضد روسيا قد تضرب بأوروبا التي تحتاج إلى الغاز والنفط والبضائع الأساسية الروسية. لم تنضم لنظام العقوبات الدولية دول مثل سويسرا الحيادية، وقبرص المتعلقة باستثمارات مالية روسية، والصين المفعمة بالكراهية للغرب بعامة والولايات المتحدة بخاصة، وقطر التي تحافظ على علاقات طيبة مع الجميع. رغم ضعف الاقتصاد الروسي بسبب تضخم مالي من 10 في المئة، ونقص في الأيدي العاملة بسبب الوفيات العالية، وغياب البنى التحتية التكنولوجية المتطورة، وإنتاج للفرد هو نحو خُمس الإنتاج للفرد في إسرائيل، وتعلق خطير بتصدير الطاقة، رغم ذلك فقد نجا من حفرة كورونا، وعاد للنمو وراكم احتياطات عملة أجنبية بمقدار 700 مليار دولار. هذا الإنجاز الهش سيشطب ويصبح انكساراً مع فرض العقوبات.

كل هذه اعتبارات عقلانية. ألا يزال بوتين منطقياً أم أنه انجذب إلى هذيانه الإمبريالي؟ بوتين ينفر من الرئيس بايدن الديمقراطي، الهادئ والأديب، مقابل محبته لترامب الصاخب وفظ الروح. ولنفوره شركاء كثر من المحيطين به في الكرملين. قد يقنع نفسه ويقنعهم بأن تهديدات بايدن مكتوبة على الجليد، وأنه يمثل أمريكا العجوز، التعبة والجبانة التي ليست سوى نمر من ورق. في هذه الحالة، يصل النظام العالمي بين القوى العظمى إلى نهايته بسبب ذاك النوع من التفكر المغلوط الذي يتميز به زعماء طغاة غارقون في عالم من الفقاعة، محوطون بإمّعات ويحلمون في الصيف.

مهما يكن، فإن جو (“النعسان”) بايدن، لن يتراجع. خصوصاً هذه المرة.

القدس العربي