فاغنر في السودان: حكاية ذهب مهرب أم تقارب مع روسيا

فاغنر في السودان: حكاية ذهب مهرب أم تقارب مع روسيا

الخرطوم- أزمة جديدة تواجه السودان تتعلق بنشاط شركة فاغنر الروسية وسط اتهامات غربية لها بوضع اليد على الذهب في البلاد تحت غطاء وجودها الأمني، فيما تقول أوساط سودانية إن هذه الاتهامات هدفها الضغط على الخرطوم للتراجع عن التقارب مع موسكو ضمن خطة أشمل لضرب العلاقات الخارجية لروسيا.

وفي أول ردّ لها وصفت الخرطوم الاتهامات، التي وجهتها لها “الترويكا” الغربية التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، بأنها محاولة لإقحامها “في الصراع الدائر في أوكرانيا بصورة اعتباطية وجزافية”، وذلك على خلفية زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) مؤخرا إلى موسكو.

وقال سفراء دول الترويكا في الخرطوم الاثنين إن مجموعة فاغنر تنخرط في أنشطة “غير مشروعة” بالسودان تقوض “الحوكمة الرشيدة واحترام سيادة القانون”، واتهموا الشركة بالضلوع في أنشطة وصفوها بأنها “غير مشروعة في مجال تعدين الذهب ونشر معلومات مضللة على مواقع التواصل الاجتماعي”.

صديق إسماعيل: النفوذ الروسي موروث ولم يأت به مجلس السيادة الحالي

ووجهت دوائر غربية مؤخرا اتهامات إلى روسيا بالاستيلاء على الذهب المهرب من السودان، وحسب تقرير مشترك أعدته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا في سبتمبر الماضي، فقد السودان قرابة 267 طنا من الذهب منذ عام 2013 عن طريق التهريب، وهو ما نفته وزارة التعدين السودانية في ذلك التوقيت.

وتشير تقارير غربية إلى أن شركة “إم إنفست” وتعمل كغطاء لمجموعة فاغنر قادت حملات تضليلية على شبكة الإنترنت ضد الثورة السودانية عبر التخطيط لإعاقة الحراك الجماهيري للتظاهرات على الأرض، وهو تخطيط أكد الكثير من الناشطين في لجان المقاومة أن فاغنر ضالعة فيه.

وعبّرت سرعة ردة الفعل السودانية على اتهامات “الترويكا” الغربية عن مخاوف السلطة الانتقالية من فرض عقوبات جديدة على البلاد، لكن الرد الذي حمل هجوماً مباشراً على السفراء الغربيين يبرهن على أن السودان حسم وجهته المستقبلية نحو المزيد من التقارب مع روسيا.

وقال نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق صديق إسماعيل إن موسكو لديها أنشطتها التعدينية القديمة في السودان، وهو أمر معلوم للجميع، غير أن الشركات التي تعمل في مجال التنقيب في حاجة إلى تأمين أنشطتها وحماية مصالحها باعتبار أن الوضع في حاجة إلى المزيد من الإسناد الخارجي، ولذلك تستعين بمجموعة فاغنر لتأمين شركاتها، وهي مسألة لا تستوجب انتقادات غربية طالما أن ذلك يتم بموافقة أجهزة الدولة.

وأضاف إسماعيل في تصريح لـ”العرب” أن الانتقادات الموجهة إلى الشركة الروسية مبنية على تعقيدات الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، والأطراف الدولية تبحث عن الأوراق التي يمكن أن تشهرها لحماية مصالحها بالسودان، وجاء بيان الترويكا في سياق الاتصالات المستمرة بين أطراف مدنية وقوى غربية تسعى للضغط على الجيش.

ومازالت أصداء الزيارة التي قام بها حميدتي إلى موسكو تزامناً مع اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية واستغرقت ثمانية أيام حاضرة في مواقف دوائر غربية ترى أنها فشلت في أن تُبقي على الخرطوم داخل دائرة الانفتاح على الاقتصاد العالمي وتعتبر أن روسيا الذراع القوية التي تضمن وجود العسكريين في السلطة.

وأشار صديق إسماعيل لـ”العرب” إلى أن النفوذ الروسي لم يأت به مجلس السيادة الحالي، لكنه موروث ويجري بأشكال ووسائل مختلفة، يأخذ في التصاعد حاليا بفعل وجود شخصيات عسكرية على رأس السلطة لها علاقات بدوائر أمنية وعسكرية روسية، ما ينعكس على الأدوار التي يمكن أن تقوم بها شركة فاغنر.

وأفاد تقرير للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية نهاية العام الماضي بأنه “تم توزيع أفراد تابعين لمجموعة فاغنر في مواقع التنقيب عن التعدين قبل تقديم المساعدة السياسية والعسكرية لنظام الرئيس السابق عمر البشير، عقب اجتماع عقد عام 2017 جمع بين البشير والرئيس فلاديمير بوتين في سوتشي.

وتستهدف الاتهامات التي وجهها السفراء الغربيون حصار الأنشطة الاقتصادية الروسية في السودان عبر مدخل الاحتقان الداخلي جراء الانقلاب العسكري على السلطة المدنية في أكتوبر الماضي وتفاقم الأوضاع الاقتصادية.

محمد الناير: الاتهامات الغربية ترتبط بتوجهات السودان في المرحلة المقبلة

ويريد الدبلوماسيون تسليط الضوء على النتائج السلبية المترتبة على السياسات الروسية من خلال الأنشطة غير المشروعة في السودان أو بسبب الحرب الأوكرانية.

وبخلاف الهواجس الغربية جراء أدوار فاغنر على المستوى الأمني في بلدان أفريقية عديدة تنتشر فيها وتعدّ ذراعاً روسية مهمة لفرض الهيمنة والنفوذ على مناطق ذات أوضاع رخوة، إلا أن الوضع يختلف بالنسبة إلى السودان الذي تبدو فيه المجموعة الروسية على صلة بأنشطة سياسية واقتصادية تحقق مصالح المكون العسكري في الخرطوم.

ويعتبر معدن الذهب أحد ملاذات روسيا لتحصين اقتصادها ضد العقوبات الغربية التي تم فرضها بعد العملية العسكرية في أوكرانيا، كما يعوّل السودان على هذا المعدن كمورد رئيس للنقد الأجنبي بعد خسارته ثلاثة أرباع عائداته النفطية، وفقدان 80 في المئة من موارد النقد الأجنبي.

وقال المحلل الاقتصادي محمد الناير إن السودان لديه 140 شركة تعمل في مجال التنقيب عن الذهب بينما يتراوح عدد الشركات المنتجة بين 12 إلى 15 وتمثل 20 في المئة من إنتاج السودان من الذهب، بينها شركتا “كوش” و”ميرو قولد” الروسيتين، في حين أن التعدين الأهلي أو التقليدي يشكل 85 في المئة من حجم الإنتاج السوداني الذي يتم تهريب كميات كبيرة منه، من دون وجود إثباتات على تورط شركات روسية في عمليات التهريب حتى الآن.

وقبل نحو خمسة أعوام دخلت شركات للعمل في ولايات نهر النيل والبحر الأحمر والشمالية مثل شركة “ميرور قولد” المرتبطة برجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين رئيس مجموعة فاغنر الأمنية وحليف الرئيس الروسي فلادمير بوتين.

وذكر الناير في تصريح لـ”العرب” أن الاتهامات الغربية تحمل أبعادا سياسية وترتبط بتوجهات السودان في المرحلة المقبلة بعد فترة قصيرة من الانفتاح على المعسكر الغربي دون الحصول على دعم حقيقي لتحصين الاقتصاد، وما حدث أن الاقتصاد تراجع بصورة كبيرة نتيجة تنفيذ الجزء الأكبر من روشتة صندوق النقد الدولي ودفع تعويضات للولايات المتحدة، ما فرض التوجه نحو الصين وروسيا.

وربط مراقبون بين الزيارة التي قام بها المبعوث الصيني لشؤون الشرق الأوسط تشاي جيون إلى الخرطوم الاثنين، وبين البيان الصادر عن “الترويكا” في اليوم نفسه، وأن موقف السفراء “مقدمة للمزيد من الضغوط على السودان بسبب توجهاته، وجزء من ممارسات القوى العظمى نحو ضبط تشكيل النظام الدولي”.

العرب