العراق بين الانسداد السياسي ومصالح الأحزاب

العراق بين الانسداد السياسي ومصالح الأحزاب

بدأت ملامح المشهد السياسي العراقي تظهر بشكل أوضح ودقيق بعد مبادرة السيد مقتدى الصدر بإعطاء مهلة أربعين يوما للاطار التنسيقي لتشكيل حكومة عراقية وتوجيه قيادات التيار الصدري بعدم التدخل في أي مشاورات ولقاءات خلال هذه الفترة التي تمتد إلى التاسع من شهر شوال القادم وإلزام الجميع بالصمت الإعلامي وعدم التحدث إلى أي منبر ثقافي وفضائي ، بعد أن شهدت العملية السياسية في العراق حالة من الانسداد السياسي وافتقدت إلى التوافق والتفاهم بين الأحزاب والكتل السياسية، وبادرت حركة السيادة وقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في بيان مشترك اعلنتا فيه أن لا حكومة عراقية بدون التيار الصدري، ولكن الأحداث التي تعاقبت بعد الإعلان الصدري أوضحت حالة من التقارب بدأ يبديه تحالف السيادة بقيادة السيد محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب بإرسال رسائل سياسية ناعمة إلى الإطار التنسيقي بعد أن تم الغاء الزيارة التي كان من المقرر القيام بها إلى إيران من قبل الحلبوسي والوصول إلى قناعة ميدانية أن الإيرانيين لا يرغبون بحصول انشقاق داخل البيت السياسي الشيعي وضرورة إيجاد عوامل تجمع بين الصدريين وباقي الأطراف الحزبية الشيعية للحفاظ على وحدة القرار والتآلف السياسي .
تابع مركز الروابط للدراسات الإستراتيجية والسياسية الأبعاد الحقيقية لما الت اليه نتائج التوافقات السياسية وتمكن من الحصول على معلومات دقيقة خاصة تشير إلى أن تحالف السيادة بدأ بالتحرك بشكل خجول وبطئ نحو إيجاد قنوات الاتصال مع الإطار التنسيقي ولكنه بدأ بفتح حوارات أكثر جدية مع الجارة إيران ومن المحتمل قيام السيد محمد الحلبوسي بزيارة لطهران خلال الأيام العشرة القادمة ، كما أن الدول التي كانت تدعم وتبارك تحركات التحالف الثلاثي بدأت تدرك حقيقة المواقف الإيرانية وطلبوا من حلفائهم في التحالف الثلاثي أن لا يتدخلوا في الشأن السياسي الشيعي والعمل على التفاهم واللقاء معهم .
يمكن لنا أن نرصد حقيقة الموقف السياسي للأحزاب الكردية ممثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني الذي أمتحنت مواقفه بعدة مراحل ابتدأت برفض المحكمة الاتحادية لترشيح هوشيار الزيباري لمنصب رئيس الجمهورية وجاء قرارها بخصوص مراجعة قانون النفط والغاز واعتبار جميع الإجراءات التي اقدمت عليها حكومة إقليم كردستان العراق بتصرفها بتصدير النفط وعقد الاتفاقيات مع الشركات والدول انها كانت مخالفة للقوانين والأنظمة العراقية ثم جاءت الضربات الصاروخية على مركز مدينة اربيل لتشكل انعكاسا سياسيا وامنيا مهما داخل أروقة الإقليم ومهددة حالة الأمن والاستقرار فيه بعد الاعتراف الإيراني الصريح بتنفيذ العملية ، مما حدى بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى دراسة الأوضاع بشكل جدي وتحديد الحلول السياسية التي تدفع إلى عودة العلاقات والاتصالات مع الجانب الإيراني فكان أن تحقق لقاء السيد مسعود البارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني وبحضور عد من أعضاء المكتب السياسي مع حسن دانائي فرد السفير الإيراني السابق في اربيل يوم الاثنين الموافق 11نيسان 2022 ليؤكد على أن إيران دولة صديقة للاكراد ومواقفها محل اعتزاز وتقدير من قبل القيادات الكردية خاصة وأنها احتضنت الشعب الكردي أثناء محنته السابقة وقدمت له المساعدات والمساندة عند تواجد العوائل الكردية في منطقة كرج الإيرانية ولا يمكن نسيان الدعم الكبير الذي قدمته إيران للاقليم أثناء سيطرة التنظيم الإرهابي داعش على محافظة نينوى ومحاولتهم التقدم باتجاه مناطق إقليم كردستان وان الجميع حريص على العلاقات الودية بين الطرفين ، كما طلب الجانب الإيراني من القيادة الكردية مراعاة الجانب الأمني الذي يهم سلامة وأمن الأراضي الإيرانية وحماية أمنها الوطني.
وعلى مستوى العلاقة مع الحكومة الاتحادية فإن إقليم كردستان بدأ أولى مراحل الاجتماعات مع المسؤولين في وزارتي النفط والمالية لمعالجة القرارات الخاصة والصادرة عن المحكمة الاتحادية وإيجاد قواسم مشتركة لاتفاق يحدد المسارات القادمة بين الطرفين وفق المصالح الاقتصادية والمالية التي يسعى إليها المسؤولين في إقليم كردستان العراق.
أمام هذه التطورات الميدانية فان القطب السياسي العراقي الآخر والمتمثل بالاطار التنسيقي بدأ تحركات حثيثة وحوارات مستمرة مع عد من السياسين المستقلين وقيادات في تحالف عزم وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني للوصول إلى تثبيت حالة من التوافق السياسي المشترك وإمكانية الوصول إلى تفاهم جدي بين السياسيين الشيعة بما يحقق الهدف الرئيسي في الحفاظ على وحدة قرارهم وتوجهاتهم ، ورغم كل هذه المحاولات والحركات ولكن السيد مقتدى الصدر لا يزال ثابتا ومتمسكا برؤيته السياسية وأهدافه الميدانية بتشكيل حكومة أغلبية وطنية.
وبقراءة دقيقة وواقعية يرى مركز الروابط للدراسات الإستراتيجية والسياسية أن المشهد العراقي قابل للتغيير في مواقف الأحزاب والكتل السياسية وان هناك العديد من الأحداث التي سنراها قريبا ولكن تبقى مسألة توجيه حكومة أغلبية صعبة التطبيق في ضوء التحولات والتقلبات والتحالفات السياسية .

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية