واشنطن- ترتفع نسب التضخم الأميركية بصورة لم تتوقف منذ بداية العام الماضي، وتسارعت نسب الارتفاع خلال الأشهر الأخيرة بصورة فشلت معها كل مبادرات وإجراءات إدارة الرئيس جو بايدن للحد من الارتفاع الذي يشعر به كل المستهلكين الأميركيين.
فقد ارتفعت الأسعار خلال مارس/ آذار الماضي بمتوسط نسبته 8.5%، مقارنة بمارس/ آذار 2021، مسجلة أعلى معدل في نسب التضخم خلال العقود الأربعة الأخيرة.
ويشكل تسجيل أعلى معدل تضخم أميركي منذ 4 عقود تحديا كبيرا للرئيس جو بايدن في سعيه إلى الدفع بأجندته الاقتصادية.
نسب تضخم عالية لا يتوقف ارتفاعها
زادت نسبة التضخم خلال مارس/ آذار عن فبراير/ شباط السابق بنسبة مقدارها 1.2%، وهي نسبة كبيرة مقارنة بفارق الزيادات الشهرية خلال الأشهر الأخيرة.
وبلغت نسبة التضخم في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي نسبة 6.8%، قبل أن ترتفع بنسبة 0.2% لتصل إلى 7% خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول، ومن ثم ارتفعت بنسية 0.5% لتصل إلى 7.5% في يناير/كانون الثاني الماضي، ثم زادت بنسبة 0.4% لتصل إلى 7.9% في فبراير/ شباط الماضي.
ويعني ذلك أن هناك ارتفاعا كبيرا من شهر إلى شهر في نسب التضخم، وبلا توقف وهو ما يشعر به المستهلكون الأميركيون بما له من تأثيرات سلبية على نسبة الرضا على طريقة حكم الرئيس جو بايدن، مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر/تشرين الأول القادم.
وتشير تقارير مكتب بيانات العمل إلى أن أسعار الغذاء والطاقة تشهد أكبر قفزات بين كل السلع والخدمات الأخرى، وتزامن اندلاع الحرب في أوكرانيا مع بدء مختلف دول العالم مرحلة التعافي من تبعات انتشار وتفشي فيروس “كوفيد-19” على مدار العامين السابقين، وما تبع ذلك من آثار اقتصادية ضخمة وسلبية.
ولم يكد الاقتصاد العالمي يجد طريقة إلى التعافي من أزمات التضخم وارتفاع أسعار مصادر الطاقة واضطرابات سلاسل الإمداد العالمية، حتى تسببت حرب روسيا في أوكرانيا وما تبعها من فرض عقوبات على الاقتصاد الروسي في سيطرة عدم اليقين على مضاربي النفط حول العالم، في ضوء عدم وجود نهاية قريبة وحتمية للصراع الذي أربك خطوط الشحن والإمدادات العالمية، ثم جاءت الإغلاقات الواسعة التي تشهدها مدن ومقاطعات صينية، منها شنغهاي المركز المالي والاقتصادي للصين، على خلفية تفشي فيروس كوفيد-19، لتغلق ما يقرب من 40% من الاقتصاد الصيني، مما زاد من ارتباك الأسواق المالية الأميركية والعالمية.
فشل إجراءات بايدن ومبادراته
لم تنجح مبادرات وإجراءات إدارة الرئيس بايدن حتى الآن في الحد من الارتفاع المستمر في نسب التضخم، وبعد إعلان بايدن الشهر الماضي عن حزمة إجراءات من شأنها زيادة كبيرة في إنتاج النفط الأميركي، مثل السماح بالتنقيب عن النفط واستخراجه من أراض فدرالية واسعة لم يكن مسموحا به سابقا، وما تبع ذلك من الإفراج عن 180 مليون برميل من الاحتياطي الفدرالي النفطي على مدار الأشهر الستة القادمة، بمعدل مليون برميل يوميا، لم تنخفض نسب التضخم واستمرت في الارتفاع.
ويعد هذا السحب هو الثالث من نوعه خلال أقل من 3 أشهر، حيث سحب بايدن 50 مليون برميل في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، و30 مليونا إضافية بداية مارس/آذار، ولم يكن لهذه الخطوات أي تأثير في استمرار ارتفاع أسعار البنزين.
وتحفظ شريف عثمان، الخبير الاقتصادي بشركة بويز للاستثمار (Poise Investment) على تأثير ضخ مليون برميل نفط إضافي يوميا على أسعار الطاقة، حيث إن هذه النسبة “صغيرة للغاية على المستوى الدولي الذي يؤثر بصورة مستمرة في أسعار البنزين ومشتقاته في السوق الأميركية”.
واعتبر عثمان في حديث للجزيرة نت أن “هناك ارتفاعا عالميا على مصادر الطاقة، وساهمت حرب أوكرانيا في زيادة هذه الطلب، وهو ما يتزامن مع عودة مستويات الاستهلاك لما قبل معدلات ظهور فيروس كوفيد-19، وهذه العوامل تؤثر على سعر البنزين في محطات الطاقة الأميركية حيث لا يزال المستهلك الأميركي يدفع مبالغ مرتفعة لملء خزان وقود سيارته”.
وبلغ متوسط سعر غالون البنزين الأقل جودة يوم 18 أبريل/ نيسان 4.1 دولارات أي أكثر من متوسط اليوم نفسه من العام الماضي بنسبة 42%، في حين بلغ سعر الغالون من البنزين مرتفع الجودة 4.8 دولارات محققا زيادة مقدارها 54% عن سعر اليوم نفسه عام 2021.
التضخم وشبح انتخابات الكونغرس
يتعرض بايدن لقدر هائل من الضغوط خاصة مع اقتراب موعد انتخابات الكونغرس في نوفمبر/ تشرين الثاني، وسط تراجع نسب شعبيته التي وصلت إلى ما دون 40%.
ويلقي الجمهوريون باللوم على سياسات الرئيس، التي يعتبرونها أدت إلى ارتفاع نسب التضخم بمعدلات قياسية، وهو ما أدى بدوره إلى ارتفاع تكاليف المعيشة على أغلبية الأميركيين.
ويوافق 33% من الأميركيين فقط على كيفية تعامل الرئيس بايدن مع مسؤولياته الوظيفية في الشق الاقتصادي منها، وفقا لاستطلاع جديد أجرته جامعة كوينيبياك، وتعد تلك النسبة هي الأسوأ منذ وصول بايدن للحكم في يناير/ كانون الثاني 2021، وتقل نسبة الموافقة على أداء بايدن بنسبة 17% عن مثيلتها في التوقيت نفسه من العام الماضي.
وكشف استطلاع جامعة كوينيبياك الذي شارك فيه 1412 مواطنا أميركيا بين 7 و11 أبريل/ نيسان، عن رفض 54% من المشاركين أداء بايدن، وعلى النقيض من ذلك، قال 18% فقط إنهم يوافقون بشدة على أداء الرئيس بايدن، في حين لم يعرف 13% من المشاركين كيف يمكن لهم تقييم أداء الرئيس.
واعتبر عثمان أن اللجوء لإجراء رفع بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي لأسعار الفائدة بنسبة 0.25%، وما يتوقعه الخبراء من وصول إجمالي الارتفاع إلى 2% بنهاية العام من شأنه المساعدة على خفض نسب التضخم، لكن هذا لا يعد العامل الوحيد المتحكم في نسب التضخم، خاصة مع اقتصاد حيوي ومتنوع وضخم مثل الاقتصاد الأميركي، وفق قوله.
المصدر : الجزيرة