أبوظبي – أرسلت الإمارات إشارة قوية بأنها غير معنية بالتصعيد الغربي ضد روسيا، وأنها حريصة على علاقاتها مع موسكو، مما يعزز الاعتقاد بأن أبوظبي ترى أن الولايات المتحدة في حالة تراجع استراتيجي ولا يمكن التعويل عليها.
ونقلت وكالة أنباء الإمارات الأربعاء عن وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد أنه أكد في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي سيرجي لافروف على قوة ومتانة علاقات الصداقة بين بلاده وروسيا والحرص على تعزيز التعاون الإماراتي – الروسي في كل المجالات.
ورغم أن السعودية لم تفصح عن موقف حاسم من الأزمة الأوكرانية، إلا أن تمنّعها عن التجاوب مع الضغوط الأميركية لزيادة الإنتاج والعمل على تراجع أسعار النفط، يشير إلى موقف سعودي متشكك في جدوى مسايرة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
ولا تبدو أيّ من الدول المنتجة على عجل لتغيير مستوى الإنتاج الحالي، طالما أن فارق الأسعار يصبّ في خزائنها.
ويقول خبراء ومحللون سياسيون إن تطورات الأسعار تأتي إلى حد الآن في صالح السعودية والإمارات، حيث يقترب سعر النفط من 100 دولار، وهو ما سيوفّر عائدات كافية بالنسبة إلى البلدين اللذين يضعان خططا اقتصادية كبرى ويحتاجان إلى التمويلات الكافية.
تمنّع السعودية عن التجاوب مع الضغوط الأميركية لزيادة الإنتاج يشير إلى موقف سعودي متشكك في جدوى مسايرة إدارة بايدن
ولم تبد السعودية أيّ حماس لتعديل مسار تعاطيها مع مطالب السوق، وما تزال ملتزمة باتفاق تحالف أوبك+ الذي يقر زيادة تدريجية واضحة لكل عضو في التحالف في ظل توافق واضح مع بقية الأعضاء وخاصة روسيا بشأن هذا المسار.
ونجحت الرياض في التعاطي بهدوء مع الضغوط الأميركية بشأن زيادة الإنتاج خلال الأشهر الماضية ولا يعتقد أنها ستستجيب لهذه الضغوط في الوقت الحالي لتبدو وكأنها في صف الولايات المتحدة على حساب روسيا، حليفتها في المجال النفطي.
وكان بايدن تحدث مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز منذ أيام حول مجموعة من قضايا الشرق الأوسط وأوروبا، من بينها “ضمان استقرار مخزون الطاقة العالمي”، وفقا لبيان نشره البيت الأبيض.
وعقب المكالمة سلّط بيان للعاهل السعودي الضوء على “الدور التاريخي لاتفاقية أوبك+”، مؤكدا أهمية الالتزام بالمعاهدة، ما اعتبره المراقبون إشارة واضحة إلى أن السعودية تفكر في مصالحها وحساباتها الخاصة بالدرجة الأولى، وهي التي بدأت بترتيب تحالفاتها الخارجية من جديد.
ويقول مراقبون إن دول الخليج فتحت قنوات تواصل متينة اقتصاديا وعسكريا مع الصين وروسيا ودول أخرى، ضمن رؤية استراتيجية تقوم على تعدد الحلفاء، ولا يمكن أن تتراجع عن هذا المسار لاعتبارات ظرفية. كما أنها ليست بأيّ حال طرفا في الخلاف الروسي – الأميركي حول أوكرانيا، ولا تمتلك من الدوافع ما يجعلها تختار الوقوف إلى جانب واشنطن في التصعيد حول أوكرانيا.
وأعلنت الإمارات الأربعاء عزمها شراء 12 طائرة عسكرية من طراز “أل 15 فالكون” من الصين، بعد أسابيع من تهديدها بإلغاء صفقة لشراء طائرات “أف – 35” من الولايات المتحدة، بعد أن أحاطتها إدارة بايدن بالشروط المرهقة.
وقالت وزارة الدفاع الإماراتية في بيان إنّها “تنوي التعاقد مع شركة كاتيك الصينية لشراء 12 طائرة من طراز أل 15 مع خيار إضافة 36 طائرة من نفس الطراز في المستقبل”، من دون تحديد قيمة الصفقة.
وقال الرئيس التنفيذي لـ”مجلس التوازن الاقتصادي” المسؤول عن صفقات القوات المسلحة طارق عبدالرحيم الحوسني إنّ هذه الصفقة “تأتي في إطار سياسة تنويع مصادر التسليح والتحديث المستمرين لتشكيلات ووحدات القوات الجوية والقوات المسلحة بشكل عام”.
ويرى المراقبون أن الخليجيين أخذوا بجدية مسألة الاعتماد على حلفاء متعددين بدلا من حليف استراتيجي واحد كما كان يحصل في السابق مع الولايات المتحدة، وهم يمتلكون حججا قوية في هذا المسار منها أن واشنطن لم تقرأ حسابا لمصالح حلفائها في الخليج حين قررت بشكل فجائي نقل قواتها إلى مناطق أخرى، وكذلك لصمتها غير المفهوم تجاه استهداف الميليشيات المدعومة من إيران لأمن المنطقة.
ويتساءل هؤلاء المراقبون إن كان ثمة بعد هذا كله ما يدفع الخليجيين كي يستجيبوا لرغبة واشنطن العاجلة في زيادة الإنتاج بهدف إرباك خطط روسيا التي تراهن بقوة على عائدات النفط والغاز لتعويض تكاليف الحرب وما قد يتبعها من عقوبات.
لكن النأي عن الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة ودعم خططها لا يعني بأيّ حال أن الخليجيين قد وضعوا أنفسهم في صف روسيا، أو أنهم يدعمون خططها في أوكرانيا، فهذا التقاء مصالح اقتصادية بقطع النظر عمّا يحيط به من تعقيدات سياسية.
وتملك المملكة أسبابا خارج تحالفها النفطي مع روسيا كي تتحرك بحذر في أيّ تغيير بإنتاجها النفطي، فوجهة النظر السعودية تقول إنه لا يوجد اختلال في التوازن بين العرض والطلب في السوق قد يستدعي رفع إنتاج النفط الخام، وإن الأزمة الطارئة في أوكرانيا لا يمكن أن تتخذ كذريعة لخرق الاتفاق بين حلفاء أوبك+.
وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان إن المملكة ستلتزم باستراتيجية عقد أوبك+ بدلا من أن تزعج التوازن بجولة أخرى من المفاوضات. ونقلت وول ستريت جورنال عن مندوب من أوبك لم يذكر اسمه في منتدى الطاقة الدولي يوم السادس عشر من فبراير في الرياض قوله “ليست المملكة في وفاق مع الولايات المتحدة حاليا ونعلم جميعا أنها غير مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة لتهدئة السوق”.
العرب