كييف – لا طائرات أميركية في مطار كابول ولا جنود يدفعون الناس الهاربين ولا هدوء تقدم طالبان واحتلال العاصمة الأفغانية، هذه المرة صورة الولايات المتحدة كقوة عالمية تهتز لانعدام هذه المشاهد؛ فالقوات الروسية تجتاح أوكرانيا وواشنطن ترد بالتصريحات.
وكان أبلغ تعبير عن هذه المفارقة هو تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه يصلي من أجل شعب أوكرانيا الذي يعاني “هجوما لم يسبقه استفزاز وغير مبرر”، وهو ما يظهر مدى العجز عن المناورة لدى الأميركيين بالرغم من الدعوات الواضحة التي وجهتها إليهم كييف مطالبة بتحييد الطيران الروسي.
وندد بايدن بـ”الهجوم غير المبرر للقوات العسكرية الروسية”، مؤكدا أن “العالم سيحاسب روسيا”، وهو ما يعني بشكل واضح أن الولايات المتحدة لا تنوي المغامرة بمواجهة ولو محدودة مع الروس، وأن الناتو والولايات المتحدة والغرب عموما قد تركوا أوكرانيا تواجه بمفردها الغضب الروسي مع فوارق كبيرة في العُدّة والعتاد والخبرات العسكرية.
الأداء المرتبك لإدارة بايدن مع انطلاق المواجهة العسكرية يثير قلقا أكبر ليس في أوكرانيا فحسب، بل في أوروبا والعالم قاطبة
وحرص الأميركيون على الدعوة إلى التهدئة والطمأنة بالرغم من أن الروس دخلوا إلى أراضي أوكرانيا وبدأوا بتنفيذ خطة لـ”تأديبها” ومنح فرصة للانفصاليين الموالين لموسكو لاقتطاع أكثر ما يمكن من الأراضي والمواقع الاستراتيجية وتحويلها إلى أمر واقع مثلما حصل من قبل مع القرم.
ومنذ الساعات الأولى لانطلاق الهجوم الروسي اكتفى الأميركيون بتقديم معطيات عن درجة التقدم الروسية وعن خطط موسكو، في رسالة واضحة تفيد بأن القرار الصادر عن البيت الأبيض يلزم القوات الأميركية بالمراقبة وتقديم المعلومة.
واعتبر مسؤول عسكري أميركي الخميس أن الروس يهدفون من خلال الهجوم على أوكرانيا “بشكل أساسي إلى إسقاط الحكومة وإقامة حكم تابع لهم”.
ويقول مراقبون ومحللون سياسيون إن أداء الولايات المتحدة المرتبك -تزامنا مع انطلاق المواجهة العسكرية- يثير قلقا أكبر ليس في أوكرانيا فحسب، بل في أوروبا والعالم قاطبة، مشيرين إلى أن الارتباك الأميركي وصل إلى ذروته عشية الاجتياح الروسي لأوكرانيا حين اختلطت لغة التهديد بالترضية والضعف وعدم القدرة على توفير الرادع العسكري على الأرض.
وقال المراقبون إنه كان لدى الولايات المتحدة متسع من الوقت للاستعداد وإرسال القوات الرادعة الكافية إلى أوكرانيا أو دول الجوار وبعث رسائل إلى موسكو يفيد مضمونها بجدية الموقف الأميركي واستعداد واشنطن للتصعيد مقابل التصعيد الروسي، معتبرين أن الأميركيين منذ البداية كانوا يعطون الانطباع بأنهم لن يردوا الفعل، وهو ما فهمه الروس ونفذوا خطة الاجتياح بشكل دقيق وشامل.
وتساءل هؤلاء عما إذا كان نشر بضعة آلاف من القوات الأميركية الإضافية في ألمانيا وبولندا ورومانيا كافيا، وأشاروا إلى أن بايدن كان بوسعه فعل المزيد للحفاظ على خيار عسكري يعول عليه.
وقال إيان كيلي سفير الولايات المتحدة السابق في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وجورجيا “من أوجه القصور أن حزمة الردع التي وضعناها غير متكافئة إلى حد ما لأنها اقتصادية بالأساس بينما نواجه مشكلة عسكرية”.
وأضاف كيلي أن بايدن كان بمقدوره السعي لتفعيل قوة الرد السريع التابعة لحلف شمال الأطلسي وإرسالها إلى بولندا ودول البلطيق، مما يحمل رسالة مفادها “لقد حشدت القوات على حدودك. ونحن نحشد القوات على حدودنا، وسننسحب عندما تنسحب”.
ولا يُعرَف ما إذا كانت الحزمة الاقتصادية التي تحدث عنها الدبلوماسي الأميركي السابق سيتم تنفيذها أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تهويش لتخويف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ كما لا يُعرف ما إذا كان التلويح بالعقوبات التي هددت بها بلاده وأوروبا يمكن المضي في تنفيذها أم لا؟
وغير بعيد عن الموقف الأميركي جاءت تصريحات القادة الأوروبيين متضمّنةً مفردات وعبارات شديدة اللهجة في توصيف الهجوم الروسي، وحذر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الخميس من أن الدول الغربية ستفرض عقوبات “هائلة” تستهدف الاقتصاد الروسي، واصفًا بوتين بأنه “دكتاتور”.
وقال جونسون للبريطانيين في كلمة متلفزة “دبلوماسيًا وسياسيًا واقتصاديًا وأخيرًا عسكريًا، يُفترض أن ينتهي مشروع فلاديمير بوتين الوحشي والهمجي بالفشل”.
من جهته تعهّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس في كلمة ألقاها من قصر الإليزيه بأن بلاده وحلفاءها سيفرضون عقوبات على روسيا تكون “على مستوى الهجوم” وستستهدف موسكو على “المستويين العسكري والاقتصادي وكذلك في مجال الطاقة”.
وأضاف “سندعم أوكرانيا دون تردد، وسنتحمل جميع مسؤولياتنا لحماية سيادة وأمن حلفائنا الأوروبيين”. ولم يشر الرئيس الفرنسي -الذي سعى للوساطة وإقناع نظيره الروسي بوجوب البحث عن حل عبر الحوار- إلى أي خطوة عملية فرنسية أو أوروبية لحماية سيادة أوكرانيا.
وقال دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي الخميس إن التكتل سيفرض عقوبات جديدة على روسيا تشمل القطاعين الصناعي والمالي وقيودا على التصدير بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وأضاف “نريد أكبر حزمة ممكنة بحيث تستهدف القطاعات الصناعية والمالية وقيودا على التصدير وربما سياسة تأشيرات الدخول”.
لكن روسيا توعّدت بردّ “قاس” على العقوبات الأوروبية، مؤكدةً أن هذه العقوبات “لن تمنع” موسكو من تقديم مساعدتها للانفصاليين الموالين لها في الحرب على أوكرانيا.
وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان “بموجب مبدأ المعاملة بالمثل الذي هو أساس القانون الدولي، سنتخذ إجراءات مضادة وقاسية”.
العرب