مثلت زيارة رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني إلى محافظة السليمانية والتصريحات التي أدلى بها إيذانا بصفحة جديدة في العلاقة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، بعد أشهر طويلة من التجاذبات ألقت بظلالها على العملية السياسية في العراق وعلى الوضع داخل الإقليم.
أتت زيارة نيجيرفان بارزاني إلى السليمانية في ظل خلاف حاد بين الحزبين الكرديين (الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل طالباني) حول منصب رئيس الجمهورية.
ففي الوقت الذي يصر الاتحاد الوطني الكردستاني على مرشحه للمنصب الرئيس الحالي الدكتور برهم صالح، فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني كان رشح وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري للمنصب.
وبعد إقصاء هوشيار زيباري من قبل المحكمة الاتحادية، رشح بارزاني وزير داخلية الإقليم ريبر أحمد للمنصب. لكن التحالف الثلاثي الذي يقوده زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وينتمي إليه الحزب الديمقراطي فشل في تمرير مرشحه للمنصب عبر ثلاث جلسات برلمانية، بسبب عدم تمكنه من جمع أغلبية الثلثين اللازمة للتصويت لمنصب رئيس الجمهورية. وتسبب الخلاف الكردي – الكردي في أزمة سياسية حادة كون عدم التوافق على مرشح كردي واحد للمنصب حال دون إمكانية تشكيل الكتلة الأكثر عدداً داخل البرلمان العراقي، التي ترشح رئيساً للوزراء.
ففي زيارته إلى السليمانية، أعلن رئيس إقليم كردستان العراق نيجبرفان بارزاني عن التوصل إلى أرضية مشتركة مع الاتحاد الوطني الكردستاني لإنهاء الانسداد السياسي في الإقليم والعراق، في خطوة سارعت قوى من الإطار التنسيقي إلى مباركتها. وأجرى بارزاني لقاءات مع قيادات في الصف الأول للقوى السياسية الكردية من بينها قيادات في حركة التغيير والاتحاد الإسلامي الكردستاني، واتسمت تلك اللقاءات بالكثير من الإيجابية.
وقال بارزاني، عقب جولته السياسية، وفي كلمة له في مراسم تخرج الدفعة السادسة عشرة لطلبة الكلية العسكرية “لقد نجحنا في إيقاف الحرب الإعلامية بين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، كما توصلنا إلى أرضية لحل الانسداد السياسي”، في إشارة إلى اتفاق بين الطرفين حول ملف رئاسة الجمهورية. وشدد على أنه “لا توجد مشاكل لا يمكن حلّها، ولكن هناك الكثير من العقبات التي تظهر بين الحين والآخر”. وأوضح بارزاني “مازلنا متواصلين مع الأطراف في العراق وإقليم كردستان لمعالجة الانسداد السياسي الحاصل”.
مما لاشك فيه، أن هذه الزيارة والتصريحات التي أدلى بها تؤكد بأن نيجيرفان بارزاني رجل من رجال الدولة العراقية، وأن معادن الرجال الوطنية تظهر بشكل جلي في أوقات الأزمات التي تعصف بالوطن، وهذه الزيارة تذكرنا بمقولة ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا حينما قال : “الفرق بين الرجل السياسي ورجل الدولة هو ان الاول يفكر في الانتخابات المقبلة، والثاني يفكر في الاجيال القادمة”. وهذا القول ينطبق تمامًا على رجل المهام الوطنية نيجيرفان بارزاني.
إن زيارة نيجيرفان بارزاني للسليمانية وحرصه على ايجاد حل للانسداد السياسي في العراق مع شركائه في إقليم كردستان، تعني حرصه الشديد على استقرار إقليم كردستان والعراق، لأن استقرار العراق بمنظور البارزاني ينعكس بشكل إيجابي على استتقرار البيئة الإقليمية. فزيارة نيجيرفان بارزاني للسليمانية تؤكد مجددا بأنه رجل دولة توافقي حيث استطاع في السنوات الماضية الحفاظ على وحدة الإقليم، ولعب دورا بارزا في التقارب بين الأحزاب السياسية، وأطلق مبادرة لحل المشاكل الداخلية، كما لعب دورا بارزا في معالجة الأزمة الاقتصادية، حيث تمكن الإقليم خلال السنوات الماضية وبفضل سياسته من جذب الاستثمارات العربية والأجنبية، ورغم الأزمات التي واجهها كردستان العراق داخليا وخارجيا استطاع أن ينفض عن نفسه غبار الأزمة الاقتصادية ويخرج منها.
واكب البارزاني السير القويم بخطى راسخة حتى باتت شخصيته من الشخصيات الوطنية الأولى في الأوساط العراقية، فالمثقفون يحبون شخصيته لقربه منهم، والعامة تحبها لأنها تمنحهم الطمأنينة والأمان، والطبقة السياسية ترى فيه صمام الامان، وهذا مؤشر مهم جداً دفع جهات رسمية وشعبية عدة إلى توجيه دعوات متكررة له في مناسبات مختلفة.
فما يمتلكه نيجيرفان بارزاني من خبرة سياسية ورؤية سياسية ثاقبة للمستقبل، وحس وطني سليم، يمكنه من حل القضايا الشائكة على مستوى إقليم كردستان بشكل خاص والعراق بشكل عام. لذلك اكتسب احترام الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني في العراق، كما حظي بموفور من الاحترام والتقدير الكبيرين على المستوى العربي والإقليمي والدولي. ولم يأت هذا الحضور السياسي من فراغ، بل هو مســــــــتند إلى قاعدة راسخة الجذور، حيث تاثيراته الايجابية ذهبت لابعد الحدود ، نيجيرفان البارزاني يحسب الف حساب لكل خطوة يخطوها ، فهو سليل عائلة مناضلة.
خلاصة القول، من منطقة برزان في إقليم كردستان العراق إلى معترك السياسة العراقية الذي يكثر فيه التحديات فمجابهتها تقتضي وجود نيجيرفان كرجل من رجال الدولة العراقية.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة