11 سنة على الحرب: الأسد يعود ليحكم قبضته على سوريا

11 سنة على الحرب: الأسد يعود ليحكم قبضته على سوريا

طلعات الاستعراض الجوية المشتركة التي أجرتها طائرات روسية وسورية في سماء سوريا مطلع الشهر الحالي، فُسرت بأنها إشارة من موسكو على خلفية التوترات الدولية بين الدول العظمى، على رأسها خطر الحرب في أوكرانيا. ولكن هذه الطلعات التي مرت إحداها قريباً من حدود إسرائيل استهدفت تحقيق هدف آخر. ومثل استخدام الجيش السوري للصواريخ المضادة للطائرات أثناء هجمات سلاح الجو الإسرائيلي، فإنه استعراض قوة من جانب نظام الأسد. بعد 11 سنة على الحرب الأهلية، يعود الأسد ويعزز مجدداً سيطرته على أجزاء واسعة من أراضي الدولة الأصلية.

بفضل مساعدة قدمتها له روسيا وإيران، وبعد عدة معارك حاسمة في الأعوام 2015 – 2018 بقي الرئيس بشار الأسد في الحكم. إن الجهود الدولية لإزاحة الطاغية السوري الذي يتصدر قائمة القتلة في القرن الواحد والعشرين في هذه الأثناء، تلاشت تماماً. يبث الأسد ثقة متجددة بالنفس ويسيطر على ما يسميه النظام “سوريا الحيوية”، وهي القطاع الكبير نسبياً من اللاذقية غرباً، مروراً بحلب وحمص وحتى العاصمة دمشق، ومن هناك حتى محافظة درعا جنوباً.

بدلاً من سوريا الأصلية هناك أربع مناطق نفوذ منفصلة، وهي: سوريا الأسد، والمنطقة التركية في الشمال، ومنطقة الأكراد في الشمال الشرقي، والمناطق الصحراوية في الشرق قرب الحدود مع العراق والأردن، والتي ما زالت فيها نشاطات متفرقة لمنظمات المتمردين، من بينها فصائل متطرفة متماهية مع “داعش” والقاعدة. مع بداية العام 2022، قال مصدر عسكري إسرائيلي إن الحرب في سوريا انتهت فعلياً: “بعد أن هدأ غبار المعارك، التهمت الأوراق من جديد. يشكل الأسد سوريا الجديدة أمام أنظارنا”.

التغيير ليس جيوغرافياً فقط، بل وديمغرافي. وحسب تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية، فإن حوالي ثلث سكان سوريا الذين تحت سيطرة النظام هم من العلويين، أكثر من ضعف نسبتهم النسبية قبل اندلاع الحرب. ما يقارب 10 في المئة هم من الشيعة مقابل 3 في المئة قبل عشر سنوات. هذه هزة حقيقية، وسيكون لها تأثير كبير على سير الأمور في الدولة. ملايين اللاجئين من السنة الذين تفرقوا خلال الحرب، خصوصاً في دول مجاورة (تركيا، لبنان، العراق، والأردن) وفي عدد من الدول الأوروبية، لن تسمح لأغلبيتهم بالعودة.

التحالف مع الشيعة إلى جانب العلاقات مع أقليات أخرى يسمح لنظام الأسد العلوي بالاعتماد على إخلاص طائفي لنصف السكان تقريباً، الذين هم تحت سيطرته. يتعاون النظام مع جهود إيرانية لضخ سكان شيعة من أرجاء الشرق الأوسط إلى سوريا، وأحياناً يدور الحديث عن عائلات مقاتلين في المليشيات الشيعية التي شاركت في الحرب إلى جانب النظام.

واستمراراً لهرب اللاجئين الجماعي في سنوات الحرب، ثمة الآن مغادرة للمواطنين السنّة، الذين لا يرون لأنفسهم مستقبلاً في سوريا الجديدة. منطقة درعا، التي تبعد 50 كيلومتراً عن الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان، كانت مهد التمرد ضد نظام الأسد في 2011. تم إخضاعها في 2018 بدون قتال عقب تهديد روسيا بتنفيذ قصف يسوي المنطقة بالأرض، مثل الذي دمر المدن التي تحصن فيها المتمردون في شمال الدولة. يبذل النظام جهوداً خاصة لتوطين السكان الموالين له في المنطقة. في السنة الماضية، غادر 8 – 10 آلاف شاب من السنة منطقة درعا. معظمهم هاجروا إلى أوروبا.

ومؤخراً، سيطر سكان شيعة على قريتين في هضبة الجولان، غير بعيد عن الحدود مع إسرائيل. تقام بمساعدة إيران منذ سنوات مؤسسات دينية ومدارس متماهية مع الطائفة الشيعية في الجنوب. في الوقت نفسه، أنشأ “حزب الله” -بمساعدة حرس الثورة الإيراني وشبكات من سكان المنطقة- منظومة لمواقع الرقابة وقواعد لجمع المعلومات قرب الحدود مع إسرائيل. ثمة هجمات بين حين وآخر على طول الحدود بواسطة صواريخ قصيرة المدى أو إطلاق نار القناصة، الموجهة نحو هذه المواقع إلى جانب هجمات جوية كثيرة منسوبة لسلاح الجو. يقوم “حزب الله” بنشاطات على الحدود بواسطة قيادتين، واحدة مسؤولة عن بناء القوة على المدى الطويل، والأخرى لتشغيل الإرهاب ضد إسرائيل. تستمر هجمات في جنوب سوريا لمنظمات المتمردين ضد قوات الجيش والمليشيات الشيعية.

في العقد الأخير، أثرت الأحداث من الطرف الثاني للحدود على علاقة الدروز في هضبة الجولان مع إسرائيل. الإشارة التي بشرت بشيء ما قد تغير، أعطيت بالسرعة التي اختفت فيها صور الرئيس الأسد في المطاعم داخل القرى الدرزية في الجانب الإسرائيلي من الحدود، على الفور بعد التقارير الأولية عن المذابح التي نفذها النظام. تعززت خلال السنوات التي انقضت منذ ذلك الحين، العلاقات مع الدولة، وأحياناً تم التعبير عنها علناً، مثل رفع الأعلام الإسرائيلية على بعض مباني المدارس. جلبت أزمة كورونا للمرة الأولى حضوراً ثابتاً لجنود بالزي الرسمي، وهم جنود الجبهة الداخلية في القرى الدرزية. العلاقات بين هذه القيادة والمجالس المحلية في هضبة الجولان تعتبر الآن أمراً مفهوماً ضمناً.

حكومة بينيت، مثل حكومة نتنياهو قبلها، تكثر من نشر الإخلاص العلني لهضبة الجولان. قبل شهرين وبعد جلسة احتفالية للحكومة في الجولان، أعلن رئيس الحكومة بينيت عن نيته مضاعفة الاستيطان الإسرائيلي في هضبة الجولان. يبدو أن أهوال الحرب الأهلية في سوريا، خاصة في الفترة التي احتل فيها رجال “داعش” والقاعدة مواقع قرب الحدود، زادت من دعم الجمهور في البلاد لإبقاء هضبة الجولان تحت سيادة إسرائيل. ولكن زخم نظام الأسد في جنوب سوريا قد يؤدي إلى محاولة دمشق العودة وزيادة نفوذها على الدروز في هضبة الجولان. يمكن طرح سؤال جديد: من المسيطر هناك خلف الكواليس، إسرائيل أم سوريا؟

       قمع اقتصادي

رغم خفوت المعارك في سوريا، تستمر الضائقة الاجتماعية وتشعر بها الدولة في كل أرجائها. هي خلفية لأزمة محددة برزت مؤخراً حول وضع الدروز في جبل الدروز جنوبي سوريا، على بعد 70 كم عن الحدود مع إسرائيل. حاول الدروز طوال الحرب الأهلية في سوريا تجنب التماهي العلني والصريح مع النظام، رغم أن بعض الشباب خدموا في جيش الأسد. تعامل معهم الرئيس بتشكك، وتم أكثر من مرة اتخاذ خطوات زادت من شدة الوضع الاقتصادي في القرى الدرزية.

مؤخراً، يشعر أهالي جبل الدروز وعاصمة الإقليم، السويداء، بغليان جديد على خلفية الوضع الاقتصادي وقرارات الحكومة تقليص الدعم للمنتجات الغذائية الضرورية. الدروز في سوريا يقلقون أيضاً من خطوات أخرى اتخذها النظام (مثل قرار منع فتح معبر حدودي من المنطقة إلى أراضي الأردن) ومن وجود إيراني متزايد في منطقتهم الذي ترافقه أحداث عنيفة. جرت في الأسابيع الأخيرة مظاهرات كبيرة ضد النظام في جبل الدروز. كما جرت مظاهرات مشابهة في مناطق أخرى في أرجاء الدولة، وجاءت على خلفية اقتصادية.

القلق على مصير الأقارب في سوريا خلق مبادرة في أوساط دروز إسرائيليين للقيام بتجميع إرساليات كبيرة من الغذاء والمواد للشتاء، إلى جانب تبرعات مالية، على أمل نقلها إلى جبل الدروز. وهي عملية مرتبطة باختلافات الرأي داخل الطائفة في إسرائيل، ويعتبرها كثيرون إحراجاً لزعيم الطائفة الروحي الشيخ موفق طريف.

كما نشر جاكي خوري في “هآرتس”، سافر طريف إلى موسكو والتقى موظفين في وزارة الخارجية الروسية. والوزير السابق صالح طريف كان عضواً آخر في البعثة الدرزية. كان هدف الزيارة التأثير على نظام الأسد بواسطة روسيا، وكبح خطواته ضد الدروز في سوريا. كان سفر البعثة بمعرفة وزارة الخارجية الإسرائيلية. زار الشيخ طريف موسكو مرتين في السابق، في 2018 و2020، على خلفية الصعوبات التي يواجهها الدروز في سوريا.

التوتر الداخلي في الطائفة الدرزية بإسرائيل يندمج مع الوضع في أوساط الدروز بهضبة الجولان وسوريا وبمحاولات تأجيج المخابرات السورية وبمعارضة الزعيم الدرزي في لبنان، وليد جنبلاط، للأسد و”حزب الله”. نشرت المنظمة الشيعية عدداً من بيانات الإدانة للدروز في إسرائيل، من بينها هاجم أيضاً زيارة طريف في موسكو ومبادرة إرسال الغذاء والمعدات. تلقى وزير الدفاع بني غانتس، طلبات من أعضاء كنيست دروز لفتح معبر القنيطرة لمرور الإرساليات. في المقابل، الجيش و“الشاباك” يتحفظان على ذلك خوفاً من استغلال سوريا وإيران فتح المعبر لتنفيذ خطوات تخريبية سرية في أوساط الدروز في هضبة الجولان.

لم يتم حتى الآن إحراز أي تقدم في موضوع الإرساليات. باستثناء إظهار حسن النية لطريف، لم تتدخل موسكو في هذه المسألة. مصدر أمني إسرائيلي عبر في هذا الأسبوع عن الشك إذا كان نظام الأسد سيستجيب للضغط وسيوافق على نقل إرساليات المساعدة لجبل الدروز وبشأن وصول هذه الإرساليات إلى هدفها في نهاية المطاف. “على الأكثر، سيتم استغلال هذه الإرساليات لتحسين وجبات الإفطار المقدمة لضباط الفرقة السابعة في الجيش السوري المتمركزة في جنوب الدولة”، قدر المصدر.

بقلمعاموس هرئيل

القدس العربي