الأمن المائي في العراق في خطر؛ وإقليم كردستان يبني السدود

الأمن المائي في العراق في خطر؛ وإقليم كردستان يبني السدود

الباحثة شذى خليل*

للأمن المائي أهمية قصوى لجميع الأحياء على الأرض، فالأمن المائي بوصفه من الموضوعات الاستراتيجية ذات العلاقة بالأمن الوطني والأمـن القـومي بشكل عام، فمنذ زمن غـير بعيـد راح الفكـر الاسـتراتيجي الـدولي يعطـي مفهـوم الأمـن المـائي اهتمامـه الخـاص، للسـيادة الوطنيـة وللأمـن القـومي الشـامل، ولـيس ثمـة شـك في وجـود علاقـة واضحة، وأصـبح هـذا الأمـن عـاملا مهما بين الأمـن المـائي وبـين الاسـتقلال الاقتصـادي والسياسـي ، وان تحقيـق الأول يقـود الى تحقيـق الثـاني، كمـا ان فقدان الأول ينتهي الى فقدان الثاني.
حذر البنك الدولي من أن العراق قد يشهد انخفاضا بنسبة 20% في موارده المائية بحلول العام 2050 مع استمرار ظاهرة تغير المناخ، وان 90% من منابع الأنهار التي تجري في العراق تأتي من خارج أراضيه.
وجراء انخفاض مناسيب المياه الواردة للعراق من كل من تركيا وإيران، فضلا عن انحسار سقوط الأمطار منذ ثلاثة أعوام، كانت وزارة الزراعة العراقية قد أعلنت تخفيض خطتها الزراعية للعام الحالي بنسبة 50%، وان “ندرة المياه” بدأت تتسبب في تهجير قسري للمزارعين محدود النطاق خاصة في جنوبي العراق.
تؤكد جميع الدراسات الاقتصادية الدولية والمحلية، ان العراق أكثر البلدان تعرضا لتأثير التغير المناخي، وهو بأشد الحاجة الى تحسين إدارة الموارد المائية وتقاسمها بشكل منصف يحقق أهداف التنمية المستدامة، حيث احتل العراق المرتبة الخامسة لأكثر دول العالم تأثرا بظاهرة تغير المناخ والاحتباس الحراري في العالم.
ويمكن إيجاز انعكاساته بنقص المياه الصالحة للشرب والري، والتوظيف العشوائي للمياه الجوفية، وقلة المياه في نهري دجلة والفرات جراء بناء إيران وتركيا السدود، خلافا للاتفاقيات الدولية، ما سبّب ترك الزراعة والنزوح إلى المدن غير المهيأة أساسا لاستقبال النازحين.

دقّ ناقوس الخطر في العراق مع نهاية العام الماضي، وقال مستشار وزارة الموارد المائية العراقية عون ذياب عبد الله، إن إيران قطعت المياه بشكل كامل عن بلاده، مما أثر بشكل مباشر على المناطق الحيوية المهمة في مناطق بمحافظة ديالى (شرقي البلاد)، إضافة إلى شط العرب.
وسبقها إعلان لوزارة الزراعة والموارد المائية في إقليم كردستان العراق أكد أن إيران قطعت إمدادات المياه عن الإقليم بنسبة 100%، دول المنبع استغلت الوضع العراقي بعد الغزو الأميركي عام 2003، وأنشأت عدة مشاريع، وأن التطور الكبير والزيادة في النمو السكاني حمّلا الوزارة أعباء إضافية من أجل تأمين مياه الشرب والزراعة، بالإضافة الى التقنيات القديمة المستخدمة في إدارة المورد الحيوي داخل البلد، وضعف إدارة السياسة الخارجية لحصة العراق المائية.
تركيا:
يرى الأتراك ان بلادهم هي من أغـنى دول العـالم بالميـاه. وبـالنظر الى خريطـة تركيـا الجيولوجيـة نجـد ان هضـبة آسـيا الصـغرى ليسـت سـوى شـبكة مـن مئـات الانهـار الكبـيرة والمتوسـطة والصـغيرة التي تـروي الأراضـي التركيـة وتحولهـا الى غابـات وسـهول مزروعـة. جـدير بالـذكر أن نهـري دجلـة والفـرات ينبعـان مـن تركيـا، فضـلا عن الخابور الذي يغذي شمال سوريا ويصب في دجلة في العراق، وعشرات من الانهـر الفرعيـة الاخـرى تنبـع مـن تركيـا. وهكذا فإن الهضبة التركية هي المصدر الرئيس للمياه.
السياسة المائية لتركيا تعد تهديدا للأمن المـائي وتتعمـد تركيـا عـدم التوصـل الى اتفـاق مائي واضح وصريح حول اقتسام مياه ري دجلة والفرات مع كل من سـوريا والعـراق، إصـرارها هذا علـى الاسـتمرار في تشـييد السـدود وإقامـة المشـاريع المائيـة على النهــرين بـهدف تطـوير منطقـة شـرقي الاناضـول . لـذا فـإن سياسـة تركيا المائية تسعى الى تحقيق جملة أهداف ذات أبعاد سياسية واقتصادية، منها تسييس المياه، الحصول على دور فاعل ومؤثر في ترتيبات المنطقة السياسية أو فيما يسمى بالنظام الدولي الجديد.
استخدام المياه كورقة ضغط وابتزاز ضد سوريا والعراق لإضعاف قدرتهما الاقتصادية، حيث تطمح تركيا إلى ان تكون سلة الغذاء للمنطقة العربية، وعليه فإن سياستها المائية ترمي الى توسيع هيمنتها على دول الجوار وخاصة سوريا والعراق.

إيران:
سياسة مائية قائمة على أساس استغلال مياه الأنهر الحدودية، ومنها:
• قطع مجرى الانهار الحدودية، كنهر الكنكير الذي قطعته إيران عن قضاء مندلي مما أدى الى هلاك نحـو ٧٠ % من اشجار الفاكهة في المنطقة.
• قيام السلطات الايرانية بتحويل مجرى الانهار الحدودية باتجاه الداخل الايراني، كنهر الوند عام ١٩٥٨، ممـا ألحق أضرارا جسيمة بمنطقة خانقين فضلا عن بناوة سوتا ونهر قرة تو.
• قيـام ايـران ببنـاء مشـاريع خـزن لغـرض توليـد الطاقـة الكهربائيـة وري الأراضـي الزراعيـة ، وهـو مـا نتجـت عنـه أضرارا بالغة بالأراضي المروية في العراق. وقد لجأت ايران الى تقليل المياه الداخلة الى شط العرب نتيجة للمشـاريع الإروائيـة والسـدود المقامـة على نهر الكـارون .
وقـد أضـر ذلـك بالبسـاتين في منطقـة البصـرة والـتي تـروى بواسـطة المـد والجـزر عـبر جـداول داخـل الأراضي العراقية .
وتعد تصرفات طهران مخالفة للأعراف والمواثيق الدولية، بالإضافة الى استغلالها المياه في أعالي الحوض وعدم مراعاة مصلحة مناطق المصب، حيث بدأ المخزون المائي يتناقص في سد حمرين المقام على نهر ديالى، الذي شارفت مياهه على الجفاف بسبب قلة هطول الأمطار وقطع إيران مجموعة من الأنهر المغذية لنهر ديالى.
إقليم كردستان العراق وبناء السدود:
إنشاء مجموعة من السدود في إقليم كردستان، حيث بيّن مدير دائرة السدود في إقليم كردستان أن هناك 17 سداً قيد الإنشاء ويرتفع عددها يوما بعد آخر لتصل الى 21 سداً لمصلحة العراق، أم انها السلاح السياسي الاقتصادي .
أعلنت وزارة الزراعة ومصادر المياه في حكومة أربيل 16/3/2022، عن توقيع مذكرة تفاهم لبناء اربعة سدود جديدة في اربيل والسليمانية ودهوك، بالتنسيق مع شركة “باورتشاينا”، حسب بيان وزيرة الزراعة “بيگرد طالباني”.
وقد أشار بيان الوزيرة إلى أن السدود هي “سد دلگه في حدود قضاء بشدر، وسد خيوته في السليمانية، وسد منداوه في اربيل وسد باكرمان في دهوك”.
هل سنحصل على جواب حين نسأل ماذا تقول وزارة الموارد المائية في بغداد وهي ترى وزارة الزراعة ومصادر المياه في أربيل تتصرف بالمياه بصورة مستقله ودون الرجوع الى حكومة بغداد ؟
ويمكن ملاحظة ان اربيل تعمل على موضوع السدود على الروافد التي تصب في دجلة جميعها وعلى نهر دجلة ذاته، ولابد ان الجهد المنظم منذ الخطة الأولى لإنشاء 13 سداً على دجلة وروافده الذي اصبح واقعاً عملياً الآن بعد ان كان مشروعا على الورق فقط قبل اشهر قليلة، يخفي خلفه موقفا سياسياً واقتصاديا حاسماً سيكون له دور في الهيمنة على السياسة العراقية وتعطيش المنطقة الجنوبية والوسطى.. فأين تختفي حكومة بغداد والبرلمان العراقي من هذا الموضوع الحيوي؟

لقد باتت ندرة المياه قضية تؤرق السياسيين والاقتصاديين وبعض أعضاء مجلس النواب والباحثين بقضايا المياه، وذلك في ضوء عدم كفاية الموارد المائية المتاحة لسد احتياجات السكان، الذين يتزايدون باضطراد وايضا في ضوء مخططات دول الجوار الجغرافي لحرمان العراق من نصيبه القانوني من مياه الانهار المشتركة، وهذا ما قد يفضي الى صراعات سياسية وربما عسكرية مستقبلا على هذا المورد.

ختاما، يعاني العراق من ضعف ادارة الموارد المائية ، وعدم سبق النظر بتوقعات المتغيرات المناخية وقلة واردات المياه أثر بشكل مباشر على الامن المائي العراقي، فضلا عن ضعف التوعية المائية للمواطنين، وعدم ترشيد استهلاك المياه بسبب رخص اثمانها، وجميعها عوامل اختلال الأمن المائي.سيعاني العراق من موضوع نوعية المياه وكميتها، بسبب تلوثها وعدم قيام دولة المنبع (تركيا) بمعالجة المياه الراجعة من المشاريع الصناعية والزراعية العالية الملوحة، قبل وصولها الى مجاري نهري دجلة والفرات.
والاهم هنا عدم استخدام التقنيات الحديثة، في خزن المياه ونقلها، وكذلك استخدام انظمة الري القديمة والتقليدية في مجال الزراعة، والتي من شأنها زيادة الفاقد المائي.
ازدياد السكان المضطرد، وانشاء الاحياء السكنية العشوائية شكل ضغطا” واضحا على كميات المياه الصالحة للشرب على الرغم من هذه التقارير، المرتبطة بالتغير المناخي والبيئي العالمي، وانعكاساته على الحياة، بكافة جوانبها، في العراق آخر التقارير تقول نصف سكان العراق تقريبا في حاجة إلى مساعدة غذائية في المناطق المتضررة من الجفاف، ولا تزال الحكومة تتأرجح بين الفساد والاقتتال حول نتائج الانتخابات الأخيرة.
ولفهم الكارثة البيئية الحالية في العراق، من الضروري النظر في الوضع السياسي وخاصة تجزئة الدولة بين تكتلات سياسية، تتنازع إلى حد الاقتتال فيما بينها، مما جرد الدولة من أية قوة وسلطة مركزية تؤهلها لإعمار البنية التحتية ووضع حد لنزاعات المحاصصة الطائفية والعرقية المنعكسة على توزيع الموارد، فضلا عن الفشل في إجبار الدول المجاورة على احترام حقوق العراق.

وحدة الدراستات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية