باكستان على موعد مع “سلام الذئاب”

باكستان على موعد مع “سلام الذئاب”

إسلام أباد – يتابع مراقبون بريبة الهجمات المتواترة التي تشنها مجموعات مسلحة في باكستان، لاسيما بعد انتصار حركة طالبان في أفغانستان وانسحاب الولايات المتحدة من البلاد.

ولا يستبعد هؤلاء أن تضطر باكستان لإبرام سلام “مع الذئاب” أي مع حركة طالبان التي تربطها علاقات قوية مع طالبان باكستان.

واستمر الهجوم على مقر القوات شبه العسكرية في بنجور ثلاثة أيام، وشُنّ واحد في نوشكي يوميا، وتزامن مع زيارة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان لبكين لحضور حفل افتتاح الأولمبياد وإجراء محادثات مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.

ونقلت “فوريين بوليسي” عن مسؤول باكستاني كبير طلب عدم ذكر اسمه، أن 22 مهاجما و13 جنديا قتلوا في هجمات الثاني والخامس من فبراير، التي أعلن الانفصاليون البلوش مسؤوليتهم عنها. وانزعجت مصادر في باكستان (بما في ذلك المسؤولون والدبلوماسيون الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم) من التعقيد والقدرة التي ظهرت في الهجمات. وكان جيش تحرير بلوشستان قد أعلن مسؤوليته عن هجوم قبل بضعة أسابيع.

وبحسب تقرير لـ”فوريين بوليسي” فإن عودة ظهور الإرهاب المحلي في باكستان نتيجة مريرة، ولكن ليست غير متوقعة، لإسلام أباد، التي أمضت العقدين الماضيين في دعم طالبان في أفغانستان، فقط لترى نجاحها في نهاية المطاف يرتد ويقوض أمن باكستان.

الشهر الأكثر دموية بالنسبة إلى الهجمات كان أغسطس، عندما استعادت حركة طالبان الأفغانية السلطة في كابول

وتتهم باكستان الآن حركة طالبان في أفغانستان بإيواء جماعات مسلحة تسعى للإطاحة بالدولة الباكستانية. وازدادت هجمات المسلحين بشكل مثير للقلق منذ مايو 2021، بالتزامن مع انتصار طالبان في أفغانستان، وفقا للمعهد الباكستاني لدراسات الصراع والأمن.

وأشار المعهد إلى أن الشهر الأكثر دموية بالنسبة إلى الهجمات في باكستان كان أغسطس، عندما استعادت حركة طالبان الأفغانية السلطة في كابول.

وأحصى المعهد 294 هجوما في باكستان العام الماضي (بزيادة 56 في المئة عن عام 2020) مما أدى إلى مقتل 395 شخصا وإصابة أكثر من 600. وأضاف أن 104 من تلك الهجمات وقعت في بلوشستان و103 في المناطق القبلية المضطربة في خيبر بختونخوا. ويشترك كلاهما في الحدود مع أفغانستان، ولبلوشستان حدود مع إيران أيضا.

وتتحرك حركة طالبان باكستان، التي تربطها علاقات طويلة بحركة طالبان الأفغانية، في المقاطعات الشرقية لأفغانستان من المناطق القبلية في شمال وزيرستان وجنوبه في عمليات الجيش الباكستاني في 2014 و2015. ووصف معهد الولايات المتحدة للسلام في العام الماضي حركة طالبان باكستان بأنها “قوة متضائلة إلى حد كبير ولكنها ليست بلا أسنان”، وأضاف أن “علاقاتها مع الجماعات المسلحة الأخرى لاسيما طالبان الأفغانية والقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان (المعروف باسم الدولة الإسلامية في خراسان) كانت حاسمة في تزويد الجماعة بالمزايا المادية وإضفاء الشرعية على أيديولوجيتها”.

كما أن سقوط أفغانستان (الذي كان يهدف في السابق إلى إمداد باكستان بـ”العمق الاستراتيجي”) أثر بشكل مباشر على أمن إسلام أباد. وأدى رحيل القوات الأميركية والدولية وانهيار الجمهورية الأفغانية إلى توقف ضربات الطائرات دون طيار والعمليات البرية ضد حركة طالبان باكستان في منتصف العام الماضي. ويقدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عدد مقاتلي حركة طالبان باكستان في أفغانستان بما يتراوح بين 3 آلاف و5 آلاف.

لكن مشاكل باكستان لم تكن فقط بسبب سقوط الجمهورية الأفغانية. حيث كان من المتوقع أن تتكثف تهديدات المسلحين المحليين وسط مزيج سام من الحرمان الاقتصادي والتهميش الاجتماعي والأمن القاسي والقومية العرقية والقبلية. وفي جميع أنحاء البلاد تتزايد الهجمات بينما ينتقد القوميون البلوش والبشتون حالات الاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء والرقابة المشددة على وسائل الإعلام.

كما ينتشر تصور بأن الاستثمارات الصينية الكبيرة، خاصة في بلوشستان، تحت غطاء الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني لا تعود بالنفع على الفقراء.

وعزا المسؤول الباكستاني الكبير هجمات أوائل فبراير في بلوشستان إلى الغضب من سيطرة الصين الاقتصادية والمالية على إسلام أباد. وقال المسؤول “كان الهدف هو تقليل العلاقات مع الصين”.

ونقل تقرير “فوريين بوليسي” عن دبلوماسي غربي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته قوله “في أي دولة أخرى، بما في ذلك بلدي، ستسمى هذه الهجمات حربا أهلية. تسوء الأمور، لكن هل تنفجر؟ لا، وليس لأي سبب آخر غير وجود الجيش”.

ويعمل الجيش الباكستاني على ترسيخ سيطرته على الإدارة المدنية والمحاكم ووسائل الإعلام والمجتمع المدني، مبررا أفعاله بالخطاب التقليدي المناهض للهند بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب الداخلي.

وخاب أمل باكستان في أن تتمكن من الاعتماد على تعهدات طالبان لضمان عدم تعرضها لهجمات إرهابية عبر الحدود. كما استمرت الخلافات حول خط دوراند الذي يعود إلى الحقبة الاستعمارية، والذي اعترفت به باكستان ولكن ليس الحكومات الأفغانية المتعاقبة، في حقبة طالبان الجديدة. وتتهم باكستان الآن حركة طالبان الأفغانية بإعطاء حركة طالبان باكستان غطاء لشن هجمات على باكستان. وفي الأسبوع الماضي اعتمدت إسلام أباد أيضا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لاتهام الهند بدعم حركة طالبان باكستان وفرعها من جماعة الأحرار في الأراضي الأفغانية.

الجيش الباكستاني يعمل على ترسيخ سيطرته على الإدارة المدنية والمحاكم ووسائل الإعلام والمجتمع المدني

وقال محسن دوار النائب من شمال وزيرستان “أعتقد أنه بدلا من إيجاد عمق استراتيجي في أفغانستان، سلمت باكستان عمقا استراتيجيا في باكستان إلى طالبان”.

لكن الأمر الخطير في السياق الباكستاني يكمن في أن الجنرالات الباكستانيين ليس لديهم دافع لمحاربة التشدد بسبب غياب المساعدات الخارجية. وحتى الآن، كان كل ما حصلوا عليه مُمولا بشكل كبير من الولايات المتحدة. لذلك، وحتى لو أرادوا فعل شيء ما، فكيف يفعلون ذلك؟ ليس لديهم المال. وقال دوار الذي يترأس الحركة الوطنية الديمقراطية القومية البشتونية إن “الاقتصاد ينهار”.

وقال خبراء أمنيون إن الجيش الباكستاني يحاول التفاوض مع حركة طالبان باكستان وتكييف الجماعة سياسيا من أجل نزع فتيل احتمال اندلاع أعمال عنف. وقالت سيمبال خان مستشارة الصراع والأمن في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في باكستان، إن الجيش عزز وجوده في كل من خيبر باختونخوا وبلوشستان، مما سمح بروابط أقوى مع المجتمعات المحلية.

وتشكل المنطقتان معا نصف مساحة الأراضي الباكستانية. وكانت بلوشستان أكبر محافظات باكستان الأربع، ويبلغ عدد سكانها 12 مليونا فقط من إجمالي 220 مليونا في البلاد. وهي غنية بالموارد الطبيعية، بما في ذلك النفط والفحم والنحاس والذهب وخام الحديد، وتشترك في حدود 500 ميل مع إيران.

وقالت خان “كل مركز يُبنى حاليا، يُرسي مراكز إدارية، ويصحبه المزيد من الضغط من أجل الخدمات الصحية والتعليم والحقوق القانونية للمرأة. إن العمل التوعوي يسير ببطء، إلا أنه بفضل شق الطرق وتدخل الحكومة يتغير الوضع بهدوء”.

وتابعت “مع البنية التحتية للجيش على الأرض في كل من بلوشستان وخيبر باختونخوا، والتي تمكنوا من بنائها على مدى السنوات العشر الماضية، سيكونون قادرين على احتواء التهديد المتشدد”.

لكن أفراسياب ختك الرئيس السابق للجنة حقوق الإنسان الباكستانية يقول إن الانزلاق إلى حرب أهلية ممكن مع تزايد عسكرة باكستان ضد الخصوم الداخليين، وتجاهل التطورات الإقليمية والعالمية الأوسع نطاقا. ويعتقد مثل الكثيرين في باكستان، بما في ذلك رئيس الوزراء، أن حربا باردة جديدة تلوح في الأفق، مما يضع الغرب في مواجهة الصين وروسيا.

وقال ختك إن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان سيُحتّم استمرار عدم الاستقرار في باكستان التي يعتقد أنها جزء من خطة أميركية أوسع لاحتواء الصين.

وأكد أن انتصار طالبان في أفغانستان سيؤدي إلى “غورغ أشتي”، وهي عبارة مستخدمة في الأردية تعني “سلام الذئاب” مع وضع مضطرب وغير متوقع ومتقلب في المنطقة، وسط التوترات المتصاعدة بين الصين وروسيا وإيران.

وقال “يجب أن تكون لباكستان سياسة تجاه أفغانستان، كما تنتهج الصين سياسة تجاه باكستان. إن السياسة الحالية خطيرة للغاية. إنه انتحار. إنهم لا يتواصلون مع الأفغان العاديين من غير طالبان. وليست المشكلة التي أتوقعها وطنية أو إقليمية، بل دولية”.

العرب