التباين الدولي ومفاوضات فيينا

التباين الدولي ومفاوضات فيينا

إتسمت جولة المفاوضات الأخيرة التي جرت في العاصمة النمساوية فيينا بين إيران ومجموعة (4+1) بالعديد من الظواهر السياسية التي أفرزتها طبيعة الأحداث الجارية في العالم وخاصة الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من مواقف وأحداث انعكست على مجمل الأزمات القائمة في منطقة الشرق الأوسط والمحيط الهادي والهندي وعلى نتائج الحوار القائم حول البرنامج النووي الإيراني وتباين المواقف الدولية بين أطراف الحوار بعد التصريحات الأمريكية حول إمكانية التوصل إلى اتفاق مشترك يعزز اتفاق العمل المشترك عام 2015 ، ويبقى الخطاب الإيراني متمسكا بسياسة إظهار القوة والاستفادة من الوقت للوصول إلى نتائج متقدمة وحسب توجيهات المرشد الأعلى علي خامنئي للوفد الإيراني المفاوض وضرورة الالتزام بخطوط ومواقف ثابتة حول الرفع الكامل للعقوبات الاقتصادية الأمريكية مع ضمانات أمريكية بعدم الانسحاب من أي اتفاق يوقع بين جميع الأطراف المتحاورة والعمل على تنفيذ جميع بنود اتفاق عام 2015 وحل المشاكل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعدما شعرت طهران أن الدول الخمسة التي تحاورها ليست بالوضع السياسي الذي يمكنها من التمسك بالشروط والسقوف العالية في المفاوضات الجارية في فيينا بسبب انشغالها بالأزمة القائمة بين موسكو وكييف ، إضافة إلى أن الموقف القائم بين النظام الإيراني والوكالة الدولية للطاقة الذرية أصبح أكثر توترا بعد التصريح الاخير لمندوب إيران في الوكالة محمد رضا غائبي بقوله (ان الوكالة لا تملك الحق في الوصول إلى معلومات للمراقبة حول منشأة أصفهان النووية الجديدة في إيران حتى يتم إحياء الاتفاق النووي ) وسبق وان أبلغت طهران الوكالة انها تنوي إنتاج قطع من أجهزة الطرد المركزي في مجمع جديد في أصفهان بدلا من مجمع تيسا في مدينة كرج ،وهذا ما انعكس سلبا على الموقف بين إيران و الوكالة الذرية بعد أن بين الوفد الإيراني المفاوض أن المسؤولين في الوكالة يسعون إلى مواقف سياسية متباينة للتاثير على طبيعة وسير الحوارات الجارية للتوصل الى اتفاق يرضي جميع الأطراف وأنها ترفض السياسة المتبعة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي ترى في السلوك الإيراني خروجا عن الإتفاق المشترك وضرورة إيقاف عملية التصعيد في إنتاج اليورانيوم المخصب وقطع الطريق أمام طهران ومنعها من الاقتراب والتوصل إلى مراحل متقدمة لإنتاج القنبلة النووية بعد أن وصلت نسبة التخصيب إلى 60% وضرورة تفعيل عمليات التفتيش والمراقبة.
وهنا يظهر تمسك الإدارة الأمريكية بضرورة العمل على تسريع انضاج الاتفاق المشترك وتحديد نسبة اليورانيوم ب20% لمنع إيران من الاستمرار بعملية إنتاج الطرود المركزية وزيادة نسبة التخصيب والتغاضي عن الشروط الأخرى المتعلقة بالنفوذ والهيمنة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وبرنامج الصواريخ البالستية ، وهذا تطور ميداني يؤكد حقيقة سعي الإدارة الأمريكية على اعتبار أن موقفها من البرنامج النووي الإيراني هو حالة فنية نووية وليست سياسية تتعلق بالمصالح العليا للولايات المتحدة الأمريكية التى ترى أن وجهتها الآن هي روسيا والصين وليس منطقة الشرق الأوسط والأزمات القائمة فيها ، ويأتي قول علي خامنئي ليؤكد سعي إيران لاستثمار الموقف الأمريكي بقوله ( انه يسعى إلى عدم هدر أي فرصة لرفع العقوبات وتوقيع الاتفاق المشترك ) .
تبقى لهذه الجولة مميزاتها وتأثرها بالتطورات السياسية الدولية وخاصة الأزمة الروسية الأوكرانية بقيام طهران باستثمار هذه الوقائع للتمسك بشروطها والدفاع عن مقترحاتها والعمل بسياسة الحياد النافع أكثر الذي يجعل إيران نقطة توازن بين روسيا وأمريكا والدول المتحالفة معهما كونهما بحاجة إليها في مجال توفير النفط والغاز بعد الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على الوضع الاقتصادي في أوروبا، وهنا تبرز نقطة مهمة وهي تمسك البرلمان الإيراني بموقفه المعلن في الدفاع عن المصالح الإستراتيجية الإيرانية وإلغاء العقوبات الدولية والمعلن في 20تشرين ثاني 2021 وضرورة تنفيذه من قبل الوفد المفاوض وهو ما اتفق عليه باللقاء الذي جمع وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان ولجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان بحضور رئيس المفاوضين علي باقري .
شكل الموقف الروسي في هذه الجولة عائقا في امكانية تحقيق اتفاق بين الأطراف المتحاورة في اللحظات الأخيرة بعد أن طلب الوفد الروسي أن لا تضر العقوبات المفروضة عليه بسبب حربه مع أوكرانيا على علاقاته الاقتصادية والتجارية مع إيران وهو الأمر الذي دعى وزير الخارجية الإيراني أن يوجه كلامه لوزير الخارجية الروسي لافروف(ان إيران ضد الحرب والعقوبات وعلاقات إيران يجب أن لا تتأثر بالعقوبات) وهي إشارة واضحة للموقف الإيراني من المطالبة الروسية في المفاوضات القائمة حول البرنامج النووي الإيراني وتأكيدا للمقال السياسي لوكالة تسنيم الإيرانية التي رأت أن التدخل الروسي الاخير في المفاوضات يهدف إلى ضمان مصالح موسكو في مجالات أخرى وان مطالبها غير بناءة .
ان إيران تسعى لتحقيق مصالحها الاقتصادية واستعادة مكانتها الإستراتيجية في أسواق الطاقة وتحسين صورتها أمام المفاوضين في العاصمة النمساوية فيينا حول البرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات الاقتصادية عنها ، ولهذا فهي استخدمت سياسة المصالح بعيدة عن حليفتها روسيا التي تواجه موقفا دوليا في حربها مع أوكرانيا مستغلة تطور الأحداث وانسيابية المواقف الميدانية.

وحدة الدراسات الايرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية