لندن- فواتير باهظة تنتظر البريطانيين مع نهاية أبريل/نيسان الجاري، بسبب الارتفاع الصاروخي لأسعار الكهرباء والغاز الذي بات يهدد ملايين البريطانيين بالدخول في خانة الفقر الطاقي، إذ لن يكون بمقدورهم دفع ثمن فاتورة الطاقة.
وباتت فاتورة الطاقة تشكّل عبئا حقيقيا على كاهل الأسر البريطانية التي ستكون مضطرة للتخلي عن الكثير من نفقاتها الأخرى لتوفير نفقات الكهرباء والغاز، وإلا فسيحل عليها الخريف المقبل ولن تجد ما تتدفأ به.
ارتفاع صاروخي
وبداية من أبريل/نيسان، سوف يعرف أكثر من 22 مليون أسرة بريطانية ارتفاعا في فاتورة الطاقة، بزيادة تبلغ حوالي 750 إلى 800 دولار في السنة، ومن كان يدفع 1400 دولار في السنة سيكون عليه أداء 2200 دولار سنويا.
وكان البريطانيون يمنّون النفسَ بإعلان حكومة جونسون عن خطط لدعم الأسر ماديا، بالتزامن مع الإعلان عن الإستراتيجية الطاقية للبلاد التي تبين فيما بعد أن هدفها هو تحقيق الأمن الطاقي للبلاد، لا دعم الأسر المتضررة من ارتفاع أسعار الطاقة.
أما عن أسباب هذا الارتفاع، فهو سماح الحكومة بالرفع من الحد الأقصى للأسعار، وهو الحد المسموح به لشركات الطاقة لبلوغه، حيث رفعت الحكومة هذا السقف بأكثر من 54%، مما منح شركات الطاقة هامشا كبيرا للرفع من أسعارها.
وتبرر شركات الطاقة الرفع من أسعارها بارتفاع أسعار الغاز على الصعيد العالمي. ورغم عدم اعتماد بريطانيا على الغاز الروسي إلا بنسبة 5%، فإن الحرب الأوكرانية أثرت على سوق الطاقة في العالم.
وستتفاقم الأزمة خلال أكتوبر/تشرين الأول المقبل، عند مراجعة الأسعار من جديد، حيث توقع تقرير “بنك إينفستك” (bank Investec) أن ترتفع فاتورة الطاقة السنوية إلى 3500 دولار.
الفقر الطاقي
وحذّر تقرير لمؤسسة ريزيولشن (Resolution Foundation) البريطانية من مساهمة هذا الارتفاع في مضاعفة أعداد الأسر البريطانية التي ستدخل في خانة “ضغط الوقود”، وهي الخانة التي يوضع فيها الذين يدفعون حوالي 10% من مداخيلهم على فاتورة الطاقة فقط.
وبحسب تقرير للمؤسسة البريطانية، فإن 5 ملايين منزل في بريطانيا (ثلث السكان) سوف يدخلون في هذه الخانة.
وفي تقرير آخر لمؤسسة الاستشارات البريطانية “ستيزين أدفايس” (Citizens Advice)، توقعت بأنه بحلول أكتوبر/تشرين الأول سترتفع فاتورة الطاقة من جديد، مما يعني أن 14.5 مليون شخص لن يكونوا قادرين على أداء فواتير الغاز والكهرباء.
المؤسسة نفسها كشفت أن 41% من هذه الأسر باتت مضطرة للاقتراض من أجل توفير المال للإنفاق على حاجياتها وأداء الفواتير.
التحذير من الدعم
ودخل صندوق النقد الدولي على الخط، للتحذير من دعوات تقديم دعم مالي للأسر البريطانية. وينطلق الصندوق في تحذيره من منطق اقتصادي يقول إن أيَّ دعم سيزيد من ارتفاع الأسعار.
وقال صندوق النقد إن مساعدة الأسر بالمال سوف تؤدي إلى تفاقم أزمة الإمدادات في المواد الغذائية، وسترفع أكثر من أسعار الطاقة.
ويعلم صندوق النقد أن زيادة الأسعار الحالية قد تؤدي إلى الكثير من الاحتجاجات، لكنه وصف تقديم الدعم المادي للأسر بأنه صبٌّ للزيت على النار، لأنه في حال تم دعم الأسر ماليا فسوف ترفع من طلبها واستهلاكها بشكل يزيد الضغط على الأسواق، وتتفاقم معه أزمة نقص المواد الغذائية، وتزيد من أسعار النفط والغاز.
ولهذا يرى خبراء صندوق النقد أن الحلَّ هو التحكم في الطلب، وهو الأمر الذي قد يؤدي لتراجع الأسعار، ويقترحون دعما موجها للأسر الأكثر فقرا إلى حين تراجع نسبة التضخم.
القادم أسوأ
وحذّر البنك المركزي البريطاني (BANK OF ENGLAND) من أسوأ صدمة ستضرب الاقتصاد البريطاني منذ سنة 1970، وهو ما سيؤدي إلى تباطؤ في نسبة النمو خلال السنوات المقبلة.
توقعات البنك المركزي تأتي بالتزامن مع تسجيل أرقام غير مسبوقة للتضخم، حيث من المتوقع أن تصل إلى ما بين 8% و10% خلال هذه السنة، وهو أعلى معدل مثل أكثر من 50 سنة.
ويحاول البنك المركزي التحكم بنسبة التضخم، من خلال رفع سعر الفائدة للمرة الثالثة على التوالي في غضون 3 أشهر تقريبا، لتصل إلى 0.75%.
ومن المتوقع أن تتفاقم أزمة الأسعار بإعلان غرفة التجارة البريطانية أن عددا كبيرا من الشركات والمتاجر تنوي زيادة أسعارها خلال الأسابيع المقبلة، مما يعني أن لهيب الأسعار سيحل بحلول الصيف.
وبحسب تقرير لمؤسسة ريزيولشن، فإن هذا الوضع سيدفع أكثر من 1.3 مليون شخص نحو الفقر المدقع خلال العالم المقبل، من بينهم نصف مليون طفل.
المصدر : الجزيرة