بيروت – عكست نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية تغيرا في موازين القوى السياسية في البلاد، أبرزها فقدان حزب الله وحلفائه الأغلبية النيابية، ما يعقد خارطة التحالفات وتداعياتها على التشكيل الحكومي وانتخاب رئيسي البرلمان والجمهورية.
ولعل أكثر ما يميز شكل البرلمان الجديد، كسر التمثيل التقليدي لقوى السلطة الذي كان محصورا طيلة عقدين بين فريقي 8 آذار و14 آذار عقب دخول البرلمان لاعبون جدد.
وبعدما كانت موازين القوى محصورة بين طرفين، باتت موزعة في 3 اتجاهات وأكثر، في وقت تترقب البلاد استحقاقات محلية وإقليمية.
وأظهرت نتائج الانتخابات الرسمية تراجع عدد مقاعد حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفائهما من 71 نائبا إلى نحو 60، فيما المقاعد الـ68 المتبقية موزعة على قوى مختلفة وبعضها الآخر مستقل.
باسل صالح: الواقع الجديد قد يطيح بالاستحقاقات الدستورية
ومع وجود 3 تكتلات أساسية ونواب آخرين مستقلين، فإن الأغلبية البرلمانية لم تعد محصورة بيد فريق سياسي معين، إنما بات الثقل موزعا في عدة اتجاهات.
ويتألف البرلمان من 128 نائبا، وتتوزع مقاعده بواقع: 28 للسُنة و28 للشيعة و8 للدروز و34 للموارنة و14 للأرثوذكس و8 للكاثوليك و5 للأرمن ومقعدان للعلويين ومقعد واحد للأقليات داخل الطائفة المسيحية.
وقال المحلل السياسي قاسم قصير إنه “حتى الآن لم تتضح طبيعة التحالفات في البرلمان الجديد، كونه يضم مجموعة كتل غير متجانسة”.
ولفت إلى أنه مع قيام التحالف بين حزب الله وحركة أمل (شيعيان) والتيار الوطني الحر وتيار المردة (مسيحيان) إضافة إلى شخصيات مستقلة، فإنه “قد لا يتفقوا أحيانا على بعض الملفات”.
وفي اتجاه آخر، يبرز حزب التقدمي الاشتراكي (برئاسة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط) وحزب القوات اللبنانية (مسيحي)، وحزب الكتائب، كلٌ على حدة، إضافة إلى نواب قوى التغيير، وشخصيات أخرى مستقلة، منها من هو بخلفية إسلامية.
وتابع قصير “هكذا، يكون البرلمان الجديد أشبه بفسيفساء متنوعة، سيكون التوافق أو الخلاف بين أعضائه حسب كل ملف، وليس وفق مشروع سياسي موحد”.
ومن أبرز الملفات والقضايا التي قد تشهد انقساما داخل البرلمان، هي اختيار رئيس البرلمان ونائبه، ومن ثم تسمية رئيس للحكومة، وشكل الحكومة المقبلة.
كما ستكون هناك صعوبة في اختيار برنامج الحكومة، لاسيما بشأن الأزمة الاقتصادية والمالية، وكيفية معالجة مشكلة احتجاز أموال المودعين في البنوك، إضافة إلى تطبيق الإصلاحات السياسية والإدارية.
ويعاني لبنان منذ نحو عامين ونصف العام أزمة اقتصادية حادة تعد الأسوأ في تاريخه، حيث أدت إلى انهيار مالي ومعيشي، وشح في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى.
وإلى جانب الأزمة الاقتصادية، فإن سلاح حزب الله قد يكون من أبرز القضايا التي ستشهد انقساما بشأنها تحت قبة البرلمان. وتمتلك جماعة حزب الله ترسانة أسلحة وصواريخ.
ويقول الأستاذ الجامعي والناشط السياسي باسل صالح إن البرلمان الجديد سيشهد توترات مع تبدل موازين القوى فيه، وما ينتظره من استحقاقات سياسية واقتصادية.
ولفت إلى أنه ولأول مرة منذ عقدين، لم يعد هناك وجود لأغلبية مطلقة داخل البرلمان، سواء لحلفاء حزب الله أو لخصومهم، مع وجود لاعبين جدد ممثلين لقوى التغيير والمعارضة.
ويخلق هذا الواقع النيابي الجديد، وفق صالح، نوعا من التوتر في عمل البرلمان، في ظل محاولة بعض القوى التقليدية استمالة بعض نواب قوى التغيير إلى صفوفهم، أو الالتفاف عليهم.
وبرز مصطلح “قوى التغيير” بشكل لافت خلال العامين الماضيين، على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد أواخر 2019 واستمرت عدة أشهر، حيث حمّل المتظاهرون الطبقة السياسية مسؤولية الفساد وطالبوها بالرحيل.
واعتبر صالح أن هذا التوتر نتيجة الواقع الجديد، قد يطيح بالاستحقاقات الدستورية المقبلة، كتشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جديد للبلاد، ما ينذر بسقوط لبنان بفراغ رئاسي وحكومي في المرحلة المقبلة.
وتنتهي ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون في الحادي والثلاثين من أكتوبر 2022، حيث انتخبه أعضاء البرلمان عام 2016 وأنهى آنذاك فراغا رئاسيا استمر 29 شهرا.
ولفت المتحدث إلى أن نواب قوى “التغيير” ليسوا موحدين حول برنامج واحد، وهذا ما سيخلق المزيد من التوترات والانقسامات داخل البرلمان.
واستبعد صالح أن تسهم الانتخابات البرلمانية في حل أزمة الانهيار الاقتصادي والمالي، نظرا إلى عمقها في البلاد.
العرب