التغير المناخي والجفاف.. أزمات تهدد الحياة في العراق*

التغير المناخي والجفاف.. أزمات تهدد الحياة في العراق*

 


**العراق يمتلك وسائل ضغط ضد إيران وتركيا لاسترداد حقوقه المائية، نحتاج الى الحنكة السياسية والولاء للبلد.
**

الباحثة شذى خليل*

يواجه العراق تحديات عديدة يفرضها تغير المناخ، والجفاف كارتفاع درجة الحرارة وقلة الأمطار وشح المياه وملوحة الاراضي وزيادة نسبة العواصف الرملية والترابية والكوارث الناجمة عنها، مما يعرقل التنمية بعد انتهاء مرحلة النزاع، ويعيق جهود الحد من الفقر وتعزيز سبل العيش وتخفيف الصراع للحصول على الموارد الطبيعية.
أكدت مصادر طبية عراقية بأن المستشفيات العراقية استقبلت يوم (الخامس من أيار/مايو الجاري 2022) مئات الإصابات بحالات الاختناق بسبب سوء الأحوال الجوية وتصاعد موجات الغبار الكثيف التي تشهدها البلاد منذ أيام. وأشارت إلى أن الفرق الطبية تعمل على مدار الساعة لمعالجة حالات الاختناق والأمراض التنفسية التي تعرض لها العراقيون جراء سوء الأحوال الجوية التي اجتاحت غالبية المدن العراقية في الأيام القليلة الماضية، وزادت حدتها منذ الليلة الماضية، حيث قررت شركة الخطوط الجوية العراقية إيقاف رحلاتها الداخلية والخارجية في المطارات العراقية على خلفية سوء الأحوال الجوية، فيما دعت مديرية المرور العامة سائقي السيارات والشاحنات إلى توخي الحذر بسبب كثافة موجة الغبار وانعدام الرؤية.
يذكر أن العراق من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحر في العالم خاصة بسبب تزايد الجفاف مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز لأيام من فصل الصيف الخمسين درجة مئوية، وحذر المدير العام للدائرة الفنية في وزارة البيئة العراقية من تزايد العواصف الرملية، خصوصا بعد ارتفاع عدد الأيام المغبرة إلى “272 يوماً في السنة لفترة عقدين”، كما رجح “أن تصل إلى 300 يوم مغبر في السنة في عام 2050”.
يجب العمل على زيادة الغطاء النباتي وزراعة غابات بأشجار كثيفة تعمل كمصدات للرياح باعتبارها من بين أهم الحلول اللازمة لخفض معدل العواصف الرملية بحسب الوزارة، حيث اصبح العراق أكثر عرضة للمخاطر نتيجة التدهور البيئي الحاد وإهمال الحفاظ على البيئة، وضعف الأطر القانونية والتنظيمية للإدارة البيئية، وضعف الترتيبات والقدرات المؤسسية.
تفيد تقارير أممية متعلقة بالتغير المناخي بأن العراق يمكن أن يكون خامس أكثر الدول تضرّرا من التغير المناخي الذي يضرب العالم، كما أن قرابة سبعة ملايين عراقي لا يمكنهم الوصول إلى المياه والغذاء والكهرباء بما يسد حاجتهم.
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يهدف إلى الإسهام في جهود إعادة التأهيل البيئي والتنمية في العراق عن طريق معالجة الأسباب الجذرية واتخاذ التدابير اللازمة للتخفيف من مخاطر التدهور البيئي وتغير المناخ وصدمات الكوارث، من خلال بناء القدرات وتقديم الدعم الفني.
لقد صُمم الدعم المقدم إلى الوزارات والإدارات ذات الصلة في الحكومة العراقية والسلطات المحلية وسلطات الإقليم لتمكينها من الوفاء بالتزاماتها القانونية والسياسية والتنظيمية لتعزيز الاستدامة البيئية وإيقاف التغير المناخي في العراق.
التقارير لا تؤخذ على محمل الجد في العراق، فالمشكلة قائمة منذ عقود، وما يحصده العراق اليوم نتيجة طبيعية لما لم يزرعه من أرض سابقا ولما لم يحافظ عليه من مصادر المياه سابقا ولاحقا، حتى بات اليوم الدولة الأكثر عرضة لتغيرات المناخ، والتي جعلت من يوميات مواطنيه صفراء اللون، تارة بسبب الغبار وأخرى بسبب الجفاف والحرّ والتصحر.
التصحر في العراق:
يعد التصحر كارثة بيئية تلقي بظلالها على الزراعة والناتج المحلي للعراقيين، فكيف بالتأثيرات الناتجة عن حجب وقطع القسم الأكبر من العراق من مياه نهري دجلة والفرات والانهار الأخرى القادمة من تركيا وإيران التي تشكل مصدرا لما يزيد على 70 بالمائة من الثروة المائية العراقية؟ ولا يعود السبب في هذا القطع إلى مشاريع الري والسدود التركية والإيرانية فحسب، بل أيضا إلى الضغوط السياسية التي تريد كل من أنقرة وطهران ممارستها على بغداد. وهنا وصل الأمر بقيادات تركية إلى إنكار الصفة الدولية لنهري الفرات ودجلة والادعاء بالحق في النفط العراقي مقابل حق العراق بمياه النهرين؟
البنك الدولي قال إن العراق يحتاج إلى 180 مليار دولار على مدى عشرين سنة لتحديث البنية التحتية بما فيها السدود ومشاريع الري اللازمة لضمان أمنه المائي، ما يعني أنه يحتاج سنويا إلى ضخ 9 مليارات دولار سنويا لهذا الغرض، غير أن ما تم تخصيصه للوزارة المعنية بهذا الأمر، ألا وهي وزارة الموارد المائية لم يتجاوز 15 مليون دولار في عام 2018. وحتى الآن لا يوجد ما يدل على تغيير هذه السياسة بوضوح، في هذه الأثناء وبدلا من الالتفات إلى مشاريع مياه بديلة تحافظ على ما تبقى من الثروة المائية على سبيل المثال من خلال منع الفاقد في الشبكات وتعميم الزراعة بالتنقيط والرش بدلا من الري بالغمر، فإن الأخبار تتحدث عن التركيز على البحث عن مزيد من النفط والغاز وزيادة الاعتماد على ريعهما أكثر من أي وقت مضى.
العراق يملك وسائل ضغط ضد إيران وتركيا:
إن العراق يمتلك وسيلة ضغط اقتصادية لم يتم تفعيلها حتى الآن بشكل يدفع كلا من الحكومتين التركية والإيرانية إلى تغيير مواقفهما نحو الاعتراف بحقوقه المائية. وتتمثل هذه الوسائل في كون العراق أحد أهم الأسواق الخارجية للصادرات التركية والإيرانية. ففي عام 2020 على سبيل المثال استورد العراق من تركيا بضائع بقيمة تزيد قيمتها على 8 مليارات دولار غالبيتها سلع استهلاكية كالأغذية والألبسة. أما الصادرات العراقية وغالبيتها نفطية فبلغت قيمتها في نفس العام 9 مليارات دولار، ما يعني أن 5,4 بالمئة من واردات تركيا تأتي من العراق ونحو 4 بالمائة من صادراتها تذهب إلى السوق العراقية الواعدة والتي تعد من أكبر أسواق العالم العربي.
اما إيران فإن العراق شكل متنفسا تجاريا كبيرا لها خلال السنوات الماضية على ضوء العقوبات الغربية التي تم فرضها على طهران. ويمكن للعراق أن يستخدم الوسيلة المذكورة للضغط بهدف مراعاة مصالحه وحقوقه المائية التاريخية.
ختاما إذا لم يجر تدارك الوضع البيئي والسياسي الخطيرين، فسيكون العراق الأكثر عرضة لتلك التغييرات التي قد تتركه صحراء قاحلة، بحسب وصف تقرير لمجلس الاستخبارات الأميركي رفعت عنه السرّية أخيرا.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية