دخل ملف إنشاء أنبوب نقل النفط من حقول البصرة النفطية إلى ميناء العقبة الأردني من جديد السجال السياسي العراقي، والذي هو جزء من الصراع حول تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بين “الإطار التنسيقي” الشيعي الحليف لإيران و”التحالف الثلاثي” الذي يمتلك الغالبية البرلمانية، وتصاعدت حدة الانتقادات للحكومة العراقية على خلفية تسريب معلومات حول إحالة مشروع الأنبوب إلى شركة عالمية، على الرغم من نفي وزارة النفط العراقية الأمر وتأكيدها أن المشروع لا يزال في طور الدراسة والتحليل ولم يؤخذ أي قرار بشأنه.
غياب الشفافية
وحاول “الإطار التنسيقي” الذي يضم القوى الشيعية الحليفة لإيران اتهام الحكومة بمحاولة إقامة علاقات مع إسرائيل عبر إنشاء هذا الأنبوب، داعياً إلى إيقاف المشروع لحين تشكيل حكومة جديدة، وتصدر زعيم ائتلاف “دولة القانون” ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، مشهد منتقدي المشروع، وطالب في بيان بوقف تنفيذه حالياً حتى التأكد من جدواه الاقتصادية وتشكيل حكومة عراقية جديدة. وقال المالكي، وهو قيادي بارز في “الإطار التنسيقي” إن “الإطار” يعلن تحفظه من باب الشفافية والمعلومات الكافية والضمانات المناسبة التي تحفظ حقوق العراق في مشروع أنبوب “البصرة-العقبة”، مشيراً إلى أن الحكومة الحالية تفتقر للصلاحيات القانونية بهذا الصدد، كونها حكومة تسيير أعمال يومية.
ويُعّد المالكي من أبرز الداعين لإنشاء المشروع خلال ترؤسه الحكومة مدة ثماني سنوات خلال لقاءاته مع المسؤولين الأردنيين في بغداد وعمان منذ 2008 وحتى 2014.
العلاقات مع إسرائيل
وهاجمت النائبة عن كتلة “صادقون” محاسن الدليمي الحكومة المنتهية ولايتها بشأن مشروع مد أنبوب نفط “البصرة-العقبة”، معتبرة أن تصدير النفط إلى الأردن خلال الأنبوب هو بداية لإقامة علاقات مع إسرائيل، وقالت الدليمي، “المشروع يخدم المصالح الأردنية الإسرائيلية المشتركة، واقتصادياً ليست هناك أي منفعة من هذا الأنبوب”، محذرة من أن “الإطار التنسيقي” لن يقف مكتوف الأيدي أمام سياسات الحكومة القاضية بتدمير الاقتصاد العراقي.
موافقة البرلمان
وأكد النائب الأول لرئيس البرلمان حاكم الزاملي خلال استضافته وزير النفط إحسان عبد الجبار أن “المشاريع الاستراتيجية التي تمس حاجة المواطن ومصلحة البلاد لن تمرر أو توقع من دون موافقة ممثلي الشعب المكلفين بالحفاظ على مقدرات البلاد”.
ومنذ الإعلان عام 2019 عن اتفاق بين الحكومة العراقية السابقة برئاسة عادل عبد المهدي والحكومة الأردنية، واجه هذا الاتفاق سلسلة من الانتقادات والتشكيك من أحزاب وجماعات شيعية وصلت إلى حدّ اعتباره بداية لعلاقات مع إسرائيل خلال الفترة المقبلة، لكن قمة بغداد التي انعقدت أخيراً بين العراق ومصر والأردن تجاهلت هذه الانتقادات والاعتراضات واعتبرت إنشاء الأنبوب خطوة مهمة لتعزيز التعاون الاقتصادي بينها وتعزيز خيارات العراق في إيجاد منافذ جديد لتصدير النفط تضاف إلى موانئه ومنصاته على الخليج العربي.
وتم الاتفاق عام 2019 على إنشاء أنبوب للنفط، وتبلغ الطاقة التصميمية للمشروع مليون برميل يومياً (منها 150 ألف برميل لتشغيل مصفاة الزرقاء في الأردن) لنقل النفط الخام العراقي عبر أراضي المملكة إلى مرافئ التصدير على ساحل البحر الأحمر العقبة، ويتضمن المشروع تنفيذ خط بطاقة تصميمية 358 مليون متر مكعب يومياً لنقل الغاز الطبيعي.
قيد الدراسة
وقال وزير النفط إحسان عبد الجبار إن مشروع الأنبوب الناقل ما زال في طور الدراسة ومعرفة التكلفة، ولم تتم إحالته لأي جهة لغاية اليوم، ولن يتم المضي به من دون التنسيق الكامل مع مجلس النواب والتأكيد على جدواه الاقتصادية وبما يخدم مصلحة الشعب. وأضاف في تصريحات عقب استضافته في البرلمان العراقي أن كلفة المشروع لا تتجاوز 8.5 مليار دولار وسيتم ترحيل ملفه إلى الحكومة العراقية الجديدة، مؤكداً أن المشروع يهدف إلى تعزيز حركة النفط الخام عبر الأنابيب، وانسيابيته في رفد وتزويد منظومة التصدير الشمالية ومصافي الوسط والشمال بالنفط الخام، فضلاً عن تلبية احتياجات محطات توليد الطاقة الكهربائية في مناطق وسط وجنوب العراق. وأوضح أن الطاقة الكلية لمقطع الأنبوب الممتد من (بصرة – حديثة) هو مليونا برميل باليوم، ومليون برميل باليوم للمقطع الممتد من (حديثة – عقبة).
العقوبات أوقفته
ومنذ التسعينيات من القرن الماضي حاول العراق تحقيق تقدم ملحوظ في موضوع إنشاء أنبوب نفطي يمتد من الأراضي العراقية إلى الأراضي الأردنية ليصل هدفه الأساس في ميناء العقبة، لكن العقبات التي واجهت الحكومات العراقية كانت مختلفة، أولها العقوبات، وثانيها انهيار الوضع الأمني وخصوصاً في الأنبار التي يمرّ في أراضيها الأنبوب.
وخلال فترة حكم نظام صدام حسين، كان التفكير بخلق منافذ تصديرية جديدة بعد تعرض منافذ البصرة إلى الهجمات خلال الحرب العراقية- الإيرانية، وإغلاق النظام السوري الأنبوب العراقي المار عبر أراضيها إلى ميناء بانياس، ولهذا، فإن التوجه كان بإنشاء سلسلة من الأنابيب مع دول الجوار لضمان استمرار صادرات النفط العراقي وعدم تأثر الاقتصاد العراقي بالحرب، لكن ما حصل بعد قيام النظام بغزو دولة الكويت وتعرض العراق لعقوبات دولية قاسية، أوقف معظم هذه المشاريع وجعل منها حبراً على ورق ومجرد حديث رسمي عراقي للاستهلاك الداخلي، ولم تستطع الحكومة العراقية في حينها تفعيل أي مشروع لبناء الأنابيب سواء داخلياً أو خارجياً بسبب العقوبات، ما اضطرها إلى العودة إلى التصدير عبر منافذ البصرة والأنبوب العراقي- التركي.
وبعد (أبريل) نيسان 2003، لم تتحرك الحكومات العراقية بشكل فعّال لإثارة ملف إنشاء أنبوب لنقل النفط إلى الأردن إلا في نهاية 2018 بعد قناعة الحكومة العراقية بضرورة إيجاد منفذ جديد للتصدير خارج منافذ البصرة والأنبوب العراقي- التركي، لكون الاثنين لم يعودا كافيين لتصدير إنتاج النفط العراقي خلال السنوات المقبلة والذي من المتوقع أن يصل إلى أكثر من سبعة ملايين برميل يومياً.
فموانئ البصرة النفطية ومنصاتها قادرة في أفضل حال على تصدير ما يقارب أربعة ملايين ونصف مليون برميل يومياً، والأنبوب العراقي- التركي الذي بدأ تشغيله عام 1976 يصدر النفط من حقول كركوك إلى ميناء جيهان التركي والبالغة طاقته التصميمية مليوناً و600 ألف برميل، انخفضت طاقته إلى 600 ألف برميل في أفضل حالاته نتيجة تقادمه وتضرر أجزاء واسعة منه بسبب هجمات كثيرة للجماعات المسلحة استهدفته بالعبوات الناسفة منذ عام 2003.
يمرّ بـ “داعش”
وقال الخبير النفطي حمزة الجواهري إن مسار خط الأنبوب يمّر عبر وادي حوران، وهو يعتبر ملاذاً آمناً لتنظيم “داعش”، مؤكداً أن مضيق هرمز هو من الممرات الأكثر حيوية في العالم، وأضاف الجواهري أن “أنبوب النفط يمرّ عبر وادي حوران، ولا طائرة ولا سيارة وحتى أجهزة التخابر يمكن أن تعمل هناك”، لافتاً إلى أنه لم يسمع أن الملاحة توقفت في الخليج إلا بضع ساعات في حادثة أو حادثتين فقط.
30 مليون برميل يومياً
وبيّن الجواهري أن الخليج ومضيق هرمز يعتبران من الممرات الأكثر حيوية في العالم حيث يمر من خلاله 30 مليون برميل نفط يومياً، وإغلاقه سيؤدي إلى انهيار نصف دول أوروبا اقتصادياً لتوقف الإمدادات النفطية، مشيراً إلى أن تقريراً اقتصادياً بيّن أن كلفة نقل البرميل عبر الأنبوب تصل إلى 14 دولاراً بينما لا تزيد تكلفة نقل النفط للخليج على 60 سنتاً فقط، ولفت إلى أن الوزارة لم تعمل حتى الآن أي دراسة جدوى للمشروع بعد كل هذا الجدل الكبير.
مهم للعراق
بدوره، قال المختص بالشأن الاقتصادي صالح الهماشي إن أنبوب “بصرة- عقبة” مهم للعراق على الرغم من انخفاض فوائده الاقتصادية، مشيراً إلى وجود خطط لإنشاء أنابيب أخرى مستقبلية تمر عبر دول جواره، وأضاف الهماشي، “هذا المشروع ينقل النفط عبر ميناء العقبة في وقت سيتولى نقل 150 ألف برميل يومياً إلى المملكة الأردنية الهاشمية بعد أن كان ينقل هذا النفط بالصهاريج، وبذلك ستقل التكاليف، لأن النقل تتولاه الدولة المنتجة وليست المستهلكة، وكذلك نقل 350 ألف برميل إلى مصر”.
تطوير العلاقات
العراق سيتحمل تكاليف الأنبوب وستكون للأردن حصة في نقل النفط إليها إلا أنه بالمقابل، هناك مكاسب تتمثل بتطوير علاقات العراق بدول جواره ومن ضمنها الأردن ومصر، كما ستزيد القدرة التصديرية للنفط العراقي بدل منفذين حالياً على الخليج عبر موانئ البصرة وكذلك عبر جيهان التركي بعد مروره بالأراضي التركية بحسب الهماشي، الذي أكد أن هذا المبلغ الذي سينفق يمكن أن يعاد خلال سنتين، وفي المقابل، مصر ستزود الكهرباء بالطاقة، والأردن تجهز العراق بالمشتقات النفطية، باعتبار أن الأردن بلد مصاف على ميناء العقبة، والعراق يعاني نقصاً في المشتقات النفطية لعدم قدرة مصافيه على تلبية الاحتياجات اليومية. وأكد وجود خطط مستقبلية لإنشاء أنابيب أخرى مع دول جواره منها عبر المملكة العربية السعودية وآخر مع سوريا عبر ميناء طرطوس.
اندبندت عربي