أنفاس روسيا الساخنة من الأزمة الأوكرانية يحس بها جيدا في الشرق الأوسط

أنفاس روسيا الساخنة من الأزمة الأوكرانية يحس بها جيدا في الشرق الأوسط

تتأهب دول الشرق الأوسط لمواجهة تداعيات الأزمة الأوكرانية التي تجذب أنظار العالم الآن، حيث تعد تركيا وإسرائيل أبرز المعنيين بهذه الأزمة، إذ ستكون لطريقة إدارتهما لها تداعيات على مصالحهما، حيث لكلا البلدين حسابات في سوريا التي تعد روسيا أبرز اللاعبين فيها أو في مجالات أخرى لتل أبيب وأنقرة فيها مصالح قد تقوضها الأزمة بين كييف وموسكو.

موسكو – تواجه أوروبا تداعيات الأزمة الأوكرانية المتصاعدة بسرعة خاصة بعد اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاثنين باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، لكن من المرجح أن يجد الشرق الأوسط نفسه في مواجهة تداعيات الأزمة المذكورة في الأيام القادمة.

وفي مقدمة دول الشرق الأوسط ستختبر الأزمة الأوكرانية تركيا وإسرائيل اللتين ستحدد إدارتهما لها قدرتهما على حماية مصالحهما الجوهرية المتصورة.

وفي حقيقة الأمر، بالنسبة إلى تركيا العضو في الناتو، لا يمكن أن تكون المخاطر أكبر من هذه الأزمة، حيث يعد ساحلها البالغ طوله ألفي كيلومتر على البحر الأسود والممتد من الحدود البلغارية في الغرب إلى جورجيا في الشرق هو الأطول بين الدول المطلة على هذا البحر، بما في ذلك روسيا وأوكرانيا. ويعدّ البحر الأسود على نفس أهمية تصميم تركيا على منع وجود حكم ذاتي دائم، ناهيك عن وجود كردي مستقل على الأراضي السورية.

كانت أوكرانيا مثل السد الذي يوقف المزيد من النفوذ والضغط الروسي في المنطقة. وحذر مسؤول تركي من أن “سقوط أوكرانيا ستكون له تداعيات مباشرة على تركيا”.

وتضخمت رهانات تركيا من خلال اكتشاف حقل غاز طبيعي في مياهها الساحلية على البحر الأسود العام الماضي يمكن أن يوفر وفقا لوزير الطاقة فاتح دونماز ما يقارب ثلث الاحتياجات المحلية التركية بحلول 2027.

ومع تصاعد الأزمة في أوكرانيا يمكن أن تكتشف تركيا أن حماية هاتين المصلحتين قد لا تسمح لها بعد الآن بأداء عملها الموازن، حيث تحافظ تركيا على شراكة هشة مع روسيا تدعمها الإدارة الحذرة للخلافات، بينما تظل حليفا غربيا ملتزما بالدفاع عن التحالف الغربي. ويتلاءم الدعم الاقتصادي والعسكري التركي لأوكرانيا والتتار في القرم ورفضها الاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014 بشكل جيد مع توازنات تركيا على الحبال المشدودة مع سياسة الناتو.

لكن اعتراف بوتين هذا الأسبوع بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الأوكرانيتين الانفصاليتين، ونقل القوات الروسية إلى تلك المناطق، يهددان بإفقاد تركيا توازنها على حبلها المشدود. ومن المرجح أن يكون فرض العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا بمثابة القشة التي تقصم الحبل التركي المشدود.

وحاول أردوغان الأربعاء توجيه خطاب لا يغضب روسيا أو أوكرانيا، حيث قال إن بلاده لا يمكنها التخلي عن كلا البلدين، وعاود عرض وساطته من أجل نزع فتيل الأزمة المتصاعدة.

ولا تزال سوريا النقطة الضعيفة بالنسبة إلى تركيا. وقال الباحث التركي غالب دالاي في هذا الصدد “من المرجح أن تمارس روسيا ضغوطا على تركيا من خلال سوريا، فعلى مستوى أوسع، تعاونت روسيا وتركيا وتنافستا مع بعضهما البعض من خلال بؤر الصراع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومع ذلك، كانت موسكو أقل انفتاحا على تكرار هذه التجربة مع تركيا في منطقة الاتحاد السوفييتي السابق”.

وقبل أيام من الاعتراف بالمناطق الأوكرانية، ضرب نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف تركيا حيث أعلن أن مشاركة الأكراد السوريين في الجهود الدبلوماسية للتفاوض على تسوية ما بعد الحرب في سوريا ضرورية لمنع الانفصال الكردي وضمان توحيد الدولة التي مزقتها الحرب.

وفي حديثه إلى قناة روسيا اليوم التي تسيطر عليها الدولة، أشار إلى أن مجلس سوريا الديمقراطية يسيطر على مناطق واسعة شرق نهر الفرات. وتنتشر في المنطقة مجموعة من القوات العسكرية من تركيا وروسيا والولايات المتحدة وسوريا والأكراد ومختلف الجماعات المسلحة والجهادية.

وكان تعاون الولايات المتحدة مع الأكراد في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية مصدر إزعاج للعلاقات بين أنقرة وواشنطن بسبب التأكيدات التركية على ارتباط مجلس سوريا الديمقراطية بحزب العمال الكردستاني.

وشن الحزب المذكور، الذي صنفته تركيا والولايات المتحدة وأوروبا كمنظمة إرهابية، حربا منخفضة الحدة في جنوب شرق تركيا لما يقرب من أربعة عقود أودت بحياة عشرات الآلاف.

وسعى الرئيس الروسي لدرء أي توغل تركي إضافي محتمل من خلال الموافقة على تسيير دوريات روسية – تركية مشتركة في منطقة أقامت فيها تركيا بالفعل سلسلة من البؤر الاستيطانية كعازل مع القوات الروسية وقوات النظام السوري.

ومع ذلك تتهم تركيا روسيا بالفشل في الوفاء بتعهدها بنزع سلاح المقاتلين الأكراد في منطقة يبلغ طولها 30 كيلومترا على طول الحدود السورية – التركية.

خيارات محدودة لإسرائيل

من جانب آخر، لا تشارك إسرائيل الحدود البرية أو البحرية مع روسيا أو أوكرانيا. ومع ذلك فإنها تكتشف أن قدرتها على مواجهة إيران وحليفها اللبناني حزب الله عسكريا في سوريا قد تعتمد على مقاربتها للأزمة الأوكرانية. ففي وقت سابق من هذا الشهر أدانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الضربات الإسرائيلية ضد أهداف في سوريا ووصفتها بأنها “انتهاك صارخ لسيادة سوريا”، وحذرت من أنها “قد تؤدي إلى تصعيد حاد للتوترات”.

وأضافت أن “مثل هذه الإجراءات تشكل مخاطر جسيمة على رحلات الطيران المدني الدولية”.

وجاء التحذير الروسي بعد أسابيع من إعلانها أن الدوريات الجوية الروسية – السورية المشتركة أصبحت روتينية. ونُشر هذا الإعلان بعد أن حلقت إحدى الدوريات الأولى على طول مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل والتي تفصل بين إسرائيل وسوريا.

وأصر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بتحد في الرد على ذلك بالقول “سنواصل منع الترسخ الإيراني الذي يلتهم سوريا من الداخل. هذه مصلحة عليا للشعب السوري والنظام؛ تحقيق الاستقرار وإخراج القوات الإيرانية من أراضيها والسماح بإعادة تأهيل البلاد”.

وفي نفس الوقت أقر وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد أن “لدينا نوعا من الحدود مع روسيا” بالنظر إلى الوجود العسكري الروسي في سوريا لدعم الرئيس بشار الأسد. وأشار إلى أن إسرائيل بها جاليات يهودية روسية وأوكرانية كبيرة وأن عددا كبيرا من اليهود يقيمون في البلدين المتناحرين. ونتيجة لذلك سارعت إسرائيل، العالقة في مأزق مشابه لما حدث في تركيا، إلى تجنب إثارة غضب روسيا. وأعلنت أنها تمنع دول البلطيق من نقل أسلحة بمكونات إسرائيلية إلى أوكرانيا.

وعلى عكس تركيا التي قد تشعر أن لديها قدرة أكبر على المناورة في علاقاتها مع روسيا والصين والولايات المتحدة، تشعر إسرائيل أن خياراتها محدودة أكثر عندما يتعلق الأمر بروسيا. ولا يمكنها تحمل تعريض علاقاتها مع واشنطن للخطر.

وقالت وزيرة المواصلات والأمان على الطرقات الإسرائيلية ميراف ميخائيلي قبل ساعات من وصول الأزمة الأوكرانية إلى ذروتها “ليس هناك شك في أن العلاقة الخاصة التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة، والتي تعمل هذه الحكومة على إعادة تأهيلها وإعادة بنائها، ليست هي نفس العلاقة التي تربط بين إسرائيل وروسيا”.

العرب