كييف – بدأت الحرب في أوكرانيا، لكن الأنظار الغربية تتجه إلى دول الخليج وسط مخاوف من أن تكون لهذه الحرب تأثيرات كبيرة على استقرار سوق النفط والغاز.
وفيما تطلب من قطر المساعدة على تغطية النقص المتوقع في إمدادات الغاز إلى أوروبا، يطلب من السعودية الشريك المؤثر لروسيا في تحالف أوبك+ أن تعمل ما في وسعها لوقف ارتفاع الأسعار، في وقت يتساءل فيه مراقبون كيف يمكن أن يطالب الغرب الرياض وموسكو بزيادة الإنتاج للحد من آثار أزمة تتسبب فيها روسيا من خلال تدخلها في أوكرانيا.
وستكون هذه فرصة نادرة لدول الخليج كي تتصرف وفق مصالحها وحساباتها الخاصة وتدير الظهر لضغوط الحلفاء التقليديين، وخاصة الولايات المتحدة. ومن الواضح أن الخليج يتغير بسرعة وأن الظروف الموضوعية تأتي لتدعم قرار دوله بناء علاقات خارجية جديدة على قاعدة تبادل المصالح.
كارين يونغ: هذه لحظة للخليجيين للتأكيد على أهمية نفوذهم العالمي
والمفارقة أن السعودية، التي استجابت سابقا لرغبة الحلفاء في ضخ الكميات المطلوبة لإحداث توازن في الأسواق وفرض أسعار منخفضة للنفط، صارت تنظر إلى مصالحها فقط وترى أن ارتفاع الأسعار يخدم مصالحها ويساعدها على تنفيذ مشاريع عملاقة تجهزها لمملكة ما بعد النفط.
ولم تستجب الرياض لضغوط سرية وعلنية من الأميركيين تحثها على عدم الالتزام باتفاق أوبك+ بشأن تحديد الزيادات في الكميات المعروضة في السوق وكسر تحالفها النفطي المتين مع روسيا. والآن، وفي هذه اللحظة المهمة للأميركيين والأوروبيين لم تظهر السعودية أيّ بوادر للاستجابة. وعلى العكس فهي تعتبر أن اتفاق أوبك+ هو الضمانة لاستقرار سوق النفط ولا يمكن خرقه أو التراجع عنه.
ويعتقد خبراء في الميدان أنه من الصعب أن تفضي الضغوط الأميركية على المملكة إلى نتيجة، وأن الموقف السعودي ظهر في تصريحات على لسان مسؤولين كبار في الدولة آخرها على لسان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز حين أكد على “الدور التاريخي لاتفاقية أوبك+”، وأهمية الالتزام بها، وذلك مباشرة بعد اتصال من الرئيس الأميركي جو بايدن.
وتقول نائبة رئيس مكتب مؤسسة “إنرجي أنتليجنس” المتخصصة بالطاقة أمينة بكر “أوبك+ أشارت حتى الآن إلى نيتها التمسك بالاتفاق” القاضي بتحديد الإنتاج وتحديد الحصص للدول المصدرة للنفط، مضيفة “إذا قرروا الضخ بأقصى حد، فقد يكون هذا سببًا آخر لارتفاع الأسعار بشكل أكبر”، لأن المخزون النفطي سيتضاءل.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” قالت منذ أسبوع إن المسؤولين السعوديين قالوا إنهم لن يضخوا المزيد من النفط لخفض الأسعار، كاشفة عن أن الرياض أكدت التزامها باتفاق أوبك+، وأنها لن تضخ نفطا أكثر مما تم الاتفاق عليه في إطار هذا التحالف.
ويظهر هذا الموقف أن الولايات المتحدة باتت على قناعة بأن السعوديين لن يوجهوا أيّ ضربة لروسيا من خلال خطوة مفاجئة لإغراق السوق ودفع الأسعار إلى التراجع، وهو ما يعني أن الرياض تحرص على النأي بالنفس عن الصراع الحالي، وهي وضعية مريحة بالنسبة إليها وإنْ كانت تضعها عمليا في صف روسيا التي لا يربطها بها فقط التحالف النفطي، فهناك اتفاقيات ووعود بالتعاون الاقتصادي والعسكري على مستوى كبير.
ويرى الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بن كاهيل أنّ “السعودية ترى قيمة كبيرة في إبقاء روسيا شريكا مع أوبك”.
ويضيف “إذا ساءت الأمور وكان هناك ضغط لمعاقبة روسيا، فأعتقد أنهم سيؤكدون أن أوبك+ منظّمة تكنوقراطية” تعمل لصالح السوق، أي أن السعوديين سيدافعون عن تقاربهم النفطي مع موسكو.
بن كاهيل: السعودية ترى قيمة كبيرة في إبقاء روسيا شريكا مع أوبك
ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى قطر التي تراقب ما يجري من تصعيد دون أن تقدم على أيّ خطوة تظهر من خلالها أنها انحازت لتحالفها السياسي والعسكري مع واشنطن على حساب تحالفها في منتدى الغاز مع روسيا.
وكانت هناك آمال في أوروبا وواشنطن في أن تقوم الدوحة، أحد أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، بإعادة توجيه الصادرات المخصصة للأسواق الآسيوية إلى أوروبا بالشكل الذي يساهم في تخفيف الأزمة في حال توقف توريد الغاز الروسي سواء بقرار من موسكو أو ضمن خطة عقوبات غربية ضدها.
وفي البداية أوحت التصريحات المتفائلة التي رافقت زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى واشنطن بأن الدوحة قادرة على إنجاد حلفائها بضخ كميات كافية من الغاز، لكن بعد وصول التصعيد الروسي – الأوكراني إلى المواجهات العسكرية قالت قطر إن لديها قدرة محدودة على تحقيق إنتاج إضافي من الغاز الطبيعي المسال، متحدّثة عن قيود على الكميات التي يمكن تغيير وجهتها.
وقال وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة سعد بن شريدة الكعبي الثلاثاء إنه لا يمكن لأيّ دولة أن تحل محل روسيا لتعويض إمداداتها من الغاز، وأن بلاده “لا يمكنها تحويل سوى ما بين 10 و15 في المئة من عقود الغاز الطبيعي المسال إلى أماكن أخرى”، وهو ما يعني أن الرهان على بدائل للغاز من خارج الدور الروسي شبه مستحيل.
وفي قمة في الدوحة هذا الأسبوع، قالت الدول الرئيسية المصدّرة للغاز، ومن بينها روسيا، إنها لا تستطيع ضمان مستوى الأسعار أو الإمدادات.
وتشكّل الإمدادات الروسية حوالى 40 في المئة من حاجة الغاز الأوروبية، فيما يتجه نحو 2.3 مليون برميل من الخام الروسي غربا كل يوم عبر شبكة من خطوط الأنابيب.
وبعيدًا عن معضلة الأسعار وتغطية النقص، تمنح الأزمة دول الخليج المنتجة للنفط والغاز الفرصة لتسليط الضوء على أهمية مواردها ودورها الاستراتيجي في قضايا المحروقات كما في قضايا أخرى، وأنه لم يعد من الممكن القبول بتهميش وزنها في أيّ اتفاقيات ومن أيّ نوع.
وخلال قمة الدوحة للغاز أصرّت قطر على أنّ الأسعار القياسية في أوروبا ترجع جذورها إلى نقص الاستثمار، أي حتى قبل الأزمة الأوكرانية، وطالبت بعقود طويلة الأجل تصل إلى 25 عامًا.
وتقول مديرة برنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن كارين يونغ “هذه لحظة قد يكون للخليجيين فيها نفوذ للتأكيد على أهميتهم في الاقتصاد العالمي وفائدتهم كمنتجين أصحاب قرار”.
العرب